من بقايا الظلم إلى وهم الماضي – رحلة أيتام الأسد

أيتام الأسد ليسوا مجرد أتباع بل هم فكر مسموم يرفض الاعتراف بالحقيقة، يعيشون في إنكار جرائم نظامهم ويتباكون على زمن الظلم والرعب.

أيتام الأسد – بقايا الظلم ووهم الماضي

لم يكن سقوط الطغاة يوماً مجرد نهاية حكم، بل كان دائماً بداية لانكشاف بقاياهم، أولئك الذين ربطوا مصيرهم بمصير جلادهم، وأقنعوا أنفسهم أن حياتهم لا معنى لها إلا بوجوده، هؤلاء ليسوا فقط من حملوا السلاح دفاعاً عنه، بل أيضاً من حملوا فكره ومن برروا جرائمه، ومن بقوا حتى اللحظة الأخيرة يحلمون بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكأن دماء الأبرياء التي سُفكت لم تكن كافية لإيقاظهم من سباتهم العميق.

أيتام الأسد اليوم ليسوا فقط من يتغنون بالماضي المظلم بل هم أيضاً أولئك الذين يرون في سقوط نظامه كارثة، وكأنهم لم يروا بأعينهم المجازر، ولم يسمعوا أنين المعتقلين، ولم يشموا رائحة الموت التي غطت سماء الوطن، هم الذين يعيشون في الإنكار ويتمسكون بوهم القوة التي انتهت، وبالأمان الزائف الذي كان قائماً على الرعب والبطش.

لكن الحقيقة واضحة كالشمس: لا مجال للعودة إلى الوراء ولا عزاء لأيتام الطاغية الذين يتباكون على أيام الظلم والاستعباد، سوريا الجديدة لن تكون لهم والتاريخ لن يرحم من وقف في صف القتلة، ومن صمت يوم كان الصمت خيانة.

أيتام الأسد ومواجهة المرآة

أيتام الأسد، أما آن لكم أن تخجلوا؟ أما آن لكم أن تنظروا في مرآة الزمن لتروا دماء الشهداء تلطخ أيديكم وأيدي أسيادكم؟ أما آن لكم أن تسمعوا صدى الأرواح التي أُزهقت ظلماً وعدواناً؟ اخجلوا من دماء الشهداء التي سالت في أزقة حماه عام 1982، حين تحولت المدينة إلى مقبرة جماعية لأهلها.

اخجلوا من صرخات الأطفال في الحولة عام 2012، ومن نداءات الاستغاثة التي ضجت بها التريمسة وداريا الكبرى وكرم الزيتون وحجيرة والذيابية والجورة والقصور في دير الزور، أما بانياس فقد تنفست رائحة الموت في البيضا ورأس النبع ودمشق بكت على جديدة الفضل وحلب على رسم النفل والمزرعة.

كيف تنظرون إلى أنفسكم في المرآة، وأنتم تعلمون أن آلاف الأرواح أُزهقت في الكيماوي في الغوطة عام 2013 وفي خان شيخون عام 2017، وفي دوما عام 2018؟ هل تصمّون آذانكم عن أنين الثكالى ونحيب الأمهات والآباء؟ هل تعمى أبصاركم عن الدمار الذي حلّ بمدارسنا ومستشفياتنا وبيوتنا؟

اخجلوا من صرخات المعتقلين والمعتقلات، من آهات الأيتام الذين اختطفتم طفولتهم، من دموع أم وأب فقدا فلذات أكبادهم، من زوجة باتت أرملة، من زوج لم يعد يجد كف زوجته ليمسك بها في هذا الخراب، اخجلوا من قذائفكم التي نزلت كالصواعق على رؤوس الأبرياء، من البراميل التي دمرت أحياءنا، من الصواريخ التي مزقت أجساد أهلنا.

الدمار والكذب – سلاح أيتام الأسد

اخجلوا من منازل هُدمت فوق ساكنيها من حارات تحولت إلى أطلال من ذكريات لم يبق منها سوى الغصة والدموع، اخجلوا من تهجيرنا من بلادنا من موتنا في البحار والمحيطات، من رحيلنا في الغابات، من تجمدنا على حدود الدول.

ولم تكتفوا بجرائمكم بل جعلتم من الكذب سلاحاً ومن التضليل درباً، شوهتم سمعة الثورة ووصمتموها بما ليس فيها، روّجتم الإشاعات وخلقتم الأكاذيب عن الخطف والاختفاء لتزرعوا الخوف في قلوب الناس، لم تتركوا للشعب بارقة أمل إلا وأطفأتموها، ولم تدعوا للحرية منفذاً إلا وسددتموه، اخجلوا من أنفسكم إن بقيت لكم أنفس تفقه معنى الخجل.

لكننا رغم كل هذا لن نتراجع ولن ننسى الشهداء ولن نغفر للقاتل، ولن نسمح لتلك الأفكار المسمومة بأن تظل تطفو على السطح، وسنستمر في محاربة كل شكل من أشكال الظلم، وسنواجههم بفكرنا وبكلماتنا وبكل شيء نملك.

هذه المعركة ليست فقط من أجل الحق بل من أجل أن تبقى الحقيقة حية مهما حاولوا طمسها، أيتام الأسد يعيشون في أوهامهم، لكن الشعب الذي عانى وصمد لن يسمح لهم بإعادة كتابة التاريخ، ولن يترك دماء الشهداء تهدر سدى.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

حسيب أورفه لي

مؤسس ومدير المحتوى النصي والمرئي في موقع برو عرب وخبير في مجال الويب وساهمت في تطوير وتنمية العديد من المواقع الإلكترونية وأعمل بجد لتقديم محتوى ذو جودة عالية ومعلومات قيمة للقارئ العربي.
زر الذهاب إلى الأعلى