تعريف التمييز العنصري وما هي أشكاله وأسبابه
يُعد التمييز العنصري هو مشكلة العصر التي تواجه أغلب الدول الآن، لذلك في هذا المقال سنناقش تلك المشكلة العميقة بشكل تفصيلي.
تعريف التمييز العنصري
التمييز العنصري أو العنصرية كما يسميها بعض الناس هي التفرقة والتمييز بين الأشخاص، سواء في الأفعال الاجتماعية أو الممارسات والأنظمة السياسية، حيث تفترض الإيدلوجية الكامنة وراء الممارسات العنصرية إمكانية تقسيم البشر إلى مجموعات متنوعة تختلف في سلوكها الاجتماعي وقدرتها الفطرية، والتي يترتب عليها معاملة بعض الأشخاص بطريقة مختلفة عن غيرهم بسبب عرقهم، أو البلد التي ولدوا فيها، أو أصلهم العرقي، أو لون بشرتهم، أو دينهم.
أشكال التمييز العنصري
تتعدد أشكال التفريق العنصري من بلد لآخر ولكن سنقدم لك أبرز أشكال التمييز العنصري وأكثرها شيوعًا في العالم:
التمييز على حسب العرق
يُعد هذا النوع من أقدم وأشهر أنواع التمييز انتشارًا في العالم، والذي يقوم بالتفرقة بين الأشخاص على حسب أصلهم القومي أو العرقي أو لون بشرتهم، فنجد أن هذا النوع من التمييز يظهر في العنصرية التمثيلية في السينما والإعلام إذ تقوم على تصوير أشخاص من لون معين على أنهم مجرمين، وأشخاص آخرين على أنهم أبطال، كما يظهر في بعض الأفلام الأجنبية التي تقوم بتصوير أصحاب البشرة السوداء على أنهم أشخاص سيئين يسعون دائمًا إلى الانتقام، على عكس أصحاب البشرة البيضاء، وهذا بدوره يخلق نوع من الكراهية لدى الأجيال القادمة تجاه هؤلاء الأشخاص، وبالتالي يترتب عليها معاملتهم بطريقة سيئة.
التمييز العنصري على حسب الفئة العمرية
وهو التمييز بين أشخاص ينتمون لفئة عمرية معينة، فدائمًا نجد أن أصحاب الأعمال يرفضون توظيف أشخاص ذات أعمار كبيرة، بدافع أنهم لن يستطيعوا تقديم جهد كافي للعمل على عكس الفئات العمرية الأقل، وهذا قد يكون غير صحيح خاصة إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة وبمهارات عملية عالية تفوق من هم أقل عمرًا.
التمييز على أساس النوع الاجتماعي
هذا النوع من التمييز قائم على التفرقة على أساس الجنس (ذكر أو أنثى) حيث يُحرم بعض الأشخاص من القيام بأعمال معينة بسبب نوعهم الاجتماعي، فنجد أن المرأة قد تحرم من ممارسة بعض الأعمال بدافع أن طبيعة العمل لا تناسبها، على الرغم من أنها لم تحاول ولكنهم افترضوا أنها لن تستطيع القيام بهذا العمل.
التمييز على أساس الحالة الاجتماعية
يتم التفرقة هنا على أساس حالة الشخص الاجتماعية هل هو أعزب أم متزوج، حيث تفضل بعض الوظائف الشخص الأعزب لأنهم يعتقدوا أنه أقل مسئولية من الشخص المتزوج، بدافع أنه يوفر وقت وجهد أكبر للعمل، كما نجد أن بعض الشركات تضع بندًا أساسيًا عند التقديم للوظيفة وهو أنه في حالة زواج المرأة يتم فصلها من العمل.
التمييز على أساس الدين
وهو التمييز ضد الأشخاص الذين يتبعون دين معين، أو معتقدات معينة فنجد أن بعض الأماكن ترفض توظيف السيدات المحجبات، كما ترفض بعض البنوك إعطاء القروض لأشخاص بسبب خلفيتهم الدينية.
التمييز على أساس الإعاقة
نجد أن معظم الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية أو عقلية تعيقهم من ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي يعانون أيضًا من التمييز العنصري، حيث لا يجدون وظائف تناسبهم إذ يرفض أصحاب الشركات توظيف ذوي الإعاقة حتى أن كانوا يتمتعون بخبرة ومهارات عملية أكثر من الآخرين.
التمييز على أساس مستوى المعيشة
نجد أن التمييز العنصري على أساس مستوى المعيشة أحد أكثر أشكال التفرقة العنصرية انتشارًا في العالم، حيث يتعامل البعض مع أصحاب المعيشة المتدنية على أنهم أقل مستوى، وهذا لا يقتصر على الأشخاص فقط بل يظهر أيضًا في تعامل الدول مع بعضها، حيث تظن الدول ذات الموارد الوفيرة أن الدول الفقيرة لا تمتلك الحق في تقرير مصيرها.
أسباب التمييز العنصري
قد يتساءل البعض عن أسباب التمييز العنصري، لذا سنتناول أهم الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى تفشي ظاهرة التفرقة العنصرية في المجتمع:
الجشع والمصلحة الذاتية
يُعد الجشع والطمع هو السبب الرئيسي لتفشي ظاهرة التمييز العنصرية، فعلى مدى ما يقرب من 400 عام استعبد المستثمرون الأوربيون الناس من خلال تجارة الرقيق عبر الأطلسي، فلم تكن العنصرية في ذلك الوقت قائمة على الكراهية لنوع الناس أو لعرقهم على قدر ما كانت قرارًا تجاريًا ليجدوا من يقوم بالأعمال في الصناعات الضخمة كصناعات السكر والقطن وغيرها.
فبعد أن فشل المتعاقدين في تجديد عقودهم مع الخدم الذين كانوا يعملون لديهم بسبب سوء استغلالهم لهم، وقلة عدد الخدم الذين يعملون في مزارعهم، لجأوا إلى العبودية لزيادة أرباحهم، فيقوم صاحب المزرعة بشراء عدد من العبيد للعمل في مزرعته، مبررين ذلك بأن بعض الأجناس خلقت لكي تكون عبيدًا.
العنصرية العلمية
يقول البعض أن الجهل هو الفتيل الذي يشعل التمييز العنصري، إلا أنه في الحقيقة نجد أن أكثر العقول ذكاءً كانت وراء ظهور الأفكار العنصرية، فبعد أن انتهى العلماء من تصنيف النباتات والحيوانات، بدأوا أيضًا في تصنيف البشر، فقد قام العالم الألماني (يوهان فريدريش) بتصنيف البشر إلى 5 مجموعات، وضع في مقدمتهم القوقازيين (العرق الأبيض)، كما افترض (صمويل جورج) أن حجم الدماغ مرتبط بالذكاء، وصنف البيض على أن لديهم جماجم أكبر وبالتالي فهم الأكثر ذكاءً عن غيرهم.
السياسات التمييزية
إن السياسات التي تميز على أساس العرق تعمل على تعزيز المعتقدات العنصرية، فهي ترسل رسالة للناس مفادها أن بعض الناس بسبب عرقهم لا يستحقون نفس المعاملة والفرص التي يتمتع بها أي شخص آخر، وتستخدم الحكومة مجموعة من المبررات لإقناعهم بذلك مثل الأمن الطبيعي، أو الصحة العامة، ونادرًا ما تكون هذه المبررات تستند إلى الواقع، وأكبر مثال على ذلك هي قوانين الإسكان في الولايات المتحدة، حيث منعت اللوائح السود من امتلاك منازل في مساكن معينة لعقود، مما أدى إلى تهميشهم في مساكن ذات جودة أقل ومنعهم من تكوين ثروة، فقد بنت إدارة الإسكان الفيدرالية معتقداتها على أنه إذا اشترى الأمريكيون السود منازل في الضواحي، أو بالقرب منها فإن قيمة العقار ستنخفض.
التمثيل في وسائل الإعلام
إن الطريقة التي تمثل بها وسائل الإعلام الأشخاص من أعراق مختلفة في الكتب والتلفزيون والأفلام والموسيقى، لها تأثير كبير على كيفية نظر المجتمع إلى العرق، وبينما تعكس وسائل الإعلام وجهات النظر الثقافية، فإنها تشكل أيضًا الثقافة وتغرس المعتقدات العنصرية في الشباب، وأولئك الجدد في بلد ما، فعلى سبيل المثال يتم تمثيل السود دائمًا في الإعلام على أنهم أقل في المستوى الاجتماعي والثقافي، وبالتالي هذا يؤثر في نظرة السود لأنفسهم ونظرة المجتمع لهم.
الرغبة في حفظ السلام والأمن
حتى الأشخاص الذين يختلفون مع أفكار التمييز العنصري، يرغبون في حفظ السلام والأمن، لذا فإن تم تصوير فئة معينة من الأشخاص على أنهم مجرمين، أو مصدر للإزعاج فلن يهتم أحد بطريقة تعامل الشرطة معهم، فعندما تم تصوير السود على أنهم مصدر للإزعاج وتعكير الأمن، لم يهتم أحد بالطريقة الوحشية أو بالسجن الجماعي الذي طبقته الحكومة عليهم، حيث اعتقدوا أن هذا مبرر للحفاظ على الأمن والسلام.
الروابط الاجتماعية
تُعد الروابط الاجتماعية أحد أكثر أسباب التمييز العنصري تأثير في الأشخاص، فإن إيجاد مجتمع يضم اشخاص يتشاركون نفس المعتقدات حول العرق يمكن أن يعزز المعتقدات العنصرية، فعندما ينشأ الشخص وهو محاط بأشخاص وأصدقاء عنصريين فمن المرجح أن يتشاركوا معه نفس معتقداتهم، حتى وأن تعارض معهم في البداية إلا أن اختلاطه بهم سودي إلى تغيير رأيه في النهاية.
الأحكام السريعة اللاواعية
عادة ما يحكم الأشخاص على من حولهم من مظهرهم و ملابسهم وطريقة كلامهم، تلك طبيعة في كل البشر حيث أن البشر مبرمجون على إصدار أحكام سريعة على محيطهم، عادة ما تكون هذه الأحكام ناتجة من تربية الأشخاص وأسلوب حياتهم، فمثلًا إذا كان الشخص يعيش في مستوى معيشي عالي فدائمًا ما ينظر لمن هم أقل في المستوى المعيشة بنظرة أقل.
ماهي مخاطر التمييز العنصري؟
التمييز العنصري أحد أخطر المشكلات التي تواجه أي مجتمع لما يترتب عليها من مخاطر عديدة منها:
- شعور الشخص بأنه غريب في وطنه: يُعد هذا أسوأ شعور قد يشعر به أي شخص، فدائمًا ما يشعر الأشخاص الذين يتعرضون للتفرقة العنصرية بالوحدة والعزلة حتى وأن كانوا في وطنهم ووسط عائلاتهم، حيث يشعرون دائمًا أنهم وحيدين ومنعزلين ولا يستطيعون التعامل مع المجتمع المحيط، مما يجعلهم أشخاص أنانيين لا يفكرون في من حولهم، ولا يهتمون إلا بشئونهم.
- انتشار الحقد والكراهية في المجتمع: تؤدي العنصرية إلى نشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع بسبب التمييز الذي يفرق بين الأشخاص في المعاملة فيشعر الشخص الذي يطبق عليه هذا التمييز بأنه أقل شأننًا مما يجعله يحقد على من ينالوا ما سلب منه.
- انتشار الحروب والنزاعات: تؤدي العنصرية إلى انتشار الحروب والنزاعات بين أفراد المجتمع، حيث تشعر فئة بأنها لا تستطيع نيل حقها، وأن هناك آخرين يتمتعون بكل حقوقهم.
- انتشار الخوف وعدم الاستقرار: من الطبيعي أن ينتشر عدم الاستقرار في المجتمعات العنصرية بسبب الخوف والاضطهاد الذي تتعرض له فئة معينة في المجتمع.
في الختام نحب أن نوضح لكم أن مشكلة التمييز العنصري لا ترتبط بمجتمع معين، بل هي أفكار ومعتقدات توارثتها الأجيال عبر العقود، ولن علينا نتصدى جميعًا لتلك المشكلة، فلا يجب التفرقة بين الأشخاص بسبب اختلاف عرقهم أو دينهم أو غيرها من المعتقدات العنصرية، كما ينبغي علينا نشر ثقافة المساواة والمحبة بين الناس.