تركت الحضارة الإغريقية بصمة لا تُمحى على الثقافة الغربية والفن والفلسفة ولا يزال تأثيرها واضحاً إلى يومنا هذا مما جعلها محط اهتمام ودراسة عبر العصور.
ما هي الحضارة الإغريقية؟
الحضارة الإغريقية أو الحضارة اليونانية القديمة هي واحدة من أبرز الحضارات في التاريخ البشري وقد نشأت هذه الحضارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وبشكل خاص في اليونان وامتدّت بين عام 1200 قبل الميلاد وعام 323 قبل الميلاد، وتعود أهمية هذه الحضارة كونها ساهمت بشكلٍ كبير في العديد من المجالات مثل الفلسفة والفن والأدب والعلوم، فتركت أثراً لا يمكن نسيانه لكل الحضارات اللاحقة.
ما الفرق بين الحضارة اليونانية والاغريقية؟
الحضارة اليونانية والحضارة الإغريقية هما في الأساس يشيران إلى نفس الفترة الزمنية والثقافة، لكن يمكن أن يُستخدم كل مصطلح في سياقات معينة، فمثلاً عندما تقول الحضارة الإغريقية فإنك تُشير بشكل عام إلى الثقافة والتاريخ والإنجازات الفنية والفكرية التي نشأت في اليونان القديمة بدءاً من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى الفترات الهلنستية بعد وفاة الإسكندر الأكبر، أمّا عندما تقول الحضارة اليونانية فغالباً يكون المقصود التركيز على الجانب الجغرافي والسياسي، أي على اليونان كمكان جغرافي.
تاريخ الحضارة الإغريقية
كانت الحضارة اليونانية مليئة بالأحداث التاريخية التي أثّرت في تاريخ البشرية، وهذه أبرز الأحداث التاريخية:
فترة طغاة اليونان (650 ق.م)
فترة الطغاة تُشير إلى فترة تاريخية شهدت فيها بعض المدن اليونانية وخاصةً أثينا ارتفاعاً في قوّة الطغاة أو الحكام المستبدين و يمكن اعتبار هذه الفترة جزءاً من التاريخ الإغريقي بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد، وقد بدأ ظهور الطغاة في بعض المدن اليونانية كأثينا و كانت هذه الفترة هي السبب في الاضطرابات الاجتماعية والصراعات السياسية ولكن مع مرور الوقت بدأ الشعب في مقاومة الحكم الاستبدادي وظهرت حركات لإعادة السلطة إلى يد الشعب.
سك العملة (600 ق.م)
بدأت المدن اليونانية بسك العملات المصنوعة من الذهب والفضة وكانوا ينقشون عليها رموز وشعارات دينية و صور للآلهة، وتأثّرت الحضارة اليونانية بفكرة سك العملة مما ساهم في تسهيل التجارة بين المدن وعزّز الاقتصاد.
الحروب الفارسية (499-449 ق.م)
هي سلسلة من النزاعات المسلّحة بين الولايات الإغريقية والإمبراطورية الفارسية، وقد شهدت هذه الفترة انتصارات مهمة للمدن اليونانية.
عصر بريكليس (445-429 ق.م)
هو فترة هامة في التاريخ الإغريقي وخاصةً في تاريخ مدينة أثينا حيث يُعتبر بريكليس أحد أبرز القادة السياسيين والعسكريين في أثينا خلال القرن الخامس قبل الميلاد، فقد عزز بريكليس النظام الديمقراطي في أثينا و شهد عصره نهضة ثقافية وفنية كبيرة، و تم بناء المعالم الشهيرة مثل (الأكروبوليس) الذي يمثل ذروة العمارة اليونانية و يُعتبر عصر بريكليس هو العصر الذهبي لأثينا.
الحرب البيلوبونيسية (431-404 ق.م)
كانت هذه الحرب صراع طويل الأمد بين أثينا وسبارطة وقد أدّت هذه الحروب إلى تراجع القوة اليونانية وتدمير العديد من المدن وكانت حدثاً مأساوياً أثّر سلباً على الحضارة اليونانية.
حكم سقراط وإعدامه (369-399 ق.م)
سقراط هو أحد أشهر الفلاسفة في التاريخ الغربي و يُعتبر هو مؤسس الفلسفة الغربية حيث أبدع في أسلوب الحوار والمناقشة وركّز على البحث عن الحقيقة وفضيلة الأخلاق، ففي عام 399 قبل الميلاد وُجهت إلى سقراط اتهامات بالفساد الأخلاقي وتحريض الشباب على الفسق وإهانة الآلهة و تمت محاكمته في أثينا وقد دافع عن نفسه بأسلوبه الفلسفي المعتاد، لكن على الرغم من دفاعه القوي تم إدانته وحُكم عليه بالإعدام واختار سقراط تنفيذ حكم الإعدام عن طريق شرب السم بدلاً من التهرّب من العقوبة، وقد تم تنفيذ الحكم في جو من الحزن والأسى.
الإسكندر الأكبر وفتح الإمبراطورية الفارسية (334-323 ق.م)
في القرن الرابع قبل الميلاد قاد الإسكندر الأكبر حملات عسكرية أدت إلى توسّع إمبراطوريته من اليونان إلى الهند وساهمت هذه الفتوحات بانتشار الثقافة اليونانية في جميع المناطق التي احتلّها.
الإمبراطورية الرومانية (27 ق.م)
شَن الرومان الحملات الهجومية على اليونان واستطاعوا احتلالها بالكامل برغم مقاومة اليونانيين، وقد أثّر هذا الاحتلال سلباً على الحضارة الإغريقية وأدى إلى انهيارها وتراجعها في جميع النواحي، بسبب الصراعات السياسية الداخلية والتدخلات الخارجية.
آثار الحضارة الإغريقية
تركت هذه الحضارة وراءها العديد من الآثار المعمارية والأدبية والفكرية التي لا تزال تُعتبر من علامات العمارة والفن والثقافة الغربية، منها:
معبد زيوس الأوليمبي
هو معبد قديم يقع في العاصمة أثينا وقد كان مخصصاً للإله زيوس الذي يعتبر رئيس الآلهة في الميثولوجيا اليونانية ويُسمى أيضا أعمدة زيوس الأولمبي، و يُعتبر المعبد واحداً من أكبر المعابد في العالم القديم، يمتاز المعبد بمعماره الرائع وتصميمه الفريد حيث كان يحتوي على أعمدة كبيرة و ضخمة وقد كان في السابق يحتوي على تمثال ضخم للإله زيوس الذي كان يُعتقد أنه صُنع من الذهب، وقد تعرّض هذا المعبد للتدمير والإهمال على مر العصور إلا أنه لا يزال يعتبر موقعاً تاريخياً هاماً ويجذب العديد من السيّاح وعشّاق التاريخ.
البارثينون، الأكروبوليس
هو معبد شهير يتواجد على قمة الأكروبوليس قام اليونانيون ببناءه تكريماً للإلهة أثينا التي كانت تُعتبر حامية أثينا ظناً منهم أنها السبب في انتصارهم على الفرس، وقد لعب هذا المعبد الكثير من الأدوار على مر العصور، ففي القرن السادس تم تخصيصه ككنيسة للسيدة مريم وفي القرن الخامس عشر بعد الفتوحات العثمانية أصبح مسجداً.
أوديون هيرودس أتيكوس
هو أحد المعالم الأثرية المميزة في أثينا ويعد رمزاً للعمارة الكلاسيكية الإغريقية بُني المسرح بأمر من (هيرودس) وهو سياسي روماني و موسيقي مشهور في ذلك الوقت وقد قام ببناءه تكريماً لزوجته أسباسيا، ويقع المسرح في منحدر وله جدار أمامي من ثلاث طوابق وسقف خشبي مصنوع من أجود أنواع خشب الأرز اللبناني غالي الثمن، وكان يشهد هذا المسرح عروضاً حيّة تشمل الموسيقى والمسرحيات كما كان مكاناً لتجمّع النخبة الثقافية في ذلك العصر.
معبد هيرا
يعد معبد هيرا واحداً من أقدم المعابد في الحضارة الإغريقية وكان مُخصصاً للإلهة هيرا زوجة الإله زيوس، ويقع المعبد في مدينة أوليمبيا التاريخية و هو مكوّن من 16 عامود كبير وتميّزت تفاصيله بالبساطة والجمال، لكن للأسف زلزالاً قد ضرب المدينة في القرن الرابع الميلادي كان سبباً في تدمير معبد هيرا الرائع.
المسرح الكبير في إبيداوروس
قام (بوليكليتوس الأصغر) ببناء هذا المسرح المتناسق الذي يتميّز بمساحته الواسعة وقدرته عل استيعاب أكثر من 13000 مُشاهد، لم يكن هذا المسرح فقط للعروض المسرحية الموسيقية بل كان مكاناً لعبادة إله الطب (أسكليبيوس)، ومكاناً لتقديم العلاج للمرضى، وتعتبر اليونان أوّل من درس تأثير المسرح والدراما على الصحة البدنيّة، ولايزال إلى يومنا هذا يحتفظ بطابعه الهلنستي.
معبد إريخثيون
قام المهندس المعماري العظيم (منيسكليس) ببناء هذا المعبد وسمّاه بهذا الاسم تكريماً للبطل (إريكثونيوس) الذي كان ملكاً لأثينا، و استخدم في بنائه الرخام الأسود والرخام المأخوذ من جبل بنتليكون.
قلعة بورتزي
قلعة بورتزي هي قلعة صغيرة تقع على جزيرة (سكياثوس) في اليونان وكانت تُستخدم لحماية المنطقة من الهجمات البحرية و تعتبر القلعة مثالاً رائعاً على العمارة الحربية في تلك الفترة وقد تم تصميمها بأسلوب يهدف إلى الدفاع عن الجزيرة، وتُعد واحدة من المعالم السياحية المهمة حيث يأتي الزوار لاستكشاف تاريخها والاستمتاع بالمناظر الخلابة المحيطة بها.
ملاذ دلفي
ملاذ دلفي (أو معبد دلفي) هو أحد أبرز المعالم التاريخية في اليونان يقع على جبل (بارناسوس) ويعتبر المركز الروحي والديني للعالم القديم.
كيف انتهت الحضارة الاغريقية؟
للأسف الشديد انتهت الحضارة اليونانية بشكل تدريجي نتيجة مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية، من أبرز هذه العوامل:
الحروب الداخلية
ظهرت في اليونان مجموعة من المحاربين المشاة المسلّحين بالرماح وقد افتعلوا الكثير من الاشتباكات في المدن و عانت مدن الإغريق من حروب داخلية مثل حرب البيلوبونيسية (431-404 قبل الميلاد) بين أثينا وسبارتا، مما أدى إلى إضعاف القوة العسكرية والسياسية للدول الإغريقية.
ظهور الإمبراطورية الرومانية
استطاعت روما السيطرة على معظم المناطق التي كان يحكمها اليونانيون مما أدّى إلى تراجع الثقافة اليونانية لتحلّ الحضارة الرومانية محلّها.
تراجع الثقافة اليونانية
شهدت الثقافة اليونانية تراجعاً ملحوظاً وخاصةً بعد وفاة الإسكندر الأكبر بسبب الحروب وعدم الاستقرار، وتراجعت إمكانيات المجتمع المحلي مما أثّر سلباً على الإبداع والابتكار.
من هم الاغريق اليوم؟
الإغريق اليوم هم سكان دولة اليونان الحديثة و تُعتبر اليونان من الدول ذات التاريخ العريق والذي يمتّد لآلاف السنين، و يتحدث الإغريقيون اللغة اليونانية ويحتفظون بالعديد من التقاليد والعادات الثقافية التي تعود إلى الحضارة الإغريقية القديمة، فالهوية الإغريقية اليوم تعكس مزيجاً من التاريخ القديم والتوجّهات الحديثة، مع التأكيد على القيم الثقافية والدينية التي استطاعت أن تستمر عبر العصور.
أشهر كتب الحضارة الإغريقية
اهتم العديد من الكتّاب والمؤلفين بحضارة الإغريق و أبدعوا في كتابة تاريخها وجمع كل المعلومات عنها، إليك أشهر هذه الكتب:
كتاب الإلياذة
تعتبر الإلياذة قصيدة شعرية ملحميّة رائعة للمؤلف (هوميروس)، وتتحدث عن حرب طروادة التي دامت لمدّة عشر سنوات وهي تحفة أدبية خالدة.
كتاب تاريخ حرب البيلوبونيسية
يتناول هذا الكتاب تاريخ الحرب بين أثينا وسبارطة للمؤلف (ثوقيديدس).
كتاب ميديا
هي مسرحية تراجيدية يونانية للمؤلف (يوربيديس) وتتناول موضوعات قوية مثل الحب و الخيانة والانتقام.
كتاب الجمهورية
هو عمل فلسفي كتبه الفيلسوف الإغريقي أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد و يتناول الكتاب مجموعة من المواضيع المتعلقة بالفلسفة والسياسة والأخلاق، ومن أبرزها مفهوم العدالة وطبيعة المدينة الفاضلة.
- الحضارة الإغريقية للكاتب (محمد الخطيب).
- تاريخ العالم الإغريقي و حضارته (فوزي مكاوي).
- قراءات في حضارة الإغريق القديمة (محمد إبراهيم بكر).
