انقسامات الشعب السوري والوطن يصرخ ولا يسمعه أحد

تحت وطأة الصراعات المستمرة، تحوّلت انقسامات الشعبِ السوريّ إلى حقيقةٍ لا يمكن إنكارها، تنبعثُ من عمق الجراح، وتُرينا كم تعاني الأرواح قبل الأجساد.

انقسامات الشعب السوري… والوطن يصرخ ولا يسمعه أحد

تتفتتُ سوريا اليوم كلوحٍ زجاجيٍّ تحطّمَ إلى آلاف الشظايا، كلُّ شظيّةٍ تحملُ صوتَ صراعٍ لا ينتهي، ودماءَ تتلوّنُ بها أرضُها، لكنّ الخاسرَ الأكبرَ هوَ الشعبُ، الذي فقدَ بين هذه الصراعاتِ بساطةَ حياتهِ، وأمانَهُ الذي كانَ يوماً حلماً بعيداً.

في الجنوب، بين السويداء وريفها، تصاعدت النزاعاتُ التي لم تكن صغيرةً، بل أريقت دماءٌ من الطرفين، نزيفٌ ثقيلٌ تركَ خلفهُ مآسي تُثقلُ كاهلَ من تبقّى منهم، نزوحٌ وموتٌ وتشريد، والناسُ تائهون بين خيباتِ الأملِ وقسوةِ الواقعِ.

بغض النظرِ عمّن يقتلُ ومن يَقاتلُ، الخاسرُ هوَ الشعبُ بأكملهِ، لأنّ هنا أبرياءَ تموتُ، أطفالٌ ونساءٌ وشيوخٌ من كلِّ الطوائفِ، لا ذنب لهم سوى أنّهم وُجدوا في وسطِ هذه النارِ.

ونحن كمسلمينٍ حتى ولو كنا غاضبين لا نرضى بأيّ قتلٍ بغير حقّ، ولا بقتلِ بريءٍ مهما كان، وكذلك الأمر في السويداء؛ فطائفةُ الدروزِ التي عايشتُها خلال سنواتِ الثورة السورية لم أرَ منهم إلا الخيرَ والودَّ والمعروفَ والكرم والطيبة، لكنّ الدمَ الذي سالَ بجريرةِ بعضِ ضعافِ النفوسِ وأحفادِ إسرائيلَ، فراح السوريونَ ضحايا أبرياء.

يعزُّ عليَّ أن أرى وطني دائماً غارقاً في الخرابِ والدماءِ، وأن يُقتل الأبرياءُ فيه بغيرِ حقّ، على يدِ أيّ جهةٍ كانت، فلا مكانَ للظلمِ في وطنٍ عانى كثيراً، ولا بدَّ أن يبقى صوتُ الحقِّ عالياً، مهما اشتدَّ الظلام.

لقد فرحنا بسقوط الأسد، لكنَّ الأمورَ باتت أعقدَ مما ظننا، فكلُّ جهةٍ من سوريا غارقةٌ في الخرابِ والموتِ، وشلالُ الدمِ لم يتوقفْ، ولا أظنُّ أنّه سيتوقفُ قريباً.

أراؤنا اختلفتْ حتى بينَ بعضِنا، انقسمنا، وتشظينا، ولم يعد هناك من صوتٍ واحدٍ يُعبّرُ عن الشعب، بل هناك ألفُ صوتٍ وألفُ رأي، كلٌُّ ينادي من مكانه، وسطَ ضجيجِ الخلافاتِ التي تزيدُ من عمقِ الجراحِ وتُبعدُ عننا لحظةَ التلاقي.

وكلُّ طائفةٍ داخلَ سوريا، فيها الجيد والقبيحُ، وفيها من يستحقُّ الحياةَ، وفيها من هو ضحيةُ هذا النزيفِ الدمويِّ، شهيدٌ يسقطُ من كل جانب، يسيلُ الدمُ على الأرضِ، وترتفعُ أصواتُ الألمِ من كلِّ فجٍّ وصوبٍ.

تتعددُ الآراءُ وتتباينُ الانتماءاتُ، فتجدُ الواحدَ منهم مُشتّتاً بين هويةٍ تتهشّم، وأملٍ يتلاشَى في متاهات الخلاف، فهل ينهضُ الشعبُ من تحتِ الركامِ ليجدَ نفسهُ مجدداً؟ أم أن الشروخَ ستغرقهُ في دوامةِ التشظّي؟

في قلب هذه الخرابِ، يبقى السؤالُ الأبرزُ: متى يعودُ صوتُ الشعبِ فوقَ كلِّ صوت؟ متى تُجمعُ الشظايا من جديدٍ لتُشكّلَ فسيفساءَ وطنٍ لا يموت؟ ربما يبدأ الخلاصُ حين نُدركُ أن الخاسرَ الوحيدَ هو من ينسى أنّهُ الإنسانُ أولاً.

لم يعد هناك من يحملُ قلباً على هذا الشعب إلا القليل، هل بقي أحدٌ يرفضُ أن يرى أبناءَ وطنه يقتلون بعضهم بعضاً؟ لم يعد هناك سوريٌ إلا قد استنزفتهُ الدماءُ، ولم يعد هناك وطنٌ إلا غرقَ في بحرِ الألمِ بلا شاطئ.

أيا ليتَ الشعوبَ العربيةَ تتركُ قتالَ بعضها البعضِ، بغضِّ النظرِ عن الطوائفِ، وتتّجهُ لنصرةِ غزةَ الجريحةِ التي استباحها الكيانُ الصهيونيُّ، ونكلَ فيها وأبادَها عن بكرةٍ أبيها، ففي غزةَ، انتهكتْ أعراضُ أخواتِنا المسلماتِ، وقُتلَ أطفالُهم وشيوخُهم، والذي لم يمت من القصفِ يموتُ بالجوعِ والحصارِ.

تم نسخ الرابط

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.
زر الذهاب إلى الأعلى