أسس وأساليب التربية الإيجابية للأطفال

التربية الإيجابية بحر عميق لا نهاية له، وبالرغم من فوائدها إلا أنها تحمل في طياتها بعض المفاهيم الخاطئة، فما هي أهم الأسس والأساليب المُتبعة؟

مفهوم التربية الإيجابية للأطفال

التربية الإيجابية هي منهج تربوي يعزز تنمية الطفل بطريقة قائمة على الدعم، الاحترام، والتواصل المفتوح بين الأهل أو مقدمي الرعاية والطفل، تعتمد هذه التربية على فكرة أن الأطفال يولدون بفطرة طيبة ورغبة في التصرف الصحيح، مما يجعل من واجب الآباء تشجيع هذه الفطرة بدلاً من قمعها بالعقاب أو السيطرة المفرطة، حيث يسعى الأهل إلى بناء علاقة قوية ومؤثرة مع أطفالهم ترتكز على التفاهم والاستماع المتبادل.

من خلال هذه العلاقة يتعلم الطفل كيفية ضبط نفسه وتطوير سلوكيات إيجابية دون الحاجة إلى أساليب العقاب التقليدية، بدلاً من التركيز على أخطاء الطفل وسلبياته توجه تلك الطريقة في التربية اهتمامها نحو تعزيز نقاط القوة وتحفيز النمو الشخصي له وزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية للأطفال، ويُعتبر هذا النهج أكثر من مجرد مجموعة من القواعد التربوية، فهو نمط حياة يتطلب من الوالدين تعلم تقنيات واستراتيجيات تساهم في تحقيق علاقة تربوية ناجحة ومستدامة.

ما هي أساليب التربية الإيجابية للأطفال؟

هذه التقنيات لا تأتي من فراغ، بل تعتمد على أبحاث نفسية وعلمية تمت على مدار عقود لدراسة كيفية تحقيق التوازن بين الانضباط والحرية في تربية الأطفال، ومن أهم الأساليب المُتبعة:

البدء مبكراً

تربية الطفل تكتسب أهمية كبيرة من لحظة ولادته، حيث يمكن للوالدين البدء في التأثير الإيجابي عليه منذ نعومة أظافره، تفاعلك مع طفلك منذ البداية عبر ملاحظة حركاته والاستجابة لها يمكن أن يؤثر إيجابياً على سلوكه وتطوره فيما بعد.

كُن قدوة حسنة

يرى الطفل نفسه من خلال تصرفات والديه، فكل ما تنطقه وتفعله وتُظهره من مشاعر سواء من خلال نبرة صوتك أو حركات جسدك، ينعكس على شخصيته، لا تنسَ أن دعم الطفل وتعزيز احترامه لذاته يبدأ من خلال تعاملك الواعي معه.

تجنب الجروح النفسية بالكلمات

الكلمات لها قوة وقد تترك أثراً نفسياً عميقاً لا يقل عن الضربات الجسدية، تجنب استخدام تعبيرات مثل (غبي) أو (تصرفك طفولي) عند التعامل مع طفلك، فالكلمات يمكن أن تظل محفورة في ذاكرته وتؤثر على شخصيته مدى الحياة.

التجنب من رفع الصوت أو الصراخ

عندما يلجأ الوالدان إلى الصراخ، فإن ذلك قد يخلق شعوراً سلبياً لدى الطفل قد يصل إلى حد العناد أو الاضطراب النفسي في المستقبل، لذا يُفضل توجيه الطفل بأسلوب هادئ يرسخ لديه سلوكيات إيجابية.

امدح طفلك على إنجازاته

كل جهد يبذله الطفل مهما كان بسيطاً يستحق الإشادة والتعبير عن الامتنان والتقدير لسلوكياته الإيجابية، مثل ترتيب سريره دون توجيه وذلك يعزز من ثقته بنفسه، ومن المهم تجنب المقارنات السلبية التي تؤدي إلى الإحساس بعدم الأهمية.

تحلى بالصبر ولا تيأس

التربية الإيجابية تحتاج إلى وقت لرؤية النتائج لا تتوقع تغييرات سريعة بل ركز على سلوكيات طفلك على المدى الطويل، حيث أن الصبر مهم ولا تدع ضغوط الآخرين تجعلك تعود إلى أساليب العقاب، فالأطفال يحتاجون إلى تكرار وتوجيه لفهم السلوكيات الجديدة وقد يستغرق الأمر وقتاً قبل أن يحققوا تقدماً ملحوظاً ولكن مع مرور الزمن ستجد أن هذا الأسلوب يجلب فوائد دائمة.

اعتزِل المكان والزَم الراحة

في أوقات الغضب من المهم أن تأخذ لحظة لنفسك أنت أيضاً، عندما تشعر بالإرهاق من تصرفات طفلك اترك المكان قليلاً حتى تهدأ هذا سيساعدك على العودة بمزيد من الهدوء والتفكير في كيفية التعامل مع الموقف بطريقة فعالة، استخدم هذا الوقت لأخذ أنفاس عميقة والتركيز على هدفك في تعليم طفلك بدلاً من الانشغال بالصراع.

وضع ضوابط واضحة

يجب تحديد القواعد للطفل مثل إنهاء الواجب قبل مشاهدة التلفاز، وتنفيذ العواقب في حال كسر القواعد.

تخصيص وقت للطفل

تخصيص وقت للأنشطة العائلية يعزز الترابط ويساعد الطفل على الشعور بالاهتمام، مما يقلل من سلوكيات البحث عن الانتباه.

التربية الإيجابية في المدارس

يتطلب دمج التربية الإيجابية في المدارس استجابة لزيادة معدلات الأمراض النفسية بين الطلاب واحتياجاتهم النفسية والاجتماعية، وذلك من خلال عدة محاور وهي:

  • دعم الصحة النفسية: يجب التركيز على صحة الطلاب النفسية من خلال توفير الدعم والموارد اللازمة.
  • تدريب المعلمين: تقديم الدعم والتدريب اللازم للمعلمين لتمكينهم من تطبيق مبادئ التربية الإيجابية بفعالية.
  • تشجيع المشاركة الطلابية: تعزيز مشاركة الطلاب في الأنشطة المدرسية لتعزيز إحساسهم بالانتماء والفاعلية.
  • تنمية مهارات التفكير الإيجابي: تعليم الطلاب مهارات التفكير والتخطيط الإيجابي لتمكينهم من مواجهة التحديات.
  • الاهتمام بالتربية البدنية: تعزيز برامج التربية الرياضية والبدنية كجزء من النمو الشامل للطلاب.
  • خلق بيئة مدرسية إيجابية: تحسين المناخ المدرسي ليكون مشجعاً وملائماً للتعلم.

التربية الإيجابية في الإسلام

تُعد التربية الايجابية في الإسلام منهجاً متكاملاً يقوم على أسس دينية ونفسية تهدف إلى بناء شخصية الطفل بشكل صحي وسليم، يتجلى ذلك في عدة معايير وأدوات تعزز من دور الأهل في تربية أبنائهم وفقاً لما أُشير إليه في السيرة النبوية والقرآن الكريم:

  • الحب والرحمة: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، يشير هذا إلى أهمية الحب والرحمة في العلاقات بين الآباء والأبناء.
  • توجيه السلوك: ورد في الحديث الشريف: (علموا أبناءكم الصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين)، يُظهر هذا أهمية تعليم الأطفال السلوكيات الجيدة والحفاظ على العلاقة الربانية منذ الصغر.
  • تنمية الروحانية: جاء في الحديث: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله)، مما يعزز أهمية بناء علاقة روحية مع الله في حياة الطفل.
  • الصبر والتفهم: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، يُظهر ذلك أهمية الصبر في التربية.
  • تعليم المحبة والتعاون: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، مما يشير إلى أهمية تعليم الأطفال المحبة والتعاون مع الآخرين.
  • تقبل الأخطاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، يجب أن نتقبل أخطاء الأطفال كجزء من عملية التعلم.
  • تربية القدوة: قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، يجب أن يكون الآباء قدوة حسنة لأبنائهم، فيتبعون سلوك الرسول الكريم.
  • تشجيع العمل الصالح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، مما يشجع الأطفال على ممارسة الأعمال الصالحة.

فوائد التربية الإيجابية

تساعد التربية الايجابية في تطوير طفل واثق من نفسه يتمتع بتقدير صحي للذات بحيث يصبح قادراً على التواصل المفتوح مع والديه والمعلمين حول التحديات التي يواجهها، كما تعزز هذه التربية احترام الطفل لمقدمي الرعاية مما يجعله أكثر استعداداً للاستماع للنصائح وتنفيذها وبالتالي تُنمي التربية الايجابية الانضباط الذاتي لدى الأطفال بحيث يتصرفون بطريقة صحيحة حتى دون رقابة، مما يعزز قدرتهم على تحمل المسؤولية والتعلم من أخطائهم، بالإضافة إلى أنها تساهم في تقوية القيم الشخصية والعائلية وتساعد الأطفال على مقاومة الضغوط الخارجية، وتحفزهم على السعي للنجاح بدافع ذاتي وتبني علاقات اجتماعية قوية ومستقرة في المستقبل.

سلبيات التربية الإيجابية

رغم فوائدها إلا أنه قد تفشل التربية الايجابية لأسباب متعددة، أبرزها الاختلاف بين الأبوين في أساليب التربية مما يشتت الطفل، والأزمات المالية والظروف غير المتوقعة التي قد تعرقل التوازن المطلوب أيضاً، كما أن استخدام أساليب لا تتناسب مع شخصية الطفل يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية، حيث يحتاج كل طفل إلى نهج يناسبه لتحقيق النجاح، ومن تلك الأساليب:

  • التدليل المُفرط: يؤدي إلى عدم تحمل الطفل المسؤولية والاعتماد على الآخرين.
  • القسوة الغير مُبررة: تسبب انطواء الطفل وشعوره بالنقص.
  • الإعجاب الزائد: يؤدي إلى الغرور وزيادة مطالب الطفل.
  • التذبذب بين الشدة واللين: يخلق التردد وعدم الحَسم لدى الطفل.
  • الحماية الزائدة: تجعل الطفل خائفاً من التجارب الجديدة وغير معتمد على ذاته.
  • اختلاف وجهات النظر بين الوالدين: يسبب تشوشاً لدى الطفل في تمييز الصواب من الخطأ.

في النهاية تعتمد التربية الإيجابية على بناء أسس قوية من الحب والتفاهم، وبالتالي يكبر الأطفال ليصبحوا أفراداً مسؤولين قادرين على اتخاذ قرارات سليمة وتحقيق النجاح في حياتهم الشخصية والمهنية، متسلحين بالقيم الأخلاقية والانضباط الذاتي الذي يقودهم نحو مستقبل أكثر إشراقاً واستقراراً.

جيهان جهاد محمد

أنا طَير حُر طَليق في رِحاب الحياة يبحَث عن المَعنى والحِكمة والحُب والصَبر وكُلها معاني تتجلى في الكِتابة والعلم والمعرفة، فهُم أسلِحة مَن لا سلاح له، أنا چيهان جهاد من مَصر، أُحب التعلُم وتوصيل رِسالتي لِمن يقرأ.
زر الذهاب إلى الأعلى