الشرق الأوسط الجديد، من “هيرتزل” إلى “سموتريتش”

نصوصٌ من التوراة، وجّهت أنظار الحركة الصهيونية نحو امتداد إسرائيل الكبرى، فما هي خريطة الشرق الأوسط الجديد؟ وكيف تبلورت في الأصل؟.

مفهوم الشرق الأوسط الجديد بين نشأته وواقعه

في خمسينيات القرن العشرين، بدأ مفهوم الشرق الأوسط يتبلور بشكله الجديد، ويدعم أحلاماً صهيونية في مقابل تبدد أحلاماً عربية، وبينما كانت إسرائيل تسعى جاهدة لتحقيق تمدد واضح المعالم في الشرق وفق خطط واستراتيجيات محكمة، وقفت خلفها الإدارة الأميركية المتعاقبة لتتبناها بكل بساطة!.

وبينما نروى على عُجال المخطط الإسرائيلي، نحتاج أن نكشف التبلور الأولي للفكرة في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وذلك عندما قام (شمعون بيريز) رئيس وزراء إسرائيل سابقاً، بتأليف كتاب (الشرق الأوسط الجديد) والذي تحدّث به عن عهد يسوده السلام بوصفه (عملية السلام) والذي يجتاز به الحدود!!.

إلا أن بعض المحللين والباحثين، بيّنوا أن مفهوم السلام يُخفي وراءه نوايا أخرى تتبنى فكرة التقسيمات الطائفية للمنطقة والتمدد الإسرائيلي، إلا أن كتاب شمعون كان يُحدد عصراً بعيداً عن العنف ويصل إلى ذروة الرخاء بين المناطق مستشهداً بهذا بـ اتفاقية (أوسلو) عام 1993م، والتي تمت بعد صدور الكتاب.

بيد أن الشرق الأوسط اليوم لا يُمت للسلام بصلة، فهل تلك الرؤى الخاصة بـ شمعون بعيدة كل البعد عنه؟ أم أن عصر السلام لن يتم إلا بعد عصرٍ من الويلات والقتال الداخلي والصراعات المختلفة؟ أم أن الأفكار تلك مجرد ترهات يختبئ وراء كواليسها واقع آخر؟.

طوفان الأقصى، والمستقبل الجديد لسوريا بعد انتهاء عهد الحاكم البعثي، إلى القتال في جنوب لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وصولاً إلى وضع المحور الإيراني الشيعي في حالة المواجهة الشرسة بعد أن خسر وجوده في سوريا، ودعمه لحزب الله الذي من شأنه أن يُعيد حياكة سيناريو جديد يُحدد مصير تلك المناطق بالكامل.

ولكن جميع تلك الأحداث تجعلنا أمام فكرة واحدة، وهي فكرة كبح جماح تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار ومنعها من التحول إلى قوة نووية، فجميع تلك السيناريوهات التي تحدث جعلت إيران في خِضم مواجهة شديدة سببها الأول هو محاولة تحجيم قدراتها ودعمها للمناطق العربية المختلفة من أجل مصالحها الشخصية.

كما أنها وبعد قطع طريق سوريا عنها والتي كانت نقطة استراتيجية لنقل المسلحين والأسلحة إلى لبنان، سيجعل الأمور أكثر تفاقماً في نظرها كما أنه تأكيداً صريحاً على مثولها على مشارف خسارة الأصول الاستراتيجية لطهران، وهذا من شأنه أن يجعل إيران إما في بداية سباق للتسلح النووي الإقليمي بشكلٍ أكبر، أو تحويل تركيز جهودها إلى اليمن والعراق!!.

من المعلوم أن سيادة القوى الكبرى يحتاج أن يستعين بالسيطرة الفعلية على الشرق الأوسط الذي يُمثل نقطة مركزية واستراتيجية للملاحة البحرية والتجارة والاقتصاد وغيرها، ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية تحتاج أن تهيمن على تلك المنطقة لمواجهة الدول المنافسة لها وتحول دون تمكين قوتها.

حيث أن التحولات الدولية للولايات المتحدة بدأت بتهيئة نفسها عقب نهاية الحرب الباردة من أجل تنصيب نفسها زعيمة للعالم، لذا عزمت على توجيه الأمور وتحريك الدول والنزاعات ورفع وتيرة الصراعات من أجل مصالحها الشخصية، وأيضاً في المقابل هذا الأمر سيساعد على إضعاف مراكز القوى المنافسة لها مما يساعد على تحقيق غايتها بشكلٍ واضح.

وكل هذا يتبعه تعزيز نفوذ إسرائيل التي تُمثل نموذجاً ديمقراطياً رائعاً بالنسبة للولايات المتحدة وأيضاً يضمن لها التزامها أكثر بتحقيق أمن واستقرار وتعزيز حلم إسرائيل الذي أقسمت أن تبقيه في مقدمة أهدافها ليكون السبيل لتحقيق ما تطمح له.

من هيرتزل إلى سموتريتش وصولاً إلى اسرائيل الكبرى

في لقاءٍ صحفي، بيّن وزير المالية الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش) أن حدود القدس عليها أن تمتد حتى العاصمة دمشق، ومن واجب إسرائيل أيضاً السيطرة على الأردن، ومع هذا التصريح بدأ سيل التصريحات يتكرر أكثر على ألسنة مسؤولين إسرائيليين.

وسبب تكرار هذه التصريحات يعود إلى نصوص التوراة والتي عمد الكثير من مؤسسي الحركة الصهيونية إلى تبنيها والتي ترى أن فلسطين مجرد بدعة عمرها لا يتعدى الـ 100 عام وُجدت من أجل مواجهة المشروع الصهيوني.

وبما أن تلك الفكرة المتبناة كانت تعود إلى نصوص التوراة، فإن قادة الحركة تلك أمثال (ثيودور هيرتزل) كانوا يسعون لإعلاء صوت تلك الفكرة وتحقيقها والتي تزعم أن حدود إسرائيل تمتد من نهر النيل حتى نهر الفرات، ثم يمكننا جمع شتات تلك الأفكار وإلحاقها بخطة ينون التي تستند إلى رؤية هيرتزل وتشدّ على معصمه.

ثم يُعاد هذا الأمر على لسان نتنياهو بتصريحه الذي أثار التساؤلات حول فكرة المشروع هذا.

الأهداف الاستراتيجية لمشروع الشرق الأوسط الجديد

يتمثل هذا المشروع محاولة إسرائيل أن تعزز هيمنتها بمساعدة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والمشروع مبني على التغلغل الاقتصادي بحسب رؤية شمعون والذي بدوره يمكن له أن يحقق عملية السلام، إلا أن الواقع يُشير إلى صراعات عسكرية وسياسية واقتصادية وخلق نوع من النزاعات الداخلية ورفع حدة التوتر في المناطق المستهدفة.

أما عن الأهداف فإنها تتمثل بـ:

  • تعزيز الهيمنة الإسرائيلية وتثبيتها كقوة إقليمية والذي يتم تحقيقه من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية وتطبيع الدول العربية وجعلها دول متحالفة مع إسرائيل بدلاً من أن تكون عدو مستهدف دائماً.
  • توجيه أنظار العالم نحو الإرهاب من أجل التغافل عن فكرة الصراع الفلسطيني وتوجيه حملة إعلامية باستخدام النفوذ السياسي لتشويه المقاومة الفلسطينية.
  • تقسيم الدول العربية وتفتيتها وتحويلها إلى كيانات ضعيفة وهشة مما يعزز أمن وسلام إسرائيل أكثر بسبب ضعف تلك الدول من خلق صراع عسكري سياسي معها نتيجة ضعفها (ويتم هذا من خلال خلق نزاعات داخلية بين المناطق العربية والتي من شأنها أن تحقق غاية إسرائيل دون أن تُحرك إسرائيل ساكناً).
  • تطبيع اقتصادي من خلال دمج إسرائيل في الشراكات التجارية وشراكات في التكنولوجيا والطاقة والبنى التحتية، مما يجعل إسرائيل مركز اقتصادي مهم يجعل جيرانها العرب يعتمدون عليها ويستعينون بها.
  • عمل إسرائيل على تحقيق السيطرة على الموارد الطبيعية، والتي توضح أن المستهدف سيكون الشرق الأوسط دائماً بسبب غناه بالموارد الطبيعية والذي يساعد على تأمين مصادر الطاقة ويصب في صالح الاقتصاد العالمي، والذي من شأنه أن يعزز نفوذ إسرائيل أكثر.
نتنياهو أسرائيل الكبرى
نتنياهو أسرائيل الكبرى

متى أُطلق مفهوم الشرق الأوسط الجديد على العلن؟

قامت وزيرة الخارجية الأميركية (كونداليزا رايس) بإطلاق هذا الوصف في يوليو/حزيران عام 2006، حيث قدمت رؤية واضحة عن إدارة (بوش) في ولايته الثانية لبيان مستقبل المنطقة، مُشيرةً إلى أن تحقيق الأمر يتم من خلال خلق (فوضى بناءة) وواصفة الأمر بأنه (ولادة قاسية للشرق الأوسط الجديد).

وتم إعادة ذكر المصطلح هذا بعد أسابيع وتحديداً عندما اندلعت حرب لبنان عام 2006، وقد كانت آنذاك تشرح الفكرة في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي (إيهود أولمرت).

ثم تكرر المصطلح على لسان (بنيامين نتنياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ظهر وهو حاملاً خريطتين إحداهما تُشير إلى مناطق مكتسية باللون الأخضر للدول التي ترتبط بمعاهدات واتفاقيات سلام مع إسرائيل أو لا تزال في قيد التطبيع معها ومنها (مصر والأردن والبحرين والسعودية والإمارات والسودان).

وأخرى لمناطق تكتسي باللون الأسود وهي المناطق التي وصفها نتنياهو بالـ (الملعونة) وقد ضمت (إيران وحلفائها وسوريا والعراق واليمن ولبنان).

والغريب في الأمر أن الخرائط تخلو بشكل تام من دولة فلسطين وكأنها نسياً منسياً وماضي علينا تجاوزه.

وتحديد وصف الملعونة يضعنا أمام توضيح تام لخط النار الذي سيتم فتحه على إيران، في رغبةٍ ملحة لإنهاء البرنامج النووي الإيراني بعدما تسببت حماس في حركة طوفان الأقصى من إحراج عالمي له، وكل هذا هدفه الحرص على ألا يحدد النظام الملالي في إيران شكل المنطقة.

رغم أن أيران تجد أن إسرائيل عدو واضح وصريح لها، وفي المقابل فإن إسرائيل تصفها بأنها الدولة الوحيدة التي تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار من خلال تزويد أذنابها بالسلاح بسبب طبيعتها الأيديولوجية المعادية لإسرائيل، كل هذا يضعنا في صلب التفكّر حول ماهية الأمور بعد أن تم تحجيم النفوذ الإيراني مع الإشارة إلى أن تأكيد هذا لايزال في طور تصاعد الأحداث!!.

المصدر: الجزيرة + BBC.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى