حقائق وخفايا حول الأزمة السورية لم تكن تعرفها

سوريا تُبصر نوراً آتٍ من بعيد، بعد سقوط بشار الأسد، والذي عمل على إحداث فجوة كبيرة بين الأفراد عند اشتعال الأزمة السورية مثيراً النعرات الطائفية للمحافظة على كرسي العرش!.

أحداث وخفايا الأزمة السورية

بتاريخ 15 مارس/آذار عام 2011، بدأت الأزمة السورية تنضج رويداً رويداً، فقد أشعلها قلوب الثائرين الراغبين بالحرية وبدأوا برسم خطوطاً للخلاص من الطغيان وأسلوب العبودية، ولكن لم تكن تلك الثورات السورية قد نشأت عن عبث، إذ أن الربيع العربي أحدث في قلوب العامة ثورة تفيض برغباتٍ متعددة غايتها الأولى تتمثل بأن يكون للإنسان كيان باختلاف وضعه الاجتماعي ومكانته.

وكانت اللبنة الأولى لاشتعال الثورة السورية، هي قيام مجموعة من الأطفال في درعا بتاريخ السادس عشر من فبراير/شباط، بكتابة شعارات على جدران المدارس في درعا وتلك الشعارات تنادي بصوت الطفولة الغير واعي لما يحدث ولكنها شيء من التقليد لما يجري في الوطن العربي، وفحوى غالبية تلك الشعارات كانت “أجاك الدور يا دكتور”!!.

حينها بدأت عمليات اعتقالات عشوائية ومن ضمنها تم اعتقال أطفال سبق لهم أن كتبوا أسمائهم على الجدار في عام 2009 ولكن النظام الأحمق أراد إلصاق التهمة بتلك الأسماء، في محاولة منه للبوح بأن صاحب تلك الشعارات هو ذاته من كتب اسمه وذلك لتشابه الخط المكتوب آنذاك.

أما عمن أوقد نار جهنم على النظام فقد كان طفلاً في الثالث عشر من عمره وهو الذي أشعل فتيل الانتفاضة الأولى، فمن هو ذاك الطفل؟.

حمزة الخطيب، اسماً يحمل صيحاتٍ وويلات من الألم عند تذكره، وهو كبقية الأطفال ممن انضم للثورات التي تهتف لمناهضة الفساد والقمع والتسلط، حيث كان هذا الطفل أحد المتظاهرين في محافظة درعا، ولم يكن بيده شيء سوى صوته المنادي بمطالب بريئة تهدف إلى فك الحصار عن درعا.

ليتم اعتقاله مع مجموعة من الأشخاص عدا عن حالات القتل جراء إطلاق النار بشكل عشوائي على المتظاهرين، إلا أن اختفاء حمزة ألهب القلوب مخافة مصيره المجهول!!.

عاد حمزة لمنزل والديه مشوهاً بالكامل، وقد قضى نحبه جراء التعذيب الذي تعرض له من قطع لعضوه الذكري إلى أعقاب السجائر التي اخترقت لحمه، وآثار التعرض للصعق الكهربائي وغيرها، ليكون هذا الفعل نقطة تحول في الثورة السورية وبدأت حينها انتفاضة أخرى بـ اسم (سبت الشهيد حمزة الخطيب).

استمرت الأزمة السورية بين مؤيد ومعارض لها، وبين مظاهرات منددة بالحكم وتسعى لإسقاطه وفي الجانب الآخر، مسيرات تنادي بصوت الحكم الباقي للأزل، ولكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير، هي إثارة النعرات الطائفية التي نجح النظام في زرعها، فأما عمن والاه فقد كان ممن وضع النظام غشاوةً على عينيه في محاولة منه لإثبات أن ما يحدث هو مؤامرة كونية ومحاولة لاحتلال سوريا أو تقسيمها أو ما هي إلا منظمات إرهابية تسعى لحيلولة الأمان في سوريا وبث الذعر في قلوب العامة.

وأما عن المعارضين فقد تشكّل منهم ثواراً نادوا بالحرية والتخلص من الحكم الطاغي بـ اسم (الجيش الحر)، وهدف بشار الأسد حينها لأن يشن حروبه ضد هذا الحلف المتعارض معه محاولاً بهذا إقناع قواته العسكرية بأن هذه مؤامرة هدفها ليس إسقاطه فحسب وإنما مهاجمة الطوائف المختلفة وخاصة الطائفة (العلوية)!!.

والشعب السوري الفقير قد صدق تلك الترهات، صدق أن التمثيل بجسد حمزة الخطيب لم يكن للسلطة يد به إنما بعض المتظاهرين عملوا على تشويه وقتل هذا الطفل لتحريض العامة على الدولة وإسقاط الرئيس.

صدقوا بعض المؤيدين أن هذا النظام يحميهم ولم يستخدم غاز (السارين) أو ما يعرف بالكيماوي ضد شعبه في (الغوطة الشرقية) و(خان العسل)، بل إنه استطاع أن يمنهج الشعب إيديولوجياً ليكونوا على قناعةٍ تامة بأن هذا النظام قد سعى جاهداً على تحقيق الأمان لسوريا، فكيف له أن يعمل على نزعه من خلال قتل شعبه؟.

كيف لرئيس أن يصافح عائلة الشهيد حمزة الخطيب ويحقق في مجريات وفاته أن يكون له يد في موته؟، قد صدق من قال بأنه كان (يقتل القتيل ويمشي بجنازته)!!.

ما يحدث في سوريا الآن

صباح 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وبينما كانت أنظار العالم تتوجه نحو الأوضاع في لبنان، وبعد قرار (نتنياهو) بوقف إطلاق النار، استيقظت الشعوب على توجه هائل من قبل المعارضة بقيادة (هيئة تحرير الشام) لدخول ريف حلب الغربي وقد سمّوا أنفسهم (ردع العدوان)، في توغل أدهش العامة من سرعته، إذ أنهم وخلال ساعتين فقط تمكنوا من أخذ 13 قرية في الريف الغربي!!.

دون وجود أي مواجهة على الإطلاق سوى من الأقلية فقط، واستمر هذا التوغل إلى أن تم أخذ مدينة حلب بأكملها، وبقي عامة الناس في حالة من التخوف والتساؤل، هل هؤلاء هم حقاً إرهاب؟.

هل سيبدؤون بقتل جميع الطوائف والأديان المخالفة لهم؟ ولكن ما حدث وما رأيناه لم يكن ما تبرمجنا عليه، ولا ما مُنهجِنا عليه، إذ أنهم أكدوا على أنهم لا يهدفون سوى لإسقاط النظام ويؤكدون على عدم التعرض للناس بمختلف أديانهم وعقائدهم!!.

واستمر هذا التوغل الشرس دون مواجهة من قبل النظام، إذ تم إرسال أمر بالانسحاب من الأفرع الأمنية عندما أوشكت جماعة (ردع العدوان) على دخول مركز مدينة حلب.

وبتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني، حدثت بعض المواجهات على طريق حلب/دمشق ولكنها لم تصل إلى حدود المواجهات الشرسة بسبب أوامر الانسحاب التي كانت تصل لعناصر الجيش والنقاط الفرعية وغيرها.

بقي الشعب السوري حينها في حيرةٍ من أمره، فلم يعلم حتى مدراء الأفرع الأمنية ما الذي يحدث أو أنهم علموا ولكن بقي الخوف من التصريح بهذا الشيء!، وصدح السؤال الأكبر (هل تم بيع حلب)؟ ثم تلاه السؤال بعدما استمر التوغل ليصل إلى مدينة حماة، (هل هذا مخطط تركي لأخذ المنطقة الشمالية)؟ (هل الأسد قدم سوريا لقمة سائغة للأطماع)؟.

والكثير من التساؤلات، إلا أن استمرار التوغل جعل عامة الشعب السوري يدرك أن كرت بشار الأسد قد احترق!!.

وأن الأوامر وصلت لأن ينزل عن هذا الكرسي الذي تمسك به للدرجة التي جعلته يقنع عامة الناس بأن هذه مؤامرة كونية طائفية تسعى للتخلص من الطائفة العلوية أو سيادة سوريا وغيرها من التبريرات!!.

وللأسف، استمر طغيان بشار الأسد لأن يبدأ بقصف إدلب وحلب بالطيران الروسي السوري المشترك، في محاولة بائسة منه لأن لا ينهيها دون أن يقلبها رأساً على عقب، فهل من الممكن أن يرحل طاغي مثله من على قمة الكرسي دون أن يشعل نيران الحرب أكثر؟.

شخصاً مثل بشار الأسد اتبع أسلوب (التجويع من أجل التطويع) في المنطقة الساحلية وهذا الشعب الفقير لجأ للتطويع بسبب سياسة التجويع، وبسبب سياسة الاحتكار وعدم الاستثمار في المناطق الساحلية دون أن يكون لأعوان الأسد وميليشياته يداً موضوعة على الأرزاق لتنهبها، وأرغم الجميع على تصديق خطاباته التي لم يُفهم منها شيء سوى كلمة أولاً وأخيراً، ولكنهم آمنوا بفكرة الحفاظ على الأرض وكان الكثير منهم يسعى لأن يدافع عن أرضه وعقيدته، دون أن يعلم أن أولئك الثوار أيضاً هدفهم حقيقي وهو إعادة السيادة للشعب السوري والتخلص من حياة العبودية التي أرغم بشار الأسد شعبه أن يعيشها!!.

وبتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت هيئة تحرير الشام بقيادة (أحمد الشرع) السيطرة على دمشق وإسقاط نظام الأسد الطاغي، وحينها أدرك الشعب السوري في المناطق الساحلية أن بشار الأسد استخدمهم كدروع بشرية باسم الأرض ولكنه أخفى نواياه الحقيقية وهي رغبته في البقاء على الكرسي على حساب مصالح الشعب.

ورحل بشار الأسد محملاً بمليارات الدولارات تاركاً خلفه الشعب السوري في حالة من الصدمة والذهول!.

أي بشريٍّ هذا؟ أو الأصح أن نقول أنه ذكرٌ وحشي دموي لا يهمه سوى مصالحه الشخصية ومصالح الميلشيات الخاصة به والتي عملت على إخراس عامة الشعب بمختلف الأطياف بوضع سوط على رقاب من يتفوه بما لا يرضي سيادتو!.

وإخفاءه تحت سابع أرض؟ فما كان ممن بقي في هذا البلد إلا أن يطأطأ برأسه خانعاً وراضخاً لما يحدث في تمعض.

وعلى الرغم من أن الشعوب بأكملها لم تكن في الأساس ترغب بأن يبقى الأسد على عرش السلطة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة، فهل لك أن تقتنع بأن شعباً يعيش حياة الطوابير (طابور الغاز) (طابور الخبز) بأن يرضى بمثل هذا الذل؟ ولكن الخنوع وعدم القدرة على الحراك جعلتهم يلجؤون للسكوت بدلاً من أن يقضوا نحبهم في سجون لا يعلم بها (الذباب الأزرق) كما يقال!.

هل لك أن تقتنع أن الشعوب التي تعيش دون كهرباء إلا في ساعات وصل معدودة، ودون ماء، ودون أن تملئ بطونها بلقمة هانئة تشبعها، أن تكون على رضا تام بمثل هذا الحكم؟ الذي ينادي دائماً بأن هذا الحصار هو ما جعلنا نعيش هكذا؟.

وها قد نجحت الثورة السورية واستطاعت أن تُحقق غايتها في إسقاط الحكم السائد الجشع، واستيقظت الشعوب على الخبر الأجمل بأن هذا السقوط قد تم والآن ستتنفس سوريا الصعداء وأخيراً.

بالتأكيد الفرحة السورية كانت عامة، لأن الجميع رغب بأن يسقط هذا الحكم ولكن بعضهم كان ثائراً والآخر أُرغم على الخراس حتى الموت!!.

وفي النهاية لا ندعو إلا أن يكتب الله الخير لـ سوريا العظيمة وأن يكون هذا السقوط للطاغي بشار الأسد ما هو إلا إشراقة الشمس بعد مغيبٍ طويل وهذا ما يأمله الشارع السوري الآن بسبب التخوف من المجهول في رغبةٍ منهم لأن لا يكون مصير سوريا هو حصر الشعوب في زاوية أخرى ومسمى ديني آخر أو محاولة لإلغاء وتشويه بقية المكونات الشعبية الأخرى وطقوسهم وتصرفاتهم، وتدمير النسيج المتكامل للأطياف المختلفة!.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى