تاريخ الشعوب

تاريخ الدولة الإدريسية وكيف تأسست ومتى سقطت

حكمت دولٌ كثيرةٌ المغرب العربي بعد الفتح الإسلامي، نذكر منها الدولة الإدريسية، فمتى تأسَّست؟ وما هي المعالم الحضارية لهذه الدولة؟ ومتى سقطت؟

متى تأسست الدولة الإدريسية

تأسَّست الدولة الإدريسية أو ما يُسمَّى بدولة الأدارسة في المغرب الأقصى على يد إدريس بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذلك في عام 172هـ /788م، وذلك بعد أن فرَّ من العباسيين الذين هزموا العلويين في معركة فخّ التي قامت في عام 169هـ، حيث تمَّ تأسيس أول دولةٍ إسلاميةٍ في المغرب وتكون مستقلَّةً عن دولة بني العباس، وقد نقل الأدارسة الحضارة الإسلاميَّة للمغرب الأقصى، وبنوا المساجد وشيدوا العمران، ووصلت الفتوحات إلى مدينة (تلمسان) في الشرق، كما تمكَّنوا من نشر الإسلام بين قبائل الأمازيغ.

حروب تأسيس دولة الأدارسة

بعد هروب إدريس بن عبد الله وصل إلى منطقة (وليلى) وتسمَّى حاليًا (قصر فرعون)، واتصل بالقبائل هناك فدخلت قبائل كثيرة في دعوته ومنها: زناتة، وزواغة، وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، فاعترفت بسلطانه وبايعته على السمع والطاعة، وبدأ الناس يقصدونه من كلِّ مكانٍ، واستقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، وبدأ يطمح لمدِّ نفوذه وسلطانه على قبائل المغرب التي اعترفت بحكمه، ونشر الإسلام بينهم فقد كانوا يدينون بالمجوسية واليهودية والمسيحية، وجمع حوله جيشًا كبيرًا وزحف به إلى مدينة (شالة) والتي تقع قبالة مدينة الرباط ففتحها، وأخضع كلَّ بلاد (تامسنا) وإقليم (تاولا)، وفتح القلاع والحصون، وعاد إلى (وليلى) وارتاح فيها شهرًا ليعود إلى الفتح من ناحية الشرق هذه المرة، فواصل زحفه في المغرب الأوسط واتجه إلى تلمسان في عام 173هـ، وأستولى على سبته أثناء زحفه، وقد خرج له صاحبها مبايعًا وأعلن الخضوع بدون قتال، فدخلها إدريس وأقام فيها مسجدًا، وصنع منبرًا، ورجع بعد الفتح إلى عاصمة ملكه.

أشهر حكام الأدارسة

سنذكر في السطور القادمة أشهر الحكام الذين مرًّوا على الدولة الإدريسية في المغرب العربي:

  • إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (إدريس الأول) والذي حكم في الفترة بين: (172 – 177هـ).
  • إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (177 – 213 هـ).
  • محمد بن إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (213 – 221هـ).
  • علي بن محمد بن إدريس الذي حكم في الفترة بين: (221 – 234 هـ).
  • يحيى الأول بن محمد بن إدريس الذي حكم في الفترة بين: (234 – 250هـ).
  • يحيى الثاني بن علي بن محمد بن إدريس الثاني (250 – 250 هـ).
  • علي الثاني بن عمر بن إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (250 – 265هـ).
  • يحيى الثالث بن القاسم بن إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (265 – 292هـ).
  • يحيى الرابع بن إدريس بن عمر بن إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (292 – 310هـ).
  • الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الثاني الذي حكم في الفترة بين: (310 – 312هـ).

ما هو مذهب الدولة الإدريسية

ذهب العديد من المؤرخين والباحثين إلى التأكيد أنَّ الأدارسة ينتمون إلى المذهب السنّيِّ، وأنَّهم لا يعرفون آراء الشيعة التي انتشرت في الدولة الفاطمية، وعَرفوا في بلادهم الفقه السنيَّ المالكيَّ، ويصف الباحثون دولة الأدارسة أنَّها دولة علوية هاشمية، وأنَّ أمراءها ومؤسسيها هم من آل البيت، وقد نجحوا في إقامة دولةٍ مستقلَّةٍ لأنفسهم عن بني العباس، ونشروا الإسلام في أرجاء المغرب الأقصى.

أهم إنجازات الدولة الإدريسية العمرانية

قامت نهضة حضارية وعمرانية في الدولة الإدريسية، حيث كان لها إنجازات غير مسبوقة ولا تخفى على أحد، وهي كالآتي:

بناء مدينة فاس

وتعدُّ من أقدم مدن المغرب وأعرقها، وتقع هذه المدينة بالقرب من وادي فاس، وهذا يجعلها قريبةً من المغرب الشرقي والمحيط الأطلسي، وتمَّت عمارتها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، واستخدم الأَسر الوافد من الأندلس في عمرانها في عهد إدريس الثاني عام 808م، وتمَّ اتخاذها عاصمةً للدولة، وقد هاجرت الأُسر العربية الأندلسية إليها.

البصرة

والتي تمَّ بناؤها في القرن الثالث الهجري، وتولاها من الأدارسة إبراهيم بن القاسم بن إدريس وتقع بين العرائش وأصيلا.

قلعة حجر النسر

وقد بنيت القلعة في جنوبي شرقي مدينة البصرة في عام 317هـ، وذلك على يد إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس، وأنقاض القلعة موجودة حتى وقتنا الحاضر.

مدينة جراوة

وهي مدينة تقع في شمالي شرقي المغرب، وتمَّ بناؤها في عهد إدريس بن محمد بن سليمان، وكان للمدينة أبوابٌ أربعة، وخمس حمامات وجامعٍ.

جامعة القرويين

وهي من أهم الآثار التي تركها الأدارسة على الإطلاق، وأسستها فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفخري، وهي من العرب الذين هاجروا من القيروان، وتعدُّ من أقدم الجامعات في العالم، وعرفت نشاطًا كبيرًا في مختلف أنواع المعارف، وقد كانت جامعًا في بداية الأمر.

الحركة العلمية والفكرية في الدولة الإدريسية

ظهر في ظلِّ الدولة الإدريسية عددٌ كبيرٌ من العلماء في المغرب العربي ومنهم العالم (أبو عمر البهلول بن راشد)، وهو من القيروان، وقد كان من العلماء الثقات المجتهدين، وكان ذو علمٍ واسعٍ غزيرٍ، كما كانت حركة العلوم الدينية مزدهرةً في عهد الأدارسة، إضافةً إلى أنَّ حركة الأدب لقت نشاطًا عظيمًا في عهدهم، وكان الشعر السياسيّ طاغيًا على الأدب في عصرهم وذلك بسبب الصراع القائم بين أبناء الدولة والنزاعات بينهم وبين الخوارج، ومن أهمِّ ما قام به الأدارسة هو أنَّهم عرَّبوا المغرب، فكانت اللغة العربيَّة هي اللغة الرسمية في الدولة.

سقوط الدولة الإدريسية

تسرَّب الضعف إلى الدولة الإدريسية في عهد الخلفاء من بعد إدريس الثاني، وذلك بسبب تقسُّم الدولة بين الأبناء والصراع الذي قائمًا بينهم من جهة، والقتال الذي كان بينهم وبين الخوارج من جهةٍ أُخرى، وبدأت الاضطرابات والصراعات والفوضى تجتاح أرجاء الدولة، وساءت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وأدَّى ذلك إلى استعادة الخوارج لسيطرتهم ونفوذهم على الدولة والعمل على تدميرها، ولكنَّ السقوط والضربة الأخيرة التي قضت عليها كانت على يد الدولة الفاطمية (العبيدية) والدولة الأموية في الأندلس وذلك في عام 313هـ.

وانتهت الدولة الإدريسيَّة التي استمرَّت زُهاء قرنين من الزمن، وكان لها اليد الفُضلى في تعريب المغرب العربي، ونشر الإسلام في شمالي غرب أفريقيا، وغير ذلك من النهضة العلمية والفكرية والعمرانية.

حنين زياد شودب

دخلتُ عالم الكتابةِ وبجعبتي حبٌّ كبيرٌ للغتي العربيَّة، اللُّغة التي درستها بحبٍّ وتفانٍ، صديقي الحرفُ والقلمُ والعالمُ الرَّقميُّ، وكلُّي أملٌّ أن أُقدِّم الفائدةَ والعِلمَ، وأن أحصلَ عليهما أيضًا.
زر الذهاب إلى الأعلى