ما هي الخبيئة الصالحة وفضلها وأبوابها
شعور بالسكينة والاطمئنان، راحة في القلب، تيسير في كافة الأمور، الصبر على المحن وتجاوزها في أسرع وقت، إنها من فضائل الخبيئة الصالحة، فما هي؟
ما هي الخبيئة الصالحة؟
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية الزبير بن العوام: “من استطاع منكم أن يكونَ له خَبيءٌ [خَبءٌ] من عملٍ صالحٍ فلْيفْعلْ” فالخبيئة الصالحة هي كل ما يقوم به المسلم من طاعات في الخفاء، حتى تكون خالصة لوجه الله تعالى لا يتخللها رياء، وخبيئة العمل الصالح لا يقدر على القيام بها المنافقون، فهي دلالة على شدة الإيمان، وسلامة القلب وحسن الظن بالله عز وجل.
فضائل وفوائد الخبيئة الصالحة
الخبيئة الصالحة تجارة رابحة مع الله جل في عُلاه، إذ أن لها العديد من الفضائل والثمرات أشار إليها موقع إسلام ويب (المتخصص في الشريعة الإسلامية)، ومنها:
1- الصبر على الفتن والمحن وتجاوزها
إن المداومة على القيام بالخبيئة الصالحة تجعل المسلم قادراً على تجاوز الشدائد والصبر على المحن وفتن الدنيا، لأنها تُهذب القلب، وتجعله زاهداً تاركاً الشهوات والملذات، باحثاً عن رضوان الله عز وجل، صابراً على مناكب الحياة يقيناً بأن كل أقدار الله خير.
2- علامة على الوصول إلى الإحسان
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمداً رسولُ اللهِ، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ، قال: فما الإيمانُ؟ قال أن تؤمنَ باللهِ، وملائكتِه وكتبِه، ورسلِه، والبعثِ بعد الموتِ، وتؤمنَ بالقدرِ خيرِه وشرِّه، قال: فما الإحسانُ؟ قال: أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك” فلا يُناجي العبد ربه في الخفاء إلا إن كان موقناً بأن الله عز وجل يراه، وبذلك يبلغ أعلى مراتب اليقين وهي الإحسان.
3- تنزُّه القلب من الرياء والنفاق
يقول الله عز وجل في سورة النساء الآية رقم 142: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً” لذا فإن قيام المرء بالأعمال الصالحة في الخفاء دون أن يراه أي من الأشخاص فيتحدثون عنه بالثناء، دلالة على خلو القلب من الرياء والنفاق.
4- نيل محبة الله عز وجل
روى سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم: “سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ” فمن يقوم بخبيئة العمل الصالح يحبه الله عز وجل ومن يحبه جل في علاه، فإنه يأمن في الدنيا والآخرة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة: “إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيّاً فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”.
5- أجر عظيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” فإن أعظم الصدقة هي الخفيّة ولصاحبها الآجر العظيم يوم القيامة، وكذلك كافة الأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلم في الخفاء، فهي لا تتساوى مع الأعمال الصالحة العلنية في الأجر، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة الآية رقم 271: “إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أمثلة على الخبيئة الصالحة وأهم أبوابها
الكثير من الأعمال الصالحة يمكن أن تكون خبيئة تقوم بها فتنال فيضاً من الحسنات، ومنها:
النوافل وقيام الليل
يقول الله عز وجل “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً” سورة المزمل من الآية الأولى إلى الخامسة، فقيام الليل وصلاة النافلة من خير ما يقوم به المسلم في الخفاء.
التصدق والإنفاق في سبيل الله
فالصدقة تطفئ غضب الرحمن، ولها الأجر والثواب العظيم، إذ يقول الله عز وجل: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” سورة البقرة الآية 261.
التضرع إلى الله بالذكر والدعاء
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” سورة الأعراف الآية رقم 205، فذكر الله عز وجل والدعاء له في الخفاء من أعظم الأعمال الصالحة ولا تحتاج إلى بذل الجهد، بل يُمكن القيام بها في كافة الأوقات، فقد قال الله تعالى في الآية رقم 191 من سورة آل عمران: “الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.
عيادة المرضى وقضاء الحوائج
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة بصحيح مسلم: “إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ، كيفَ أسْقِيكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أمَا إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي”.
فعيادة المريض خبيئة صالحة فضلها عظيم، وكذلك قضاء حوائج الناس، ولذلك أمثلة عدة، مثل المساعدة في سداد الدين، مساعدة الأطفال والضعفاء في شتى جوانب الحياة، والعون في المصائب وغيرها.
قراءة القرآن الكريم
لقراءة القرآن الفضل العظيم على المسلم في الدنيا والآخرة، فهي تشرح صدره وتزيد البركة في رزقه وحياته، علاوة على فيض الحسنات الذي يناله بكل حرف يقرأه كما أن القرآن يشفع لأصحابه يوم الفزع الأكبر، إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية أبو أمامة الباهلي: “اقرؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعاً لأصحابِه، اقرؤوا الزهْرَاوينِ: البقرةَ وآلَ عمرانَ، فإنَّهما يأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامَتانِ أو غيايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ”.
صيام يوم في سبيل الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن صَامَ يَوْماً في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً” صحيح رواه أبو سعيد الخدري، فللصيام الثواب العظيم والجزاء الكبير الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ” لذلك فهو من أفضل الأعمال التي تصلح لتكون خبيئة عمل صالح بين العبد وربه فينال بها خير الجزاء.