ما هي قصة بيعة الرضوان تحت الشجرة
تُشير لغتنا العربية إلى أن (البيعة) هي صفقة تُعقد في البيع، وأن (الرضوان) لفظ يرمز للرضا، فما هي بيعة الرضوان؟ هذا ما سنتعرف عليه بالسطور القادمة.
ما هي بيعة الرضوان؟
بيعة الرضوان هي مُبايعة الصحابة الكرام لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ أنهم بذلوا قُصارى جهدهم من أجل نصرته فيما يتعلق بالدعوة إلى توحيد الله (جل في علاه)، وقد جاء ذكر بيعة الرضوان في القرآن الكريم، إذ قال الله تعالى في سورة الفتح الآية رقم 18:
“لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا”.
وسُميت بيعة الرضوان أيضًا ببيعة الشجرة، ذلك لأنها تمت أسفل شجرة بالقرب من بئر الحُديبية في طريق مكة، يُقال إنها اندثرت عقب البيعة، وتشير الروايات إلى أنها إما أنسى الله الصحابة مكانها، أو أن عمر بن الخطاب قد أمر بقطع شجرة بيعة الرضوان خشية الافتتان بها، عندما علم أنه هُناك من يذهبون إليها ويصلون عِندها.
سبب بيعة الرضوان
بعدما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في المدينة المنورة، نال الشوق من أفئدتهم، حيثُ اشتاق كل منهم إلى دياره في مكة، والذكريات التي تركوها خلفهم، فرأى رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في منامه أنه معتمرًا يشد الرحال مع صحابته الكرام إلى مكة المكرمة ويطوف بالكعبة المباركة.
فأخبر أصحابه بذلك، وهم يعلمون أن رؤى الأنبياء حق، فأمرهم أن يستعدوا لشد الرحال لمكة، وتأهبوا لتلك الرحلة، وانطلقوا إلى مكة المكرمة دون أخذ أية أسلحة سوى أسلحة السفر، وقد كان عددهم يفوق ألف رجل.
بعدما وصل لقريش خبر قدوم النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم، عقدوا جلسة تهدف إلى منع الرسول والصحابة الكرام من دخول مكة مرة أخرى، وقد أرسلوا إلى نبي الله ما يشير إلى ذلك، كي يتراجع عن تلك الرحلة.
ولكن في تلك الأثناء كان هناك من بين شباب قريش من يريد إشعال الحرب، فتأهبوا لمقاتلة المسلمين، وتسلّلوا إلى مكان معسكرهم، وقاموا بإحداث المناوشات التي أسفرت عن أسر شباب قريش، ولكن لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يريد التفاوض مع قريش، قرر العفو عنهم، وإرسال من ينوب عنه في ذلك.
فاختار في البداية عمر بن الخطاب، لكنه اعتذر من الرسول الكريم، وعلل رفضه بأنه ليس لديه أحد بمكة يغضب إن تعرض للأذى، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، ليخبر قريش بنية المسلمين في طواف البيت العتيق، وأمره أن يتوجه إلى رجال ونساء في مكة قد ملأ الإيمان قلوبهم، ليبلغهم بنصر قريب من الله ونصرة لنبيه، ولدين الإسلام، وأن يدعو أهل قريش إلى الدخول لدين الإسلام.
لكن أهل قريش قابلوا ذلك بالرفض، وسمحوا لعثمان بن عفان أن يطوف بالكعبة بمفرده، ولكنه اعترض على ذلك القرار، وأبى أن يطوف ببيت الله الحرام دون أن يكون بصحبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مما كان سببًا في أن يقوموا بأسره، ولأن مدة الاحتجاز كانت طويلة، أُشيع خبر قتله على يد أهل قريش.
وصل خبر مقتل عثمان بن عفان إلى رسول الله، فاجتمع الرسول الكريم مع الصحابة وتمت بيعة الرضوان على الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمتي الحق والدين.
أهم شروط بيعة الرضوان
كان من أهم شروط بيعة الرضوان هو عدم ترك ساحة القتال إن أتى الموت، فإما النصر المبين وإما الشهادة، فقد بايع المسلمون (رسول الله صلى الله عليه وسلم) على مقاتلة أهل الشرك والجهاد في سبيل الله حتى آخر قطرة من دمائهم.
أبرز أصحاب بيعة الرضوان
لنتعرف على أبرز أصحاب بيعة الرضوان من خلال ما يلي:
- عمر بن الخطاب: هو الصحابي الذي انطلق على الفرس الذي أعاده إليه عبد الله ولده في اتجاه شجرة البيعة، عندما علم أن الناس يبايعون الرسول هُناك، فبايعه دون تردد.
- أبو سنان الأسدي: بطرح سؤال من هو الصحابي الذي أول من بايع في بيعة الرضوان؟ نجد أنه أبو سنان الأسدي، ومن ثم تبعه الكثير من المبايعين.
- معقل بن يسار: هو الذي جمع المسلمين لرسول الله من أجل بيعة الرضوان بعد أن دعاه رسول الله إليها تحت شجرة البيعة، وتذكر الروايات أنه كان يرفع غصن من أغصانها عن رأس الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).
- سلمة بن الأكوع: هو الصحابي الجليل الذي بايع الرسول ثلاث مرات، إذ كان في أول المبايعين وأوسطهم وآخرهم، إذ روى سلمة بن الأكوع: “بايَعْنا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فقالَ لِي: يا سَلَمَةُ ألا تُبايِعُ؟، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، قدْ بايَعْتُ في الأوَّلِ، قالَ: وفي الثَّانِي” حتى بايعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للمرة الثالثة.
وتذكر الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد بايع نفسه بيده اليمنى ضاربًا اليسرى عن عثمان بن عفان، فإذا كان عثمان آنذاك تحت تلك الشجرة، لبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أدنى تردد.
نتيجة بيعة الرضوان
أظهرت بيعة الرضوان مدى اتحاد وقوة المسلمين وتأييدهم لدين الحق ورِفعة راية التوحيد، مما كان سببًا في تشتت قريش فأسفرت بيعة الرضوان عن النتائج التالية:
رأت فئة من أهل قريش أن يتم عقد صُلح مع رسول الله والتابعين، وهو صلح الحديبية، بينما اختارت فئة أخرى من أهل قريش طريق القتال، فهاجم حوالي ثمانين رجلًا المسلمين على غِرّة في الليل، وكان ذلك من فوق جبل التنعيم، إلا أن قوة المسلمين قد انتصرت عليهم.
وقد ذكر القرآن الكريم ذلك حيث قال الله تعالى في سورة الفتح الآية رقم 25: “وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا”.
فضل أهل بيعة الرضوان
إن أهل بيعة الرضوان لهم خير أهل الأرض، فقد روى جابر بن عبد الله في صحيح البخاري: “قالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ: أنتُمْ خَيْرُ أهْلِ الأرْضِ، وكُنَّا ألْفًا وأَرْبَعَ مِئَةٍ، ولو كُنْتُ أُبْصِرُ اليومَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكانَ الشَّجَرَةِ”.
كما وعدهم صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أي منهم النار، فقد روت أم مبشر الأنصارية في صحيح مسلم: “أنَّها سَمِعَت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ عندَ حَفْصةَ: لا يَدْخُلُ النَّارَ -إنْ شاءَ اللَّهُ- مِن أصْحابِ الشَّجَرَةِ أحَدٌ، الَّذِينَ بايَعُوا تَحْتَها، قالَتْ: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، فانْتَهَرَها، فقالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: قدْ قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]”.
كما ذكرهم الله عز وجل في سورة الفتح، الآيات من 19 إلى 22، إذ قال تعالى: “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا * وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا”.
الدروس المستفادة من بيعة الرضوان
هناك الكثير من الدروس المستفادة من بيعة الرضوان، لنتعرف عليها عبر ما يلي:
- أوضحت بيعة الرضوان مقصد حياة المؤمن، والتي تتلخص في أن يهبها لله عز وجل بالقول والعمل.
- أظهرت بيعة الرضوان المعاني الجليّة للتضحية، التقوى، البر، والبذل غاية في نيل رضا الله عز وجل.
- بيعة الرضوان كانت سببًا في كشف قوة المسلمين، مما كان دب الخوف والرعب في قلب قريش، ويدل ذلك على أنه عندما يخلص المسلم نيته لله عز وجل، يمُدّه الله بقوة قادرة على زلزلة عدوه مهما كان قويًا.
- من أعظم الدروس المستفادة من بيعة الرضوان، أن المسلمين قد آثروا الموت في سبيل الله، فأنعم الله عليهم بحياة جديدة بدأت بنصر قوي أشعرهم بالكرامة والعِزّة.
بيعة الرضوان من أهم الأحداث الإسلامية التي كان لها عظيم الأثر، والتي يجب أن نتعلم منها الكثير من الدروس الحياتية، من أهمها أن تكون حياتنا خالصة لله عز وجل، في كل ما نقول ونعمل.