أجمل قصائد و أشعار أبو نواس مكتوبة
إن الأشعار يُمكنها أن تصحبك في رحلة عبر الزمن، تخوض خلالها مغامرة بين الأبيات التي تُنير الروح، خاصةً إن كانت أشعار أبو نواس.
أجمل أشعار أبو نواس
من خلال أشعار أبو نواس نجد أنه حرص على انتقاء أعذب الكلمات، حيث احتوت قصيدة (دع الأطلال تسفيها الجنوب) على عدة مصطلحات راقية جعلتها كشعاع نور في ظلام دامس:
دَعِ الأَطلالَ تَسفيها الجَنوبُ،
وَتُبلي عَهدَ جِدَّتِها الخُطوبُ،
وَخَلِّ لِراكِبِ الوَجناءِ أَرضاً،
تَخُبُّ بِها النَجيبَةُ وَالنَجيبُ،
بِلادٌ نَبتُها عُشَرٌ وَطَلحٌ،
وَأَكثَرُ صَيدِها ضَبعٌ وَذيبُ،
وَلا تَأخُذ عَنِ الأَعرابِ لَهواً،
وَلا عَيشاً فَعَيشُهُم جَديبُ،
دَعِ الأَلبانَ يَشرَبُها رِجالٌ،
رَقيقُ العَيشِ بَينَهُمُ غَريبُ،
إِذا رابَ الحَليبُ فَبُل عَلَيهِ،
وَلا تُحرَج فَما في ذاكَ حوبُ،
فَأَطيَبُ مِنهُ صافِيَةٌ شَمولٌ،
يَطوفُ بِكَأسِها ساقٍ أَديبُ،
أَقامَت حِقبَةً في قَعرِ دَنٍّ،
تَفورُ وَما يُحَسُّ لَها لَهيبُ،
كَأَنَّ هَديرَها في الدَنِّ يَحكي،
قِراةَ القَسِّ قابَلَهُ الصَليبُ،
تَمُدُّ بِها إِلَيكَ يَدا غُلامٍ،
أَغَنُّ كَأَنَّهُ رَشَأٌ رَبيبُ،
غَذَتهُ صَنعَةُ الداياتِ حَتّى،
زَها فَزَها بِهِ دَلٌّ وَطيبُ،
يَجُرُّ لَكَ العِنانَ إِذا حَساها،
وَيَفتَحُ عَقدُ تَكَّتِهِ الدَبيبُ،
وَإِن جَمَّشتُهُ خَلَبَتكَ مِنهُ،
طَرائِفُ تُستَخَفُّ لَها القُلوبُ،
يَنوءُ بِرِدفِهِ فَإِذا تَمَشّى،
تَثَنّى في غَلائِلِهِ قَضيبُ،
يَكادُ مِنَ الدَلالِ إِذا تَثَنّى،
عَلَيكَ وَمِن تَساقُطِهِ يَذوبُ،
وَأَحمَقَ مِن مُغَيِّبَةٍ تَراءى،
إِذا ما اِختانَ لَحظَتَها مُريبُ،
أَعاذِلَتي اِقصُري عَن بَعضِ لَومي،
فَراجي تَوبَتي عِندي يَخيبُ،
تَعيبينَ الذُنوبَ وَأَيُّ حُرٍّ،
مِنَ الفِتيانِ لَيسَ لَهُ ذُنوبُ،
فَهَذا العَيشُ لا خِيَمُ البَوادي،
وَهَذا العَيشُ لا اللَبَنُ الحَليبُ،
فَأَينَ البَدوُ مِن إيوانِ كِسرى،
وَأَينَ مِنَ المَيادينِ الزُروبُ،
غُرُرتِ بِتَوبَتي وَلَجَجتِ فيها،
فَشُقّي اليَومَ جَيبَكِ لا أَتوبُ.
اشهر اشعار ابو نواس
ترك لنا أبو نواس شعر الخمر، والذي يحمل في طياته الكثير من المعاني الراقية، فهو لا يعني الخمر بالمعنى المتعارف عليه، وإنما معانٍ أخرى يمكننا تذوّقها عندما نسلط الضوء على أجمل أشعار أبو نواس، إنها قصيدة (ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر):
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ،
فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرة،
فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ،
وما الغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا،
و ما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ،
فَبُحْ باسْمِ من تهوى، ودعني من الكنى،
فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر،
ولا خيرَ في فتكٍ بدونِ مجانة،
ولا في مجونٍ ليس يتبعُه كفرُ،
بكلّ أخي فتكٍ كأنّ جبينَه،
هِلالٌ، وقد حَفّتْ به الأنجمُ الزُّهرُ،
و خَمّارَة ٍ نَبّهْتُها بعد هجْعَة،
و قد غابت الجوزاءُ، وارتفعَ النّسرُ،
فقالت: من الطُّرّاق؟ قلنا: عصابة،
خفافُ الأداوَى يُبْتَغَى لهُم خمرُ،
ولا بدّ أن يزنوا، فقالت: أو الفِدا،
بأبْلَجَ كالدّينَارِ في طرفهِ فَتْرُ،
فقلنا لها: هاتِيهِ، ما إن لمِثْلِنا،
فديناك بالأهْلينَ عن مثل ذا صَبرُ،
فجاءَتْ بهِ كالبَدْرِ ليلَة َ تمّهِ،
تخالُ به سحراً، وليس به سحْرُ،
فقُمنا إليه واحداً بعدَ واحِدٍ،
فكان بهِ من صَومِ غُربتنا الفِطرُ،
فبِتنا يرانا الله شَرَّ عِصابةٍ،
نُجَرّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ.
أجمل ابيات ابو نواس في التوبة
أبيات رائعة من أشعار أبو نواس تتحدث عن التوبة، حيث دعا الله عز وجل أن يغفر ذنوبه من خلال كلمات دافئة، إنها قصيدة (يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة):
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً،
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ،
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ،
فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ،
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً،
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ،
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا،
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ.
أروع ابيات شعر ابو نواس
إن من أجمل أشعار أبو نواس، هي التي تحث على التمسك بالمبادئ الدينية والتخلي عن فعل المعاصي إرضاءً لوجه الله تعالى، فقد ترك لنا قصيدة (قولوا لمن تنفر) بمعانيها الرائعة وأبياتها التي تملأ القلب بحب الطاعات:
قولوا لمِن قد تنفّر،
مِن كلمتي وتثوّر،
إنّي أتوبُ إلى اللَهِ،
من مزاحِكَ فاغفر،
ما كان من كلماتي،
أكلّ ذا منه يحضر،
فدع وعيدي بقتلٍ،
فالوعدُ بالقتل مُنكَر،
فليسَ خُلقُكَ من بعد،
ذا خُلقَ مَن يتشطّر،
ولو كذا كنتَ أيضاً،
ما خفتُ من ذاك فأقعر،
ولو حملتَ لقتلي،
عَضب الشفار مذكّر،
وبعض ما لسليمان،
كان داودُ يدخر،
تُحدُّ في كلّ شهر،
جفونهُ وتُغيّر،
يَبيَضُّ طوراً وطوراً،
تُراهُ في العين أخضر،
يكاد في الكفّ من رونق،
الصفاوةِ يقطر،
يبادر الأجلَ الوقعُ،
منه من قبل يقدر،
وكان قاتلَ كسرى،
به فتى الرومِ قيصر،
سبعين عاماً إذا طاح،
عسكرٌ ثابَ عسكر،
يعدُّ كلّ صباح،
لهم خميساً وميسَر،
حتى إذا صار كسرى،
بعد العديدِ المجهّر،
في الفَلِّ يملأ رُعباً،
وواحد منه أكثر،
فقيلَ هاكَ اقتلن ذا،
به وسمِّ ستُنصر،
وأنتَ في بأس ليثٍ،
فضافضِ الناب قشوَر،
من اللواتي حكاها،
أبو زبيدٍ فأكثر،
وكنتَ عمرو بن معدي،
أو ابن شدّاد عنتر،
أو كنتَ من قوم عادٍ،
في البأسِ أو بُخَتَنصَر،
وشدّني بكتافٍ،
لما تريد ميسّر،
ولو دنوتَ فمكّنتَ،
ضارباً لم يؤثر،
فكيف أخشاكَ يا مَن،
يصدُّ عمداً ويهجر،
وكيف يا فاترَ اللحظِ،
ساحرَ العين أحور،
تمرّ مثل كميٍّ،
مهدد لي بخنجر،
يا ناعماً لو برفق،
لمستهُ لي بخنجر،
نسبي المردُ حتى،
غلابُ فاللَهُ أكبر،
تسبّي سبَّ ما شئت،
سامع غير منكر،
فإنّ خلفكَ شيئاً،
بهِ ذنوبُكَ تُغفر،
كأنه شحمُ نحلٍ،
أو جامُ ثلجٍ مقعّر،
قد كنتُ أصبرُ شيئاً،
على الملاح وأجسَر،
فصرتُ من حبِّ غلبون،
لا أطيقُ التصبّر،
يا ربّ ماليَ أمشي،
على الرخام فأعثر.
أجمل قصائد أبو نواس
أبو نواس هو شاعر العراق، وعلى الرغم من خروجه منها وسفره إلى الكثير من البلاد، إلا أنه عاد إليها ودُفن فيها بعد وفاته، وقد سرد لنا قصيدة (لله ما تصنع الأجياد والمقل) والتي تعتبر من أجمل قصائد وأشعار أبو نواس لأنها تحمل الكثير من المعاني القيّمة عن حب الوطن والحنين إليه:
لِلَّهِ ما تَصنَعُ الأَجيادُ وَالمُقَلُ،
وَالأُقحُوانُ الشَتيتُ الواضِحُ الرِتلُ،
تَرَنَّحَ الشَربُ وَاِغتالَت حُلومَهُمُ،
شَمسٌ تَرَجَّلُ فيهِم ثُمَّ تَرتَحِلُ،
لا تَستَريحُ إِلى المِلوى تُمارِسُهُ،
وَلا تَبيتُ عَلى الأَوتارِ تَتَّكِلُ،
فيها فَراغٌ مِنَ السُلوانِ يَشغَلُها،
عَنّي وَفِيَّ بِها عَن غَيرِها شُغُلُ،
إِذا تَلَبَّثتُ عَنها ساقَ بي كَلَفٌ،
بَرحٌ وَأَوجَفَني وَجدٌ بِها عَجِلُ،
يا عَلوَ إِنَّ اِعتِلالَ القَلبِ لَيسَ لَهُ،
آسٍ يُداويهِ إِلّا خُلَّةً تَصِلُ،
هَل أَنتِ إِلّا قَضيبُ البانِ تَعطِفُهُ،
مَرضى الرِياحِ وَتَعدوهُ فَيَعتَدِلُ،
أَوِ الغَزالَةُ في دَجنٍ يُغازِلُها،
أَو ظَبيَةُ البانِ في أَجفانِها كَحَلُ،
كَيفَ التَصَرُّعُ في أَرضِ العِراقِ وَقَد،
خَلَّفتُ بِالشامِ مَن قَلبي بِهِ خَبِلُ،
بَل كَيفَ يَحسُنُ بي التَقريظُ وَالعَزَلُ،
وَشَيبُ رَأسي عَلى الفَودَينِ مُشتَعِلُ،
لَم يَبقَ إِلّا حَنينُ الزيرِ أَسمَعُهُ،
وَالكَأسُ يُصبِحُنيها الشارِبُ الثَمِلُ،
عاجِل بِنا الرَحَ وَالرَيحانَ مُبتَكِراً،
فَلَيسَ يَحسُنُ إِلّا فيهِما العَجَلُ،
وَاِشرَب عَلى دَولَةِ المُعتَزِّ إِنَّ لَها،
حَظّاً مِنَ الحُسنِ لَم تَسعَد بِهِ الدُوَلُ،
خَليفَةٌ يَخلُفُ الأَنواءَ نائِلُهُ،
إِذا تَهَلَّلَ قُلتَ العارِضُ الهَطِلُ،
إِذا بَدا وَجَلالُ المُلكِ يَغمُرُهُ،
حَسِبتَهُ البَدرَ وَفّى حُسنَهُ الكَمَلُ،
رِباعُهُ في جِوارِ اللَهِ واسِطَةٌ،
وَحَبلُهُ بِرَسولِ اللَهِ مُتَّصِلُ،
خَلَّت قُرَيشٌ لَهُ البَطحاءَ وَاِنصَرَفَت،
لَهُ عَنِ السَهلِ حَتّى حازَها الجَبَلُ،
وَفَضَّلوهُ وَلا تَزكو فَضائِلُهُم،
إِلّا بِتَفضيلِ أَقوامٍ بِهِم فَضَلوا،
يا مَن لَهُ أَوَّلُ العَليا وَآخِرُها،
وَمَن بِجودِ يَدَيهِ يُضرَبُ المَثَلُ،
أَنقَذتَنا مِن خَبالِ المُستَعارِ وَقَد،
أَوبا البِلادَ عَلَينا رَأيُهُ الخَطِلُ،
هُوَ المَشومُ الَّذي كانَت وِلايَتُهُ،
بَلوى تَهالَكَ فيها الناسُ إِذ خُذِلوا،
عَزَلتَهُ وَهوَ مَذمومٌ عَلى صُغُرٍ،
وَلَم يَكَد لِلَجاجِ الغِيِّ يَنعَزِلُ،
وَكانَ كَالعِجلِ غُرَّ الجاهِلونَ بِهِ،
وَكُنتَ موسى هَدى القَومَ الأُلى جَهِلوا،
وَكانَ كَالجَسَدِ المُلقى فَجِئتَ كَما،
جاءَ سُلَيمانَ يَتلو قَولَكَ العَمَلُ،
فَالدينُ في كُلِّ أُفقٍ ضاحِكٌ بَهِجٌ،
وَالكُفرُ في كُلِّ أَرضٍ خائِفٌ وَجِلُ،
أَمّا المَوالي فَجُندُ اللَهِ حَمَّلَهُم،
أَن يَنصُروكَ فَقَد قاموا بِما اِحتَمَلوا،
بَقاؤُهُم عِصمَةُ الدُنيا وَعِزُّهُمُ،
سِترٌ عَلى بَيدَةِ الإِسلامِ مُنسَدِلُ،
رَدّوا المُعارَ وَتابوا مِن خَطيئَتِهِم،
فيهِ إِلى اللَهِ وَالإِثمِ الَّذي فَعَلوا،
خَطيأَةٌ لَم تَكُن بِدعاً وَلا عَجَباً،
قَد أَخطَأَت أَنبِياءُ اللَهِ وَالرُسُلُ،
مَن يَركَبُ الخَطَرَ الصَعبَ الَّذي رَكِبوا،
بِالأَمسِ أَو يَبذُلُ النَصرَ الَّذي بَذَلوا،
قَد جاهَدوا عَنكَ بِالأَموالِ وافِرَةً،
وَبِالنُفوسِ وَنارُ الحَربِ تَشتَعِلُ،
تَوَرَّدوا النَقعَ لا حَيدٌ وَلا كَشَفٌ،
وَباشَروا المَوتَ لا مَيلٌ وَلا عُزُلُ،
يُواتِرونَ تِباعَ الكَرِّ إِن رَكِبوا،
وَيَصدُقونَ دِراكَ الطَعنِ إِن نَزِلوا،
ما مِثلُ شَيخِهِمِ حَزماً وَتَجرِبَةً،
وَلا كَبَأسِ فَتاهُم حينَ يَعتَمِلُ،
ثَلاثَةٌ جِلَّةٌ إِن شُوِّروا نَصَحوا،
أَوِ اِستُعينوا كَفَوا أَو سُلِّطوا عَدَلوا،
فَاِسلَم لَهُم ما دَعَت صُبحاً مُطَوَّقَةٌ،
وَليَسلَموا لَكَ ما حَنَّت ضُحىً إِبِلُ.
أبرز اشعار ابو نواس في الحب
لأن أبا نواس كان يمتلك قلبًا مليئاً بالمشاعر الفياضة، لذا لا عجب في أن يكون هُناك الكثير من أشعار أبو نواس الرومانسية، على رأسها قصيدة (عَجَباً لي كَيفَ أَبقى):
عَجَباً لي كَيفَ أَبقى،
وَلَقَد أُثخِنتُ عِشقا،
لَم يُقاسِ الناسُ داءً،
كَالهَوى يُبلي وَيَبقى،
أَيُّ شَيءٍ بَعدَ أَنَّ الدَمعَ،
فيهِ لَيسَ يَرقا،
وَلَقَد شَقَّ عَلَيَّ الحُبُّ،
ما شا أَن يَشُقّا،
لَيتَ شِعري هَكَذا كانَ،
أَخي عُروَةُ يَلقى،
وَنَصيحٍ قالَ لا تَعجَل،
بِهُلكِ النَفسِ خُرقا،
كِدتُ مِن غَيظٍ عَلَيهِ،
إِذ لَحاني أَتَفَقّا،
وَيكَ إِنَّ الحُبَّ لَم يَملِك،
سِوى رِقِّيَ رِقّا،
لِيَ مَولىً أَرتَجي مِنهُ،
عَلى رَغمِكَ عِتقا،
قَمَرٌ بَينَ نُجومٍ،
ناصِبٌ في الصَدرِ حُقّا،
أُفعِمَ الأَردافُ مِنهُ،
وَاِنطَوى الكَشحُ وَدَقّا،
وَإِذا ما قامَ يَمشي،
مالَتِ الأَردافُ شِقّا،
ثَمَّ لَونٌ يَفضَحُ الخَمرَ،
صَفا مِنهُ وَرَقّا،
حُبُّ هَذا لا سِوى ذا،
مَحَقَ الأَعمارَ مَحقا،
فَاِشدُدَن بِالحُبِّ كَفّاً،
وَصِلَن بِالحُبِّ رِبقا،
إِنَّما أَسعَدَ رَبّي،
بِالهَوى قَوماً وَأَشقى،
وَبِلادٍ في بِلادٍ،
أَوحَشُ البُلدانِ طُرقا،
قَد شَقَقتُ اللَيلَ عَنها،
بِبَناتِ الريحِ شَقّا،
طافِياتٍ راسِباتٍ،
جُبتُها عُنقاً فَعُنقا،
نَحوَ إِبراهيمَ حَتّى،
نَزَلَت في العَدوِ وَفقا،
فَوقَها الوُدُّ المُصَفّى،
وَالمَديحُ المُتَنَقّى،
مالَ إِبراهيمُ بِالمالِ،
كَذا غَرباً وَشَرقا،
فَكَفاني بُخلُ مَن يَخنُقُ،
حَلقَ الكيسِ خَنقا،
واجِداً مِن غَيرِ وَجدٍ،
لاوِياً خَطماً وَشِدقا،
قَسَمَ الرَحمَنُ لِلأُمة،
مِن كَفَّيكَ رِزقا،
فَلَكَ المالُ المُلَقّى،
وَلَكَ العِرضُ المُوَقّى،
جادَ إِبراهيمُ حَتّى،
جَعَلوهُ الناسُ حُمقا،
وَإِذا ما حَلَّ في أَرضٍ،
مِنَ الأَرضينَ شِقّا،
كانَ ذاكَ الأُفقُ مِنها،
أَخصَبَ الآفاقِ أُفقا،
فَلَوَ اِنّي قُلتُ أَو آ،
لَيتُ يَوماً قُلتُ حَقّا،
ما تَرى النيلَينِ إِلّا،
مِن نَدى كَفَّيكَ شُقّا،
أَيُّها الشاتِمُ وَهناً،
مِن أَبي إِسحاقَ بَرقا،
كُلَّ يَومٍ أَنتَ لاقٍ،
وَجهَهُ لِلجودِ طَلقا،
اِكتَسى ريشَ جَناحَي،
جَعفَرٍ ثُمَّ تَرَقّى،
وَتَنَقّى مِن قُرَيشٍ،
جَوهَرَ العِزِّ المُنَقّى،
وَجَرى جَريَ جَوادٍ،
قَد أَفاتَ الخَيلَ سَبقا.
أجمل اشعار ابو نواس في الغزل
كتب أبو نواس غزل رائع في العديد من قصائده الشعرية التي لا يزال صداها يتردد إلى يومنا هذا، حيث الكلمات الراقية والأبيات القادرة على السمو بالروح، كل ذلك يمكنك التعرُّف عليه من خلال قصيدة (عَزّوا أَخِلّايَ قَلبي):
عَزّوا أَخِلّايَ قَلبي،
فَقَد أُصِبتُ بِلُبّي،
الحَمدُ لِلَّهِ رَبّي،
ماذا لَقيتُ فَحَسبي،
ما لي عَلى الحُبِّ عَتبٌ،
أَنا وَقَعتُ بِذَنبي،
لَقَد دَعاني وَصَحبي،
فَجِئتُ مِن بَينِ صَحبي،
يا حِبُّ مَلَّكتَ رِقّي،
مَن لا يُسَرُّ بِقُربي،
وَمَن يُعَذِّبُ روحي،
بِكُلِّ نَوعٍ وَضَربِ،
فَكَم عَصَبتُ بِرَأسي،
وَكَم عَرَكتُ بِجَنبي،
وَلَستُ أُحمَلُ مِنهُ،
إِلّا عَلى ظَهرِ صَعبِ،
يا قاتِلي أَنتَ وَاللَهِ،
في الحُكومَةِ تِربي،
أَتَيتُ حِبّي وَحِبّي،
بِكرٌ بِخاتَمِ رَبّي،
فَكُنتُ أَوَّلَ حَيٍّ،
اِفتَضَّ عُذرَةَ حُبّي،
وَلَيسَ لي مِنكَ إِلّا،
كَربٌ عَلى إِثرِ كَربِ،
تَبيعُ وَصلي بِهَجري،
وَعَفوَ سِلمي بِحَربي،
أَنا الفِداءُ لِظَبيٍ،
مُفَتَّرِ اللَحظِ رَطبِ،
مَن لَيسَ يَخفى عَلَيهِ،
حُبّي وَلَكِن يُغَبّي،
لَو شاءَ قالَ وَلَكِن،
فيهِ حَياً وَتَأَبّي،
ما جازَ هَذا إِلَينا الأَقوامَ،
إِلّا لِحُبّي أَبا عَلِيَّ اِبنِ نَصرٍ،
وَلَيسَ حَقٌّ كَكِذبِ،
لَم تَمشِ رِجلي لِشَيءٍ،
حَتّى مَشى فيهِ قَلبي.
أعذب اشعار ابونواس
هل هُناك أفضل من الأبيات التي تحمل الطابع الديني عندما يكون لدى قائلها القدرة على اختيار أرق الكلمات وأعذب المعاني، إنها أشعار أبو نواس وقصيدة من أروع قصائده وهي (يا رُبَّ غَيثٍ آمِنِ السُروبِ):
يا رُبَّ غَيثٍ آمِنِ السُروبِ،
حُبارِياتِ جَلهَتَي مَلحوبِ،
فَالقَطَّبِيّاتِ إِلى الذُنوبِ،
يَرفُلنَ في بَرانِسٍ قُشوبِ،
مِن حِبَرٍ عولينَ بِالتَهذيبِ،
فَهُنَّ أَمثالُ النَصارى الشيبِ،
في يَومِ عيدٍ مَبرَزِ الصَليبِ،
ذَعَرتُها بِمُلهَبِ الشُؤبوبِ،
مُفَهَّمٌ إِهابَةَ المُهيبِ،
وَكَلِماتِ كُلِّ مُستَجيبِ،
أَقنى إِلى سائِسَةٍ جَنيبِ،
وَقَد جَرى مِنهُ عَلى تَأديبِ،
يوفي عَلى قَفّازِهِ المَجوبِ،
مِنهُ بِكَفِّ سَبطَةِ التَرحيبِ،
كَأَنَّها بَراثِنٌ مِن ذيبِ،
يَضبِثُهُنَّ في ثَرى مَصوبِ،
إِلى وَظيفٍ فائِقِ الظُنبوبِ،
وَجُؤجُؤٍ مِثلَ مَداكِ الطيبِ،
تَحتَ جَناحٍ موجَدِ التَنكيبِ،
ذي قَصَبٍ مُستَوفِرِ الكُعوبِ،
وَحفِ الظَهارِ عَصِلِ الأُنبوبِ،
آنَسَ بَينَ صَردَحٍ وَلوبِ،
بِمُقلَةٍ قَليلَةِ التَكذيبِ،
طَرّاحَةٍ خَلفَ لَقى الغُيوبِ،
فَانقَضَّ مِثلَ الحَجَرِ المَندوبِ،
مُنكَفِتاً تَكَفُّتَ الحَنيبِ،
في الشَطرِ مِن حِملاقِهِ المَقلوبِ،
عَلى رَفَلٍّ بِالضُحى ضَغوبِ،
بِذي نُواسٍ مُرهَفِ الكَلّوبِ،
غادَرَ في جُؤشوشِهِ المَثقوبِ،
جَيّاشَةً تَذهَبُ في أُسلوبِ،
بِصائِكٍ مِن عَلَقٍ صَبيبِ،
فَصطادَ قَبلَ ساعَةِ التَأويبِ،
خَمسينَ في حِسابِهِ المَحسوبِ،
فَالقَومُ مِن مُقتَدِرٍ مُصيبِ،
وَمُعجَلِ النَشلِ عَنِ التَضهيبِ.
أرق شعر أبو نواس حزين
ولأن الحزن نال من قلب أبي نواس، فإنه أخرجه على هيئة أبيات شعرية لا مثيل لجمال كلماتها وروعة معانيها، إنها قصيدة (دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ) والتي تُعد من أرقى قصائد أشعار أبو نواس التي تحدث فيها عن الفراق:
دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ،
وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ،
صَفراءُ لا تَنزَلُ الأَحزانُ ساحَتَها،
لَو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتهُ سَرّاءُ،
مِن كَفِّ ذاتِ حِرٍ في زِيِّ ذي ذَكَرٍ،
لَها مُحِبّانِ لوطِيٌّ وَزَنّاءُ،
قامَت بِإِبريقِها وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ،
فَلاحَ مِن وَجهِها في البَيتِ لَألَاءُ،
فَأَرسَلَت مِن فَمِ الإِبريقِ صافِيَةً،
كَأَنَّما أَخذُها بِالعَينِ إِغفاءُ،
رَقَّت عَنِ الماءِ حَتّى ما يُلائِمُها،
لَطافَةً وَجَفا عَن شَكلِها الماءُ،
فَلَو مَزَجتَ بِها نوراً لَمازَجَها،
حَتّى تَوَلَّدُ أَنوارٌ وَأَضواءُ،
دارَت عَلى فِتيَةٍ دانَ الزَمانُ لَهُم،
فَما يُصيبُهُمُ إِلّا بِما شاؤوا،
لِتِلكَ أَبكي وَلا أَبكي لِمَنزِلَةٍ،
كانَت تَحُلُّ بِها هِندٌ وَأَسماءُ،
حاشا لِدُرَّةَ أَن تُبنى الخِيامُ لَها،
وَأَن تَروحَ عَلَيها الإِبلُ وَالشاءُ،
فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً،
حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عَنكَ أَشياءُ،
لا تَحظُرِ العَفوَ إِن كُنتَ اِمرَأً حَرِجاً،
فَإِنَّ حَظرَكَهُ في الدينِ إِزراءُ.
كم هي رائعة أشعار أبو نواس! حيثُ تأخذنا إلى عالمٍ ليس فيه سوى القافية والمعاني العربية الأصيلة، لذلك لا ينبغي التوقف عن التزُّود من بحر الأشعار الذي لا ينضب أو يجف أبداً، ما دام هُناك شعراء عِظام مثل أبو نواس.