تاريخ تأسيس الدولة السلجوقية ومتى انتهت ومعلومات شاملة عنها
شاع البحث في الآونة الأخيرة عن الدولة السلجوقية، فمن هم السلاجقة وكيف تأسست دولتهم؟ كل هذا وأكثر سنتعرف عليه من خلال السطور التالية، فتابعونا.
ما هو أصل الدولة السلجوقية؟
ينتسب السلاجقة إلى (سَلْجُوق بن دُقَاق) أحد أفراد قبيلة (قِنْق) التي اتحدت مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى تحت مسمى قبائل الغُز (الأوغوز)، وفي منطقة ما وراء النهر التي نسميها اليوم (تركستان) التي تمتد حدودها من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقاً إلى بحر قزوين غرباً، ومن السهول السيبيرية شمالاً إلى شبه القارة الهندية وبلاد فارس جنوباً، استقرت قبائل الأوغوز فيها وعُرفوا بالترك، هاجرت تلك القبائل التركية في منتصف القرن السادس الميلادي من موطنها الأصلي في آسيا الوسطى متجهة غرباً نحو آسيا الصغرى؛ وذلك بسبب الظروف الاقتصادية السيئة والحروب المستمرة بين القبائل، ونزلت بالقرب من شواطئ نهر جيحون، ثم استقرت بعض الوقت في جرجان وطبرستان بالقرب من الأراضي الإسلامية التي فتحها المسلمون بعد معركة نهاوند.
وكان سلجوق بن دقاق هو القائد العام لجيش (بيغو) أحد ملوك الترك، وكان فارساً قوياً شجاعاً استطاع أن يحظى بقيمة كبيرة وقبول واسع لدى الأتراك، فخاف المَلِك من تنامي نفوذه فحاول قتله، وعندئذ انطلق سلجوق مع عائلته وأتباعه واستقروا في مدينة (جند)، ثم اعتنقوا الدين الإسلامي على المذهب السُنّي.
كيف تأسست الدولة السلجوقية؟
تُعد الدولة السلجوقية واحدة من كبرى الدول الإسلامية على مر العصور، والتي لعبت دوراً بارزاً في مجرى الأحداث السياسية في المشرق الإسلامي، كما وقفت سداً منيعاً أمام الغزو الصليبي في أوج قوتها، حيث أنه بعد وفاة سلجوق عام (1007 م)، اعتلى قيادة السلاجقة من بعده ابنه الأكبر أرسلان (إسرائيل)، وحينها أصبح للسلاجقة قوة عسكرية يُخشى بأسها، فأدرك السلطان محمود الغزنوي قائد الدولة الغزنوية، دولة إسلامية سُنيّة امتدت على رقعة واسعة في بلاد الهند وما وراء النهر، آنذاك مالهم من قوة وبأس، وشعر بمدى الخطر الذي يمكن أن يشكله السلاجقة على دولته فقرر القضاء عليهم، ومن ثم قام بأسر زعيمهم إسرائيل، هذا وقد خَلَف ميكائيل بن سلجوق أخاه إسرائيل في زعامة السلاجقة، وأدرك قوة السلطان محمود الغزنوي فهادنه وطلب وده، وأخذ يجمع شتات قومه ويعيد ترتيب جيشه، لكنه قُتل في إحدى غزواته فتولى من بعده ابنه طغرل بك.
الدولة السلجوقية و طغرل بك
طيلة حكم السلطان محمود الغزنوي لم يتمكن السلاجقة من التصدي للغزنويين، ولما توفي عام (1030 م) تولى الحكم ابنه مسعود الذي انشغل بالفتن التي ظهرت في الهند وخراسان والتنافس على المُلك، ولم يتمكن من التفرغ لمجابهة السلاجقة، وحينها كان السلاجقة يتحينون الفرص للثأر من الغزنويين فقاموا بشن الغارات والهجوم عليهم فأمر السلطان مسعود بقتالهم، والتقى الجيشان قرب مدينة سرخس عام (429 ه/ 1037 م)، وجرت معركة حامية الوطيس بين الطرفين انتصر فيها السلاجقة، وبعد انتهاء تلك المعركة والتي تُعد بمثابة انعطافة في تاريخ الدولة السلجوقية، سار طغرل بك بجيشه إلى نيسابور واستولى عليها وجلس على عرش السلطان مسعود، ونصّب نفسه سلطاناً ثم أرسل إلى الخليفة العباسي طلباً بالاعتراف بدولته الجديدة، وكان من نتيجة ذلك أن زحف مسعود بجيوشه نحو خراسان واشتبك مع السلاجقة في معركة داندانقان عام (431 ه) والتي انتهت بهزيمة الغزنويين شر هزيمة و استئصال شوكتهم، كما استولى السلاجقة على خراسان.
متى تم الاعتراف بدولة السلاجقة العظام؟
يُعد هذا التاريخ (429 ه/ 1037 م) هو البداية الفعلية لقيام الدولة السلجوقية؛ إذ أصبح لها كيان سياسي وحدود جغرافية معلومة، كما اجتمع قادتها على تنصيب طغرل بك سلطاناً والذي شرع في ممارسة مهامه القيادية والسياسية سريعاً، أما اعتراف الخليفة العباسي به والذي جاء متأخراً عام (432 ه/ 1040 م) فكان بمثابة إقرار واعتراف بالأمر الواقع لا غير، وسُمِّيت هذه الدولة (دولة السلاجقة العظام) تمييزاً لها عن الدويلات السلجوقية الصغيرة التي نشأت بعد تفككها.
سلاطين الدولة السلجوقية بالترتيب
كان لظهور السلاجقة على مسرح الأحداث في المشرق العربي الإسلامي أثر كبير في تغيير الأوضاع السياسية في تلك المنطقة التي كانت تتنازعها الخلافة العباسية السُنيّة من جهة، والدولة الفاطمية الشيعية من جهة أخرى،
وقد أسس السلاجقة دولة كبرى ظهرت في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، لتشمل خراسان وما وراء النهر وإيران والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى، وكانت مدينة الرَيّ في إيران ثم بغداد في العراق مقر الدولة السلجوقية، وقد ساند السلاجقة العباسيون ونصروا مذهبهم السُنِيّ، بعد أن أوشكت الخلافة العباسية على الانهيار بين النفوذ البويهي الشيعي في إيران والعراق والفاطمي في مصر والشام.
ومن بين أبرز سلاطين الدولة السلجوقية ما يلي:
طغرل بك (1037– 1063 م)
هو السلطان أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق مؤسس دولة السلاجقة الفعلي، كان عابدًا صائمًا مجاهدًا لُقب بملك الملوك، كما كان مُحِبّاً للخلافة العباسية ملتزماً بالسنة النبوية الشريفة، وقد تزوج من ابنة الخليفة العباسي لكنه توفي بعدها بفترة وجيزة دون أن يُرزق بأولاد يرثون ملكه، وقد تُوفي عن عمر ناهز السبعين عام (455 ه) بمدينة الرَيّ عاصمة ملكه.
أَلْب أرسلان (1063– 1072 م)
هو عضد الدولة السلطان محمد بن السلطان جغري بك داود بن ميكائيل السلجوقي المُلقَّب ألب أرسلان أي الأسد الشجاع، وهو من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، حيث حكم بعد وفاة عمه طغرل بك سنة (455ه)، قاد المسلمين في معركة ملاذكرد ضد الروم، وهي من أيام المسلمين الخالدة التي أحدثت تحولاً في التاريخ الإسلامي عن طريق إضعاف نفوذ الروم في آسيا الصغرى، وقد قُتِلَ ألب أرسلان بعد عام ونصف من موقعة ملاذكرد على يد أحد الثائرين وهو في الرابعة والأربعين من عمره في عام (465 ه).
ملكشاه الأول (1072– 1092 م)
السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألْب أرسلان السلجوقي، وُلِد سنة (447 هـ) وحكم بعد أبيه إذ كان شاباً في الثامنة عشر من عمره، فكان لوزيره نظام الملك فضل كبير في إرساء دعائم الدولة وانتصاراتها الحربية والفكرية والعقائدية، وقد اتسعت الدولة السلجوقية في عهده لتبلغ أقصى اتساع لها، حيث امتدت من أفغانستان شرقاً إلى آسيا الصغرى غرباً ومن بحيرة خوارزم شمالاً إلى دمشق جنوباً، وبوفاته عام (485 ه) ينتهي العصر الذهبي داخل البيت السلجوقي ويبدأ النزاع على الحكم.
محمود الأول (1092– 1094 م)
محمود بن ملكشاه بن ألب أرسلان هو سلطان سلجوقي حكم بعد أن خَلَف والده ملكشاه، إلا أنه لم يحكم على كل ما سيطر عليه أبوه وجده ألب أرسلان من أراض وبلدان، فقد بدأت الانقسامات داخل الدولة السلجوقية في عهده واستقل بعض أفرادها، ففي الأناضول وبلاد الروم استقل قلج شاه بالحكم، وفي الشام استقل عمه تتش السلجوقي بحكمها.
بركياروق (1094– 1105 م)
هو بركياروق بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، شارك في نزاعات السيطرة على الحكم، فتصارع مع أخيه محمد وهزمه في عدة معارك، وفي عام (497 ه) اصطلح الإخوة الثلاثة (بركياروق، محمد، سنجر)، وتعاهدوا أن يأخذ كل واحد منهم جزء من الدولة، لكن في عام (498 ه) توفي بركياروق واستولى أخوه محمد على ملكه.
محمد بن ملكشاه (1104– 1118 م)
هو غَيّاث الدين محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان، مَلَكَ العراق واستحوذ على أملاك أخيه بركياروق بعد وفاته، حيث تصالح مع السلطان العباسي الذي سلّمه أملاك أخيه بلا قتال، ركّز في فترة حكمه على حرب الحشاشين والحد من توسعهم، وعندما توفي خلفه ابنه محمود الثاني صورياً؛ إذ كانت السيطرة على البلاد آيلة بشكل عام لأخوه سنجر.
السلطان سنجر (1118– 1158 م)
هو أبو الحارث سنجر بن ملكشاه بن ألْب أرسلان السلجوقي، وقد شهد النصف الأول من ملكه نجاحات باهرة عسكرياً وثقافياً، إلا أن النصف الآخر من عهده مُنِيَ بهزائم جسيمة، لا سيما (موقعة قطوان) التي جمعته بكورخان القراخطائي، بالإضافة إلى (ثورة) الغُز والتي أسفرت عن أسره، وبموته انقضت دولة السلاجقة العظام.
سقوط الدولة السلجوقية
على الرغم من الاتساع الضخم لدولة السلاجقة في عهد السلطان ملكشاه إلا أنها قد انفرط عقدها وانتهى عصر القوة وبدأت مرحلة الضعف بموته في عام (485 هـ/ 1092م)؛ وذلك بسبب النزاعات والصراعات التي نشبت بين الورثة، حيث ثارت بينهم الحروب الداخلية فانقسمت الدولة السلجوقية إلى عدة دوليات صغيرة منها سلاجقة الروم بآسيا الصغرى وسلاجقة العراق بالإضافة إلى سلاجقة الشام وسلاجقة كرمان في جنوب إيران وباكستان، كل هذا انعكس سلبًا على الدولة السلجوقية.
بجانب ما سبق فإنه عندما عجز العباسيون عن بسط نفوذهم على السلاجقة، استعانوا بالخوارزميين ووعدوهم بمنحهم أراضي السلاجقة بالكامل إن استطاعوا هزيمتهم، ليكتسح الخوارزميون السلاجقة في خراسان عام (1200 م)، والتي تُعد أكبر معاقل الدول السلجوقية آنذاك، لتبقى دولة سلاجقة الروم وحيدة إلى أن انتهت على أيدي المغول عام (1304 م)، وبهذا ينتهى حكم السلاجقة الذي استمر لأكثر من قرن ونصف من الزمن، وعلى الرغم من عجز الدولة السلجوقية عن توحيد بلاد الشام ومصر والعراق تحت راية الخلافة العباسية في ذلك الوقت، إلا أن أعمالهم الجليلة وانتصاراتهم العظيمة وجهادهم الطويل ضد البيزنطيين والصليبيين ما زال محفور في ذاكرة التاريخ.
بقلم: روان محمد.