الجلّاد لا يصبح ضحية… ولو ادّعى

الجلاد لا يصبح ضحية لأن اليد التي صفّقت للقتل لا تستحق الرحمة ولا الشفقة ومن وقف فوق الركام يرقص لا يحق له أن يشكو من الغبار.

الجلّاد لا يصبح ضحية لأن الدم لا ينسى والصرخة لا تموت

في زمنٍ تتشابك فيه الحقائق مع الأكاذيب، وتمتزج فيه الدموع المزوّرة بدماء الضحايا الحقيقيين، يخرج علينا من لم يعرفوا الألم إلا في نشرات الأخبار، ليصرخوا: نموت ويقتلنا الأمن العام! الجيش السوري الجديد يختطف نساءنا! تُسبى بناتنا وتُغتصب كراماتنا!

صرخاتٌ جوفاء لا يسندها دليل، ولا يشهد لها شاهد، سوى لسانٍ أُلهم الكذب منذ المهد، وأبصارٍ أُغلقت عن رؤية الحقيقة لأن الحقيقة تُفزعهم، كل ما تملكونه من مأساة، أن ربّكم بشار قد سقط، وسقطت معه أصنام الزيف التي عبدتموها باسم الوطن، أنتم يا من يتمتكم الخيبة، لا لأنكم فُجعتم بضحايا، بل لأن بشاركم لم يعد في عليائه، أنتم أيتام الأسد، ومصيبتكم أن الطاغية قد هوى.

في سوريا، حيث سالت الدماء أنهاراً وتحطمت الأحلام تحت وطأة الظلم، لا تزال فئة تحاول تمثيل دور الضحية، بينما أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، قائدهم بشار الأسد، يقف كرمزٍ صارخٍ لهذا التناقض المريع، أنتم من انطلقت طائراته من فوق رؤوسكم لتقصف الأطفال، وأنتم من صفّقتم حين احترقت المدن، أنتم من صمتم على المجازر، بل باركتموها.

وهذا المقال، ليس مجرّد سردٍ للأحداث، بل صرخةٌ في وجه الزيف، صفعةٌ للحناجر التي تطلب الشفقة وهي ما تزال تقطر خيانةً، إليكم، بكل وضوح، ما لم تعيشوه، وما لا يمكن للتاريخ أن ينساه، الجلّاد لا يصبح ضحية حتى لو ادّعى ألف مرة!

لم تُقصفوا بالبراميل ولم تتطاير أشلاء أطفالكم

لم تُقصفوا بالبراميل المتفجرة، تلك الأسلحة الهمجية التي حولت الأحياء السكنية إلى أنقاضٍ وأشلاء، لم تشهدوا أطفالكم يتطايرون أشلاءً تحت وابل القصف العشوائي، هذه ليست قصصاً من الخيال، بل مشاهد موثقة تكشف وحشية النظام السوري، البراميل المتفجرة، التي أُلقيت من طائرات النظام، لم تميز بين مدني وعسكري، بل استهدفت الأسواق والمدارس والمستشفيات، هذه الحقيقة موثقة في تقارير دولية وفيديوهات تظهر حجم الكارثة.

فيديو لإلقاء الجيش اللاسوري البراميل المتفجرة على أحدى مدن سوريا:

فيديو إنفجار هائل لأربعة براميل متفجرة على مدينة داريا:

مشاهد جوية تكشف حجم الدمار في مدن وأحياء دمشق وريفها:

لم تمضوا 13 سنة في المخيمات والخيام تائهين في البراري

لم تمضوا 13 عاماً في المخيمات، تائهين في البراري، حيث البرد القارس والجوع ينهشان أجسادكم، ملايين السوريين، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أُجبروا على ترك بيوتهم، ليعيشوا في خيامٍ باليةٍ لا تقي حرارة الصيف ولا برد الشتاء، هذه المخيمات، سواء في لبنان أو الأردن أو تركيا، أصبحت رمزاً لمعاناة شعبٍ شُرد بسبب قمع النظام الوحشي، الأطفال يولدون ويكبرون دون أن يعرفوا معنى المنزل، والأمهات يصارعن لتأمين لقمة العيش.

فيديو الشتاء القارس يزيد محنة اللاجئين السوريين في المخيمات:

لم تُغتصب نساؤكم في السجون

لم تُغتصب نساؤكم في السجون، ولم تُعذّبوا في زنازين صيدنايا وتدمر، حيث الإنسانية تموت كل يوم، سجن صيدنايا، الذي وُصف بـ”المسلخ البشري” في تقارير منظمة العفو الدولية، شهد فظائع لا يمكن للعقل البشري استيعابها، التعذيب المنهجي، الاغتصاب، والإعدامات الجماعية كانت جزءاً من روتين هذه السجون، الضحايا لم يكونوا مقاتلين فقط، بل مدنيين، نساءً وأطفالاً، تم اعتقالهم بلا تهمة.

فيديو لغدير امرأة سورية نجت من معتقلات الأسد تروي تفاصيل مرعبة عن السجون:

معتقلة سابقة في سجون نظام الأسد تنهار بالبكاء أثناء سردها لحظات ولادتها في مستشفى حرستا العسكري:

اغتصاب النساء في سجون النظام السوري:

معتقل سابق يروي الفظائع التي عاشها في سجن صيدنايا:

قصص التعذيب في السجون السورية ترويها المعتقلة حسنة الحريري:

لم تكونوا في مجزرة حماة حيث قُتل 25 ألف شخص خلال أسبوع

لم تكونوا في حماة عام 1982، حين قُتل أكثر من 25 ألف شخص خلال أسبوع واحد فقط، في واحدة من أبشع المجازر التي شهدها العالم، تحت قيادة حافظ الأسد ملعون الروح، نفّذ النظام مذبحةً استهدفت المدنيين الأبرياء بحجة قمع التمرد.

وثائقي لشاهد العيان مصطفى خليفة يروي تفاصيل هذه الجريمة التي لا تُمحى من ذاكرة التاريخ، أحياءٌ دُمرت، وعائلاتٌ أُبيدت، وصمتٌ دوليٌ مخزٍ رافق المجزرة، هذه الدماء، التي سالت، لا تزال تصرخ في وجه من يحاولون تزوير الحقيقة، فهل يستطيع الجلاد أن يدّعي أنه الضحية بعد كل هذا؟

مصطفى خليفة يروي كشاهد عيان تفاصيل من مجزرة حماة السورية:

هدى سراقبي الناجية من مجزرة حماة عام 1982 تروي قصتها:

لم تُحاصروا حتى أكل الناس القطط والكلاب وماتوا جوعاً

لم تُحاصروا حتى صار الجوع يدفع الناس إلى أكل القطط والكلاب، لم تعيشوا مرارة أن ترى أطفالاً يبكون جوعاً ولا تستطيع أن تفعل لهم شيئاً، لم تذوقوا قسوة أن الأحياء من الناس صاروا يقتاتون على ما لا يمكن لعاقل أن يتخيله، لم تشهدوا منظر العائلات التي تفرش الأرض تحت السماء العارية، تقتات من القمامة أو من بقايا ما كان يوماً طعاماً للحيوانات، لا والله، لم تعرفوا معنى هذا الجوع الذي يصل إلى حدّ القتل البطيء، ولا تفاصيل الموت التي تأتي ببطء بعد أن تفرغ المعدة وتغيب الأمل.

اخر كلمات شهيد الجوع حسن خالوصي دمشق الحجر الاسود:

فيديو عن حصار مضايا:

استشهاد 108 أشخاص جرّاء الجوع والحصار في سوريا عام 2015:

كفى تزويراً للتاريخ

إن محاولة قلب الحقائق ليست مجرد كذبة، بل جريمة بحق الضحايا الحقيقيين، لا يمكن لمن أمر بإلقاء البراميل المتفجرة، ومن سجن واغتصب وعذّب، ومن أباد مدناً بأكملها، أن يزعم أنه الطرف المظلوم، التاريخ لا يُكتب بأقلام المزورين، بل بحقائق موثقة وشهادات حية، الشعب السوري، الذي عانى من ويلات الحرب والتشرد والتعذيب، هو الضحية الحقيقية، أما الجلادون، فلا مكان لهم في رواية البراءة.

سوريا، أرض الدم والألم، تقف شاهدةً على تناقضٍ صارخ: فئةٌ تحاول تمثيل دور الضحية، بينما أيديها ملطخة بدماء الأبرياء، بشار الأسد ونظامه ليسوا ضحايا، بل جلادون كتب التاريخ أسماءهم بحبر الخزي، إلى من يحاولون تزوير الحقائق، نقول: كفى خداعاً، البراميل المتفجرة، والمخيمات، والسجون، ومجازر حماة، كلها حقائق لا يمكن طمسها، توقفوا عن لعب دورٍ لا يليق بكم، أنتم الجلادون… والتاريخ، مهما طال الزمن، لن ينسى.

وكل تلك المشاهد التي أوردناها في هذا المقال ليست سوى غيض من فيض ليست سوى ومضات من جحيم طويل لم يُطفأ بعد، فما خفي كان أعظم وما عاشه الناس في الظل لم تصله عدسات الكاميرات ولا صوت المنابر، كيف يُطلب منّا أن ننسى ونحن لم ندفن شهداءنا بعد.

كيف يُطلب منّا أن نسامح ونحن ما زلنا نحمل بين أضلعنا أسماء المعتقلين والصور، التي لم نعد نعرف أهي لأحياء أم لأموات؟، لا والله لن ننسى لن ننسى أول صيحة خوف لن ننسى أول رائحة للدم لن ننسى من كان يضحك خلف البنادق ولا من صفّق للدمار فوق أنقاض مدننا، لا والله لن ننسى ولن نسامح.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

محمد مشهدي

مؤسس ورئيس تحرير منصة "برو عرب"، صانع محتوى، ومصمم مواقع إلكترونية عديدة وخبير في مجال الويب.​
زر الذهاب إلى الأعلى