العولمة والتكنولوجيا وعلاقتها في أدلجة العقل الإنساني

الأمر يحتاج شاشة هاتف ذكي وثورة رقمية فكرية، لاغتصاب عقول الأمم العربية، بحث حول العولمة والتكنولوجيا وعلاقتها في أدلجة العقل الإنساني.

العولمة والتكنولوجيا وعلاقتها في أدلجة العقل الإنساني

الثورة الرقمية استطاعت اختراق الحدود والمسافات والدخول عنوة إلى حياة الجميع دون استئذان، ورغم أنها وصلت إلى العالم العربي بطلّتها البهية وهالتها الغريبة من نوعها والتي أثّرت على جميع العقول حتى جعلت الأرجل والأيادي تتدافع للإمساك بهذا الكنز سريعاً.

إلا أنها على الجانب الآخر كانت تُخفي حقيقةً أخرى ينزوي داخلها فكر ماسوني وسيطرة غربية لتحريك الشعوب العربية بسهولة كيفما أراد العدو!!.

فلاش باك ما قبل الكارثة

قبل عام 1990، كانت الدول العربية بعيدة كل البعد عن التكنولوجيا، وكل ما تملكه من خزينة معرفية قوية جميعها كانت من وارد صفيحات الورق والجرائد ومناهج التعليم الاعتيادية، وكانت آنذاك تدرك تماماً من هو العدو الخاص الذي يبغضه العرب دون استثناء، ولم يختلف في ذلك الوقت أي شخص على هذه القضية!!.

ورغم قيام العديد من الحروب في الكثير من البلدان العربية، فقد كانت ورغم هذا تؤمن إيماناً مطلقاً بأن الغرب هو المسؤول الأول عن أي حرب تُقام وبأن اسرائيل هي اليد الخفية لهم!!.

لاسيما أن الأطماع كانت تُدرّس ويلوكها العرب كـ جملٍ يلوك طعامه بشراهة، علاوةً على ذلك فقد كان محور الحياة لدى العرب ينطوي على العمل وتأمين الحياة لمستقبل أولاد كل أسرة، وأما عن الشباب فقد كان البعض منهم يندفع للدراسة وآخر للحياة الريفية والفلاحة وغيرها.

حتى أن الملابس كان لها رأيٌّ آخر لدى القبائل والشعوب والأفراد، إذ كان الفرد الذي ينشأ في بيئة متحفظة يُبقي على هذا الإرث الذي تناوله من أجداده بأن لا يتعدى الحدود في ارتداء ملابس تُخالف العادات والتقاليد، ولم يكن آنذاك ما يمكن أن يغيّر قناعته، طبعاً بخلاف طبيعته الفطرية إن كانت متمردة أم لا!.

وجلّ ما كنا نعرفه عن الغرب آنذاك كان يندرج فقط على بعض المعلومات حول حرّيتهم التي كنا نجدها تخالف الشرع والدين بالنسبة للمسلمين وتتقارب قليلاً مع الفكر المسيحي ولكن تتفوق على الجميع بالمبالغة المفرطة والتجاوزات وهذا ما كنا لا نعيه أو نتقبله بشكلٍ أو بآخر.

ما بعد الكارثة “تكنولوجيا تأخذ عقلك نحو الفراغ والسطحية”

وتحديداً في عام 1992 إن لم أكن مخطئة، بدأت التكنولوجيا تطرق أبواب بلادنا العربية عنوةً، كـ ضيفٍ آتٍ من الخارج يرتدي زي ملفت للنظر وغريب من نوعه ويستدرج الجميع للتحدث معه أو لمسه!.

تهافتت الأيادي آنذاك لتكون كما هو الحال “عصرية” ومن الطبقة “المخملية” وذلك لا يتم إلا بشراء هذا الجهاز الذكي غريب الأطوار والذي يعطي صاحبه لقب “هاي كلاس”، لك أن تتخيل كيف تم اغتصاب العقول منذ اللحظة الأولى لدخول هذه التكنولوجيا إلى دول العالم الثالث، حيث كانت اللبنة الأولى للتأثير تتلخص في أن حامل هذا الهاتف يُعد من الطبقة “الواو”!!.

ولاختصار الأمر أكثر، يمكن لي إيجازه بأنه بدأ رويداً رويداً ومن كان يحمله ويجده البعض بأنه فاحش الثراء، أصبح فيما بعد شخص عادي بعدما انتشر هذا الهاتف بأيادي الجميع دون استثناء ومن مختلف الطبقات، أو ربما، أصبح الجميع فجأة من الطبقة المخملية!، لربما هذا حقيقي عندما يتعلق الأمر بشراء شيء يُبعد البشرية عن روتين الحياة المعتاد!.

تلفاز، هاتف لاسلكي، كمبيوتر، ثم كمبيوتر محمول، ثم هاتف ذكي ذو أزرار، ثم هاتف يُستخدم باللمس، انترنت، وسائل تواصل اجتماعي، أفلام عنف أميركية، بطولات الغرب وقدراتهم، تجاوز التكنولوجيا الغربية لحدود المعقول، وصولهم حتى عنان القمر… إذن كارثة العولمة والثورة الرقمية بدأت تقدح زناد قريحة العالم.

كانت النساء تجد أن اللباس الفضفاض يعكس طبيعتها العصرية الأنثوية، ثم أصبحت وبفعل وسائل التواصل والانفتاح، تجد أن اللباس الضيق أفضل بكثير ويعكس جمالية قوامها وأنوثتها!!.

كان الرجل يحلم برؤية امرأة ويبحث عن الحب خلف النوافذ والأبواب، فأصبح لا يأبه بتلك النسوة اللاتي يسكنَّ في الحي المقابل له، بل يسيل لعابه على صور النساء على الانستغرام والفيسبوك وغيرها!!.

ثم تغيرت الموضة، وعاد اللباس الفضفاض إلى الواجهة، كما أن تلك الملابس المهترئة التي لم يكن لها مكان ضمن الملابس وإنما كانت تعتبر خُرق بالية، أصبحت تمثّل الموضة بأبهى حلتها لدى الرجال والنساء، ويمكن لك قياس هذا الأمر على كل شيء وليس فقط الأزياء وغيرها!.

كان الرجال يعملون بجد حتى يحصلوا على المال بأي طريقة، ثم أصبحوا يفضّلون الجلوس خلف شاشات هواتفهم ومراقبة الآخرين والتذمر من حالهم ووضعهم ومحاولة مواكبة عالم الـ “كبّس كبّس” وغيره بدلاً من العمل الرجولي الذي لا يعود بالنفع ولا يمكن له تغطية نفقات المتطلبات المرتفعة للشباب والشابات المهووسين بالمجتمع هذا الذي يقبع خلف تلك الشاشات.

كانت الأسرة تعتمد أسلوب الحوار لتوثيق العلاقات ونقل العادات والتقاليد للأطفال وتعليمهم أصول الأدب والأخلاق، فأصبح الجميع خلف شاشته يضيع ويلوذ بالفرار من الحياة الاجتماعية بأي طريقة، فلم يعد هناك لا خُلق ولا أخلاق!.

بدأت العولمة آنذاك بتوطيد فكرة أن الرجال بلا لحية أجمل، ثم غيّرت مفاهيمهم بكبسة زر استعرضت فيها فكرتها عن طريق مودل أو مرادفات أو حملات تعكس جمالية اللحية، ثم بدأت تغتصب تلك العقول أكثر فأكثر، لتجعل الشعوب أكثر سذاجة وسطحية ومحور حياتها ينطوي خلف تلك الشاشات، فإن شاءت أن تدفع بهم لأن يقوموا بطهي “شوربة العدس” في جو ممطر فإنها تفعل هذا ببضعة بوستات تافهة من أشخاص تافهين!.

وإن أرادت إقناع الجميع أن المرأة حرة ومستقلة ومكتفية دون رجل وأنها قادرة على مواجهته، فإنها ستفعل ذلك ببضعة حملات وكلمات تُقنع المرأة بأن الرجل أياً كان حتى وإن كان إنسان جيد فإنه يجوز التخلي عنه عندما تشعر أن طاقتها قد نفذت، وهذا بالضبط ما حدث مما رفع من معدلات الطلاق في العالم العربي!.

ولكن… مهلاً… ما الذي بإمكان تلك الشاشات فعله أكثر؟ هل يمكنك تخيل حجم الكارثة التي بإمكانها أن تقوم بها؟ نعم، إنها تستطيع حتى أن تتحكم بآلية قيام الحروب بين الشعوب!!.

التجييش، والاستعطاف، وإشعال فتيل النار، وزرع الحقد والغل، كل هذا يبدأ من خلال شخص قادر على اللعب بالكلمات، واستعطاف الذوات، ونشر البوستات ببساطة! وبهذا تنجح الخطة بكل سهولة.

تريد طائفية؟ همممم ما الذي يمكن فعله لإشعالها؟ دعنا نرى!!

لنبدأ بنشر مجموعة فيديوهات للمشايخ الذين قمنا مسبقاً كمنظمة ماسونية بوضعهم في كفوف راحتنا دون أن يشعروا وفقط ببضعة قروش وُضعت بين أيديهم، وكل شيخ ينقل نظرته عن المذهب الآخر أو الطائفة الأخرى، ودعاة كل دين يبدأ بنشر أفكاره المضادة للفكر الآخر وبهذا نبدأ بحشد الشعوب إلى صفوفنا وزرع الحقد بين بعضهم البعض داخل قلوبهم.

ثم تبدأ حملة الاستعطاف، انظر كيف قُتل؟ أنت لست بشري إن صمتت – وأنا يشهد الله مع عدم السكوت عن القتل لأي روح بريئة أياً كانت – لكن هنا الأمر مختلف، هناك غاية، هنالك هدف، هذا الهدف رغم أن الظاهر منه انساني وجميعنا نندفع له إلا أن باطنه عكس ذلك ولا يهمه أن قُتلت أم لم تقتل!!.

مما يعني أن الغرب والماسونية تحديداً تلعب لعبتها على حسب الثغرة التي لديك، فإن كنت شخص عادي صاحب ديانة معينة، فإنها قادرة على تفكيك أمم كاملة لتلعب على وتيرة تلك الفراغات التي أحدثتها بينهم، ويمكن اختصار القول أكثر بتلخيصه في هذا الحدث المنقول إن صح الخبر:

(يقال أن جنرال أمريكي سُئل بعد فشل أمريكا في احتلال الصومال عام 1993 رغم ضعفها؟ فأجاب بمنتهى البساطة: لأن الصومال ليس فيها مثقفون!!

كذلك قال الكاتب الأمريكي مايكل هاستينغر عن أفغانستان “هؤلاء الأفغان لا يشاهدون التلفاز ولا يعرفون شيئاً عن أفلام “رامبو” و”جيمس بوند” ولهذا فهم لا يخافوننا، إنهم لا يرون فينا سوى دخلاء محتلين، ويجب أن يُخرجونا مهما كلفهم الأمر؛ لهذا فكل أسلحتنا وحروبنا النفسية ضدهم لا تجدي نفعاً”.

ومن قبلهم قال فلاديمير لينين “المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها” ويبدو أن لينين وجد من المثقفين من يبرر له جرائمه وظلمه لذلك قال هذا الكلام، وهذا باختصار هو سبب من أسباب تخاذل الناس عن القضايا الأخلاقية المهمة، ذلك لكونهم وجدوا من يحلل ويبرر ويرضي ضمائرهم، العلماني والليبرالي هو أفضل من يجيد هذه الصنعة.

عندهم قدرة لا متناهية في إقناع الآخرين بالذل والإنبطاح والعبودية والخنوع وتبرير الخيانة، وكذلك عندهم روح المقاتلين الأساطير في مناهضة أي فكرة إسلامية).

والآن، أعتقد أن الفكرة قد وصلت، لنفهم سوياً أن الإسلام لم يعد إسلاماً والعرب لم يعودوا عرباً وإنما جميعنا نسخة مصغرة عما يريده الغرب منا أن نكون عليه، حتى أننا بدأنا نبغض مظاهر الدين والإسلام لأننا نجد أن من يظهر على الواجهة داعياً للإسلام، ليس سوى شخص متعدٍ متطرف زرعه الكيان الصهيوأميركي لكي يعكس صورة الإسلام بطريقة مشوهة للغاية.

وهذا ما يدفع العرب لأن يُبغضوا دُعاة الدين وإن كانوا صادقين، حتى وإن كانوا أيضاً هم صورة الإسلام الحقيقية، وهذا سببه يعود بالدرجة الأولى للطريقة التي يعمل الغرب على نشر الإسلام فيها بيد ضعاف النفوس الذين يجدون أن الإسلام يحمل طابعاً عنيفاً ويقيم الحد على من يعترض طريقه بل ويرفض حتى سياسة “أسلم تَسلم” إن كان إسلامه حقيقي وصحيح أو حتى إن كان يحاول أن يمشي على خُطى الرسول عليه الصلاة والسلام.

ولكن لا ننسى أن هذا الأمر ليس فقط حرب ممهنجة على الدين الإسلامي فحسب، بل جميع الأديان التي تُخالف الغرب وتشكل تهديد صريح له، أو يغلب عليها طابع الأكثرية مقارنةً مع الأديان الأخرى، لأن حالة اللاتوازن التي يصيغها الغرب في الدول العربية، تحتاج أن تكون الشعوب عبارة عن فتات وليس كتلة واحدة أو كتلتين تفوق إحداهما بالثقل على الأخرى.

وللحديث تتمة لأن هذا البحث لا يقف عند حد معين، بل إنه يتجاوز الحدود عندما يتعلق الأمر بالحرب الماسونية الممنهجة التي يُقيمها الغرب لمحو أي شوائب في طريقه تتخالف مع مصالحه وسياسته عامةً، إذ أن الأمر يتعلق بحالة التأثير المفرط في الشعوب في النواحي المختلفة منها النفسية والاجتماعية والسياسية والدينية وسياسة التفرقة التي تهمه بالدرجة الأولى لكي يسهل استغلال الأطراف المتنازعة فيما بينها.

وأيضاً سياسة التطبيع الغربي التي تجعله يبتعد عن كل ما يشبهه، كل ما يشبه دينه، طبيعته، بيئته، أفكاره، تجعله نسخة غربية مشوهة فقط وليست حتى النسخة المثالية!!، لذا فإن هذا البحث يحتاج مني أكثر من ورقة عمل لكي أنقل به نظرتي ورؤيتي التحليلية لآلية عمل الغرب في السيطرة على الدول العربية بسلاح العولمة والتكنولوجيا!!.

يُتبع…

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى