قصص تاريخية

قصة حب الرسول لعائشة – من أعظم قصص الحب

“إنّي رُزقت حُبِها” هل هناك تعبير أعظم من ذلك؟ إنه حب الرسول لعائشة الذي ظهر في العديد من المواقف التي تُعلّمُنا ما هو الحب الحقيقي.

الحب هو حب الرسول لعائشة

هُناك الكثير من قصص الحب الشهيرة التي انتشرت على مدار السنوات، لكن على الرغم من ذلك، تظل قصة حب الرسول لعائشة هي الأعظم على الإطلاق، فهي التي تُشير إلى أن الرجل من الممكن أن يكون قائداً، وفي الوقت ذاته قادراً على إبداء الحب والتعامل مع زوجته باللين والمودة.

وإن خير قدوة لذلك هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان يعبر عن حبه لعائشة (رضي الله عنها) في العلن، وهناك عدة احاديث عن حب الرسول لعائشة، فقد روى أنس بن مالك (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “قالوا يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليك قال عائشةُ قالوا إنَّما نعني من الرِّجالِ قال أبوها”.

أبرز مواقف من حب الرسول لعائشة

تُشير السيرة النبوية إلى أنه هُناك عدة مواقف دلّت على حب الرسول لعائشة، لنتناول أبرزها من خلال ما يلي:

سباق رسول الله مع عائشة

نظراً لصغر سن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يُلبي لها كل ما تريد، يُدللها، يُلاطفها، ويُناديها بأحب الأسماء إليها مثل: عائش، عويش والحميراء، بل وكان يتسابق معها، فقد روت عائشة أم المؤمنين عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قائلة:

“خَرَجتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةِ بَدرٍ الآخِرةِ، حتى إذا كُنَّا بالأَثيلِ عندَ الصَّفراءِ انصَرَفتُ لبعضِ حاجَتي ونَكَبتُ عنِ الطَّريقِ، فبَينا أنا كذلك إذا راكِبٌ يَضرِبُ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ففَرَغتُ من حاجَتي ثم جِئتُ، فقال: تعالَيْ أُسابِقْكِ، قالت: فأَرْمي بدِرْعي خَلْفَ ظَهري، ثم أجعَلُ طَرَفَه في حُجْزَتي، ثم خَطَطتُ خَطّاً برِجْلي، ثم قُلتُ: تعالَ نقومُ على هذا الخَطِّ، فنَظَرَ في وَجْهي فكأنَّه عَجِبَ، فقُمْنا على ذلك الخَطِّ، قال: قُلتُ: أذهَبُ؟ قال: اذْهَبي، فخَرَجْنا فسَبَقَني، وخَرَجَ بين يدي، فقال: هذه بيومِ ذي المَجازِ، فتَذَكَّرتُ ما يومُ ذي المَجازِ، فذَكَرتُ أنَّه جاءَ وأنا جاريةٌ يَتبَعُني أبي، وكان في يَدي شَيءٌ فسَأَلَنيهِ فمَنَعتُه، فذَهَبَ يَتَعاطاه ففَرَرتُ، فخَرَجَ في أَثَري، فسَبَقتُه ودَخَلتُ البَيتَ”.

ليس ذلك فقط، بل إن من أعظم مظاهر حب الرسول لعائشة، أنه كان يأكل من موضع أكلها، ويشرب من المكان الذي شربت منه، فقد روت عائشة أم المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

“كنتُ أتعرَّقُ العَظمَ وأَنا حائِضٌ فأعطيهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فيضعُ فمَهُ في المَوضعِ الَّذي فيهِ وضعتُهُ وأشرَبُ الشَّرابَ فأُناولُهُ فيضعُ فمَهُ في المَوضعِ الَّذي كنتُ أشربُ مِنهُ”.

ومن عظم حب الرسول لعائشة، إنهما كانا يغتسلان من الجنابة في إناء واحد، إذ روت عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها)، في صحيح مسلم:

“كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِن إنَاءٍ بَيْنِي وبيْنَهُ واحِدٍ، فيُبَادِرُنِي حتَّى أقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قالَتْ: وهُما جُنُبَانِ” مما يدل على أن حب الرسول لعائشة كالعقدة التي أبد الدهر لا يمكن حلها.

تقدير غيرتها

مثلما كان حب رسول الله لعائشة كبيراً، كان أيضاً حب عائشة لرسول الله لم يكن أقل من ذلك، إذ تذكر السيرة النبوية أحد المواقف التي تشير إلى غيرتها، وتقدير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لها، فبعدما تزوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أم سلمة ذات الحُسن والجمال، قامت أم سلمة بإرسال صحفة بها طعام إلى بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما تأخرت عائشة قليلاً في إعداد الطعام لرسول الله وضيوفه.

وعندما أتت عائشة لوضع الطعام الذي قامت بإعداده وجدتهم يأكلون، فثارت غضباً وضربت يد الخادم لتكسر الصحفة، حتى صارت قطعتين، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجمعهما، ولم يغضب من عائشة بل أحس بغيرتها، فقد روى أنس بن مالك:

“كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فجَمَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ”.

قدرهُا عند رسول الله

كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرى أن ما يُؤذي عائشة يؤذيه، إذ كان لها قدراً كبيراً في قلبه، وكان ذلك الأمر واضحاً أمام صحابته الكرام، فمن كان يريد أن يقدم أي من الهدايا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كان ينتظر أن يكون في بيت عائشة، مما جعل أم سلمة تهم بمراجعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، فقد روى عروة بن الزبير في صحيح البخاري:

“كانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بهَدَايَاهُمْ يَومَ عَائِشَةَ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمع صَوَاحِبِي إلى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يا أُمَّ سَلَمَةَ، واللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بهَدَايَاهُمْ يَومَ عَائِشَةَ، وإنَّا نُرِيدُ الخَيْرَ كما تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أنْ يُهْدُوا إلَيْهِ حَيْثُ ما كَانَ، أوْ حَيْثُ ما دَارَ، قالَتْ: فَذَكَرَتْ ذلكَ أُمُّ سَلَمَةَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَتْ: فأعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إلَيَّ ذَكَرْتُ له ذَاكَ فأعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كانَ في الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ له فَقالَ: يا أُمَّ سَلَمَةَ لا تُؤْذِينِي في عَائِشَةَ، فإنَّه واللَّهِ ما نَزَلَ عَلَيَّ الوَحْيُ وأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غيرِهَا”.

رغبة الرسول في أن يُمرّض في بيتها قبل وفاته

قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرض مرضاً شديداً، وكان حينها في بيت عائشة، فسأل أين سيكون في اليوم التالي من أجل أن يستأذن الزوجة صاحبة ذلك اليوم، ليبقى فترة المرض في بيت عائشة، وأذنت له.

فمُرِّض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيت عائشة إلى أن تُوفيّ بين نحرها وسحرها، وتذُكر السيرة النبوية أن ريقه الشريف قد اختلط بريق السيدة عائشة (رضي الله عنها) قبل وفاته بلحظات، إذ قامت بتليين سواكاً بفمها لكي يتسوك به رسول الله قبل موته، وقد فعل، فقد روت عائشة (رضي الله عنها) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في صحيح البخاري:

“إنَّ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُوُفِّيَ في بَيْتِي، وفي يَومِي، وبيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي، وأنَّ اللَّهَ جَمَع بيْنَ رِيقِي ورِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ دَخَلَ عَلَيَّ عبدُ الرَّحْمَنِ وبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وعَرَفْتُ أنَّه يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فأشَارَ برَأْسِهِ: أنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عليه، وقُلتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فأشَارَ برَأْسِهِ: أنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ، فأمَرَّهُ، وبيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أوْ عُلْبَةٌ؛ يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في المَاءِ فَيَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يقولُ: في الرَّفِيقِ الأعْلَى، حتَّى قُبِضَ ومَالَتْ يَدُهُ”.

تُرى هل هناك في يومنا هذا حباً كحب الرسول لعائشة؟ كلا، فليس هناك كرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مشاعره الصادقة، وليس هناك امرأة تحمل بين ضلوعها قلباً تقياً نقياً يحب الله ورسوله كقلب عائشة.

مروة جمال أحمد

بالرغم من أنني خريجة قسم الترجمة الإنجليزية إلا أن ذلك لم يحُل بيني وبين عشق اللغة العربية بكافة معانيها، ولذلك فأنا مروة جمال كاتبة المحتوى بمنصة برو عرب.
زر الذهاب إلى الأعلى