قصة أبو جهل عم الرسول وسبب كرهه للنبي
أبو جهل ليس عم الرسول كما يعتقد البعض، وإنما هو من أسياد قريش، إذاً من هو؟ وما سبب كراهيته لرسول الله؟ هذا ما سنعرفه عبر السطور التالية.
من هو أبو جهل؟
إنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، وكان من أهل قريش، وليس من آل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيما يعني أنه من قبيلة النبي فقط، وليس من عائلته، وأما عن كُنية أبي جهل، فقد أطلقها عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كان لأبي جهل النفوذ الكبير بسبب مكانته المالية والتجارية بين أهل قريش، وتولى زعامة بني مخزوم، وكان ذلك بعد أن مات وليد بن المغيرة، وعقب موت أبي طالب عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، استطاع أبو جهل أن يمنع أبا لهب من حماية الرسول وذلك بمساعدة عقبة بن أبي المعيط.
سبب كراهية ابو جهل لرسول الله
كره أبو جهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما أتى بالدعوة وبدأ يدعوا أهل قريش لتوحيد الله، وألا يعبدوا رباً سواه، حيث نال التكبر من قلبه، فجعله يستنكر ما جاء به نبي الله، فهو يرى أن دين الإسلام قد ساوى بين أسياد قريش وعبيدها، مما جعله لا يستجيب لما دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبدأ في إيذائه.
مظاهر إيذاء أبو جهل لرسول الله وأصحابه
عمد أبو جهل إلى إيذاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة الكرام بعدما بدأت الدعوة في الانتشار، حيث أتى بأمعاء وأعطاها أحداً من قومه، حيث طلب منه أن يلقيها على رسولنا الكريم، وهو ساجد، وقد فعل، في ظل ضحكات وتمايل قوم قريش.
إلى أن أتت السيدة فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وطرحت عن أبيها الأذى، وقد ذُكرت هذه القصة في صحيح البخاري إذ روى عبد الله بن مسعود:
“أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأَصْحَابٌ له جُلُوسٌ، إذْ قالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أيُّكُمْ يَجِيءُ بسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ علَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ به، فَنَظَرَ حتَّى سَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وضَعَهُ علَى ظَهْرِهِ بيْنَ كَتِفَيْهِ، وأَنَا أنْظُرُ لا أُغْنِي شيئًا، لو كانَ لي مَنَعَةٌ، قالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ ويُحِيلُ بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عن ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عليهم إذْ دَعَا عليهم، قالَ: وكَانُوا يَرَوْنَ أنَّ الدَّعْوَةَ في ذلكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بأَبِي جَهْلٍ، وعَلَيْكَ بعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ – وعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَرْعَى، في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ”.
لم يكتف أبو جهل بذلك القدر، بل كان ينهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الصلاة، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: “كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي، فجاء أبو جَهلٍ فقال: ألم أنْهَك عن هذا؟ ألم أنْهَك عن هذا؟ ألم أنْهَك عن هذا؟ فانصرف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فزَبَره، فقال أبو جَهلٍ: إنَّك لتعلَمُ ما بها نادٍ أكثَرُ منِّي، فأنزل الله: فَلْيَدْعُ نَادِيَهْ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق: 17-18] ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: فواللهِ لو دعا نادِيَه لأخذَتْه زَبانِيَةُ اللهِ”.
ويذكر التاريخ أن أبا جهل هو من قتل سمية أم عمار بن ياسر، وهي أول شهيدة في الإسلام، وذلك لأنه سمع منها ما أغضبه، ولم يقف إيذاء أبي جهل عند هذا الحد، بل حاول قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، على الرغم من أنه يعلم أن الرسول الكريم صادق، إذ قال أبو جهل لوليد بن المغيرة: “والله إني لأعلم أنه لصادق! فقال له: مه! وما دلك على ذلك؟! قال: يا أبا عبد شمس، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده، نسميه الكذاب الخائن!! والله إني لأعلم إنه لصادق! قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال: تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أبداً، فنزلت: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ}”.
محاولات قتل رسول الله على يد أبي جهل
حاول أبو جهل قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدة مرات، فقد هم بفعل ذلك بنفسه، إذ أخبر قوم قريش أنه سينتظر الرسول حتى يأتي إلى الكعبة من أجل الصلاة، فإن سجد، فسيهشم رأسه بحجر.
ولكن عندما أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليصلي، وعزم أبو جهل على فعل ما أراد، رأى فحلًا ضخمًا من الإبل لم ير مثله من قبل، أراد أن يأكله، فما كان منه إلا أن تقهقر وتغير لون وجهه خوفًا ورعبًا.
وقد كان ممن أشاروا باختيار رجل من كل قبيلة، على أن يشارك أولئك الرجال في قتل رسول الله، فيتفرق دمه بين القبائل، ولكن الله أنقذ نبيه الكريم.
كيف مات أبو جهل؟
في السنة الثانية من الهجرة، في غزوة بدر، أُصيب أبو جهل، على يد غلامين من الأنصار، وذلك بعدما تحدثا مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن الرغبة في قتله، قال عبد الرحمن بن عوف في صحيح البخاري:
“بيْنَا أَنَا واقِفٌ في الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بغُلَامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بيْنَ أَضْلَعَ منهما، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ، هلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلتُ: نَعَمْ، ما حَاجَتُكَ إلَيْهِ يا ابْنَ أَخِي؟ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لذلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقالَ لي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ في النَّاسِ، قُلتُ: أَلَا إنَّ هذا صَاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَاهُ، فَقالَ: أَيُّكُما قَتَلَهُ؟ قالَ كُلُّ واحِدٍ منهمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقالَ: هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا؟ قالَا: لَا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقالَ: كِلَاكُما قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، ومُعَاذَ بنَ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ”.
وعندما انتهت غزوة بدر لم يجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبا جهل بين القتلى أو الأسرى، فبحث عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حتى وجده يصارع الموت، وقد كان عبد الله بن مسعود نحيلًا، مما كان سببًا في أن يحتقره أبو جهل من قبل، فهمَ عبد الله بن مسعود بسيفه قاتلًا رأس الكفر وفرعون هذه الأمة، فضرب عنق أبي جهل ضربة كانت القاضية.
ستظل قصة أبي جهل تخبرنا أن الكفر لا يُنجي صاحبه، وأنه مهما كانت المناصب التي شغلها أبو جهل، كان لابد وأن يموت ذليلًا، فالنجاة والعزة بالإيمان بالله عز وجل والتصديق بالذي جاء بين يدي رسوله (صلى الله عليه وسلم).