قصة اصطياد الجاسوسة هبة سليم كاملة
لطالما كانت قصص الجواسيس تخبرنا الكثير من الخفايا والأسرار وتجذبنا للغوص في عالم المؤامرات والخيانة، إليك قصة الجاسوسة هبة سليم.
من هي الجاسوسة هبة سليم؟
هي هبة عبدالرحمن سليم عامر، من جمهورية مصر العربية، وُلدت عام 1947م في محافظة أسيوط، وقد كانت تنتمي لعائلة ميسورة الحال، درست هبة سليم في كلية الآداب في جامعة عين شمس، واختارت اللغة الفرنسية لتتخصص في دراستها، وقد كانت معروفة بتفوّقها وحيويتها وجاذبيتها بين زملائها، وهذا ما دفع أحد أساتذتها في الجامعة وهو فرنسي الأصل، بأن يعرض عليها إكمال دراستها في فرنسا، وهذا ما حدث بالفعل، و تُعتبر هبة سليم صاحبة أكبر قضية خيانة عظمى في التسعينات، كما يُقال أنها أصغر جاسوسة في التاريخ.
قصة الجاسوسة هبة سليم؟
لقد أثارت قصة الجاسوسة هبة سليم ضجةً كبيرة، كونها كانت القضية الأخطر في ذلك الوقت:
نشأتها
لقد عاشت هبة سليم في منزل ذويها الكائن في (ضاحية المهندسين)، وهي إحدى المناطق الفخمة في مصر، وينتمي القاطنين فيها إلى الطبقة المخملية، وقد كان والدها يعمل وكيلاً لوزارة التربية والتعليم، وهذا ما يُثبت أنها كانت فتاة مُدللة ومرفّهة، حصلت على شهادة الثانوية العامّة والتحقت بكلية الآداب، وذُكِرَ أنها كانت تمضي معظم أوقات فراغها في (نادي الجزيرة) هي وصديقاتها، وفي عام 1968م استطاعت هبة إقناع والدها بإرسالها إلى فرنسا لإكمال دراستها.
حياتها في فرنسا
عندما وصلت هبة سليم إلى فرنسا، حلّت كضيفة في منزل عائلة مصرية تعيش هناك، وقد كانت علاقتها طيّبة بالسفير المصري في فرنسا، وتذهب باستمرار لزيارته هو وعائلته في منزلهم، و قد قدمت هبة سليم طلب للعمل في السفارة المصرية في فرنسا لكنهم رفضوا، ويُذكر أنها عانت من ضائقة مالية بسيطة في هذه المرحلة.
تجنيدها من قِبَل الموساد الإسرائيلي
تعرّفت هبة سليم أثناء دراستها في الجامعة بفتاة يهودية بولندية، وجمعتهما علاقة صداقة قويّة، إلى أن قامت الفتاة اليهودية بدعوة هبة سليم إلى منزلها، و بدأت بإقناعها بأن إسرائيل دولة سلام، وأن كل ما يقومون بفعله هو من أجل تأمين مستقبلهم وحماية ودهم، وعرضت عليها فيلم يوضّح الحياة الاجتماعية في إسرائيل، وأنهم ليسوا وحوشاً كما يصوّرهم البعض، وهنا أعربت هبة سليم عن أمنيتها بأن يعمّ السلام في العالم وأنها ليست ضد إسرائيل، وبعد عدّة لقاءات استطاعوا تجنيد هبة سليم لخدمة دولة إسرائيل ضد دولتها وعروبتها ووطنيتها، واقتنعت أن إسرائيل هي القوى العظمى.
إجازتها الأولى إلى مصر وتجنيد الضابط فاروق الفقي
بعد أن تلقّت هبة سليم التدريبات الكافية، تم إرسالها إلى مصر لإتمام مهمتها الأولى، وهي تجنيد المقدم مهندس الصاعقة (فاروق الفقي) الذي كان أحد معجبيها، وقد كان الشاب يلاحقها دائماً أثناء تواجدها في نادي الجزيرة قبل سفرها إلى فرنسا، لكنها وفي كل مرة كانت ترفضه بشدّة، وتتعامل معه بقسوةٍ شديدةٍ، وفور عودتها إلى مصر بدأت بالبحث عن فاروق وتسأل صديقاتها عنه، إلى أن تقابلا و أوهمته بالحب وأنها تتمنى أن تكمل حياتها برفقته، وبالفعل تمت الخطبة بين فاروق وهبة.
الخيانة العظمى وتسريب المعلومات
بدأت هبة بتنفيذ خطتها وهي سحب المعلومات الخطيرة التي تريد إسرائيل معرفتها من خطيبها، وكان أهم هذه المعلومات هو موقع الصواريخ الجديدة التي أتت من روسيا، فأخذت هبة سليم تفتعل المشاكل بينها وبين خطيبها بحجة أنه دائم الانشغال عنها، وما كان من العاشق الولهان إلا أن يُخبر خطيبته بأدق التفاصيل عن عمله وعن مهماته العسكرية التي يقوم بها، والتي بدورها تقوم بإرسال كل التفاصيل إلى إسرائيل، وهنا سقط الضابط فاروق الفقي في المصيدة، وتم تجنيده لصالح الموساد، وقد قام بتسريب معلومات عسكرية هامّة جداً، خاصةً الخرائط التي توضّح النقاط التي تتواجد فيها صواريخ (سام6) المُضادة للطيران، والتي كانت نقاط القوّة للدولة المصرية لكي تواجه وتتصدى بها للغارات الإسرائيلية.
اكتشاف المخابرات المصرية وجود جاسوس بينهم
عندما وصلت هذه المعلومات الخطيرة إلى يد إسرائيل وتأكدت من صحتها، بدأت بضرب واستهداف هذه النقاط بالطيران ودمرتها تماماً، و عمّ التوتر والقلق بين عناصر المخابرات المصرية، بعد تأكّدهم من وجود عميل سري داخل أجهزتهم يقوم بتسريب هذه المعلومات الدقيقة، فقام فريق من المخابرات المصرية برئاسة (رفعت جبريل) بالبحث والتدقيق لمعرفة هوية الخائن، فتوصّلوا إلى أن المقدم (فاروق الفقي) قام في الفترات الأخيرة بتركيب (إريال) راديو للإرسال فوق سطح منزله، والذي يقوم من خلاله بإرسال المعلومات إلى إسرائيل، وراقبوا رسائله التي كان يكتبها بالحبر السري، فتأكدوا من خيانته.
إلقاء القبض على فاروق الفقي وهبة سليم
تم القبض على (فاروق الفقي) فور التأكّد من خيانته، فقد كان يشغل منصباً حساساً، وبرغم صغر سنه إلّا أنه كان رئيساً لأركان الصاعقة، وكان يحضر الكثير من الاجتماعات السريّة، واعترف فاروق اثناء التحقيق بجريمته، وبأن هبة سليم هي شريكته وهي من قامت بتجنيده، وأنهما قاما باستئجار منزل في مدينة المعادي، وقامت بتعليمه كل ما يخص الكتابة بالحبر السري و طرق إرسال المعلومات للموساد.
خطة القبض على هبة سليم
كعادة المخابرات المصرية المعروفة بأنها أقوى أجهزة مخابرات عربية، قاموا بوضع خطة ذكية للقبض على هبة سليم قبل هروبها إلى إسرائيل في حال معرفتها بأمر اعتقال خطيبها، وقام بتنفيذ الخطة مجموعة من أكفأ الضباط المصريين أحدهم هو اللواء (حسن عبد الغني) وضباط آخرين، وكانت الخطة تقتضي أن يسافر فريق من الضباط إلى ليبيا حيث يعمل والد هبة سليم، ليقوموا بإخباره بأن ابنته متورطة في قضية خطف طائرة مع جهة فلسطينية فدائية، وأن هبة مطلوبة الآن لإسرائيل، وطلبوا من والدها أن يساعدهم في إحضارها إلى طرابلس بحجة أنهم لا يريدون أن يُزجّ اسم مصر في مثل هذه العمليات الإرهابية، وافق والد هبة على الفور، وارسل برقية مستعجلة لهبة يخبرها فيها أنه مريض ومُصاب بذبحة صدرية وهو بحاجتها الآن إلى جانبه.
لحظة القبض على هبة سليم
وصلت البرقية إلى هبة وردّت عليها بسرعة، وأخبرت والدها أنها تقوم بالتجهيزات اللازمة لاستقباله بأقصى سرعة، وأنها حجزت له غرفة في مستشفى فرنسي شهير، وستنتظره بسيارة الإسعاف في مطار فرنسا، لكن استطاعت المخابرات المصرية بالتعاون مع المخابرات الليبية تدارك هذه الثغرة، حيث قامت السلطات الليبية بحجز غرفة باسم والد هبة في مستشفى طرابلس، وأخبروا الأطباء ما عليهم فعله في حال سأل أحدهم عن حالة هذا المريض بالتحديد، وعاد مجدداً والد هبة ليرسل برقية أنه في حالة صحيّة خطرة ولا يستطيع السفر، عندئذٍ أرسل الموساد الإسرائيلي عناصر للتأكد من وجود والد هبة في المستشفى، و على هذا الأساس سمحوا لها بالسفر إلى ليبيا، وعند وصولها إلى المطار كان الضباط المصريين باستقبالها وهي على مدرجات الطائرة، وقاموا باصطحابها إلى طائرة مصرية، لقد كانت لحظة تقشعر لها الأبدان خاصةً عند معرفتها بأنها رهن الاعتقال، فقد بدأت بالصراخ والعجرفة في البداية، لكن لم يدم هذا الأمر سوى لحظات، حتى خضعت وشعرت بالهزيمة والاستسلام.
الأيام الأخيرة لهبة سليم في السجن
تقدّمت هبة سليم للمُحاكمة، وصدر فيها حُكم الإعدام شنقاً، ثم تم ترحيلها إلى سجن النسا لتقضي أيامها الأخيرة قبل تنفيذ الحكم، وقد سجّل اللحظات الأخيرة في حياة هبة سليم الكاتب المصري (أكرم السعدني)، بناءاً على ما سمعه من مأمور سجن النسا آنذاك، حيث أخبرنا أن تصرفات هبة سليم في السجن أثارت استغراب جميع الضباط والسجّانين، فهي لم تدخل في نوبات اكتئاب أو حتى خوف ورهبة، و لم تقضي أوقاتها بالصلاة وطلب المغفرة مثل السجناء الذين حُكِمَ عليهم بالإعدام، بل على العكس كانت تتزين كل يوم وتضع بواريك الشعر الملوّنة، وتستخدم أفخم العطور الفرنسية، وتمشي واثقة مُتباهية بنفسها، وقد كانت على ثقة أن الموساد لن يتخلى عنها وأنها ستخرج للحياة مرة أخرى قريباً، ويُقال أن هبة كانت شديدة الدهاء والخطورة فقد تم تدريبها على أعلى المستويات من قِبَلْ الموساد، وكانت متأكّدة أنه سيتم إنقاذها.
نهاية الجاسوسة هبة سليم
يُقال أنه في أحد الاجتماعات بين الرئيس (أنور السادات) و رئيس وزراء إسرائيل (مناحم بيجين)، طلب مناحم من السادات تخفيف عقوبة هبة سليم، أو أن يمنحها عفواً رئاسياً، ولأن أنور السادات كان شديد الدهاء علم أنها ستكون ورقة ضغط، لذلك اخبره أنه تم تنفيذ حكم الإعدام في هذه الفتاة ولكن لم يصدر الأمر إلى الإعلام بعد، وفور انتهاء الاجتماع أمر بإعدامها بأقصى سرعة، وبالفعل تم اصطحابها لتنفيذ الحكم دون إخبارها، منعاً لحدوث أي طارئ في حال وجود أعين للموساد، أو أنه من الممكن أن يصل الخبر لإسرائيل واعتراض حافلة الترحيل لإنقاذ هبة، بل أخبروها أن التماسها الذي قدّمته للسادات تم قبوله، وكانت تعتقد أنها ذاهبة للقاء السادات شخصياً أو للقاء زوجته وسيتم العفو عنها، لتجد نفسها فجأة أمام لجنة الإعدام، و تتلقى عقوبتها نتيجة خيانتها العظمى للوطن، وهي تُردد جملة أن الموساد لا يتخلى عن أبنائه المخلصين، وتم إعدامها عام 1974م، لتكون النهاية تليق بحجم خيانتها.