معلومات إسلامية

خطبة حجة الوداع كاملة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)

قال الله تعالى في سورة المائدة الآية رقم 3: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً”، فكانت ختاماً لحجة الوداع.

ما هي حجة الوداع؟

هي الحَجَّة التي قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتوديع الصحابة الكرام فيها، وكان تاريخ حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، وهي أول واخر حجة حجها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ تُشير السيرة النبوية أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يحج سوى مرة واحدة، إذ روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه:

“أنَّ رسولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) مَكَثَ بالمدينةِ تِسعَ سنينَ لم يَحجَّ، ثمَّ أذنَ بالحجِّ، فقيلَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حاجٌّ، فقدمَ المدينةَ بشرٌ كثيرٌ كلُّهم يحبُّ أن يأتمَّ برسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، ويفعَلُ كما يفعلُ، فخرجَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حتَّى أتَى مسجدَ ذي الحُلَيْفةِ فصلَّى فيهِ، ثمَّ خَرجَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، ورَكِبَ معَهُ بشرٌ كثيرٌ رُكْبانٌ ومشاةٌ كلُّهم يحبُّ أن يأتَمَّ برسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حتَّى ظَهَرَ على البَيداءِ، فأَهَلَّ ونحنُ لا نَنوي إلَّا الحجَّ لا نعرِفُ العُمرةَ، فنظرتُ أمامي، وعَن يَميني وعَن شِمالي وخَلفي مدَّ البصرِ رُكْبان ومُشاةً كُلَّهُم يحبُّ أن يأتَمَّ برسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)”.

أهم تفاصيل حجة الوداع

خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخامس والعشرين من ذي القعدة باتجاه مكة المكرمة، من أجل تأدية فريضة الحج بعدما فرضها الله عز وجل في أواخر العام التاسع من الهجرة، وقد اغتسل الرسول الكريم للإحرام بميقات ذي الحُليفة، ثم تطيب وقام بلبس ردائه وإزاره، ثم هم بالصلاة في المسجد وأخذ يُلبي، فقد روى جابر بن عبد الله ذلك قائلاً:

“فخرَجنا حتَّى أتَينا ذا الحُلَيْفةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) في المسجدِ، ثمَّ رَكِبَ القَصواءَ، حتَّى إذا استوت بِهِ على البَيداءِ، ورَسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بينَ أظهُرِنا عليهِ ينزلُ القرآنُ وَهوَ يعرفُ تأويلُهُ، ما عمِلَ من شيءٍ عمِلنا بِهِ، فأَهَلَّ بالتَّوحيدِ وأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذا الَّذي تُهلُّونَ بِهِ، لم يردَّ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عليهم شيئاً، ولزمَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) تلبيتَه”.

ثم انطلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى ذي طوى، وهو مكان قريب من مكة المكرمة، فبات به وكان ذلك ليلة الرابع من ذي الحجة، وعند حلول الفجر، صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمسلمين، ثم اغتسل، وتوجه إلى مكة المكرمة، حيث دخلها نهاراً، وحينما وصل إلى البيت الحرام أخذ يمسح الحجر الأسود ويقوم بتقبيله.

شرع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الطواف، وقد أسرع في الثلاثة أشواط الأولى، أما الأشواط السبعة المتبقية، فلم يسرع بهم، ثم قام بالتوجه لمقام إبراهيم (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ يتلو قول الله عز وجل: “وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى” سورة البقرة الآية رقم 125.

ولما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جبل الصفا أخذ يقرأ قول الله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” سورة البقرة الآية رقم 158.

وعندما وصل إلى أعالي جبل الصفا، فكان يرى البيت الحرام، أخذ يكبر الله عز وجل ويوحده قائلاً: “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهو علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ”.

ثم هم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالدعاء وإعادة الذكر ثلاثة مرات، ثم اتجاه نحو جبل المروة، وتذكر السيرة النبوية أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أبطأ المشي في بطن الوادي، وعند وصوله إلى جبل المروة كرر ما قاله عند جبل الصفا، وهكذا إلى أن انتهى من السبعة أشواط، وكان قد ساق هَدْيه ولم يتحلل من إحرامه، لكي يكون هناك فرقاً بين الحج والعمرة.

إذ أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من لم يسق هَدْيه أن يتحلل من إحرامه ليكون قد أدى عمرة وليست حجة، فقد روى ذلك جابر بن عبد الله قائلاً:

“ثُمَّ دَعَا بيْنَ ذلكَ، قالَ مِثْلَ هذا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ، حتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ علَى المَرْوَةِ كما فَعَلَ علَى الصَّفَا، حتَّى إذَا كانَ آخِرُ طَوَافِهِ علَى المَرْوَةِ، فَقالَ: لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فمَن كانَ مِنكُم ليسَ معهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً”.

خطبة الوداع كاملة

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة انطلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) متوجهاً إلى مِنى، حيث صلى بها، وأمر أن تُقام قُبّة له بالقرب من عرفات في منطقة نَمِرة، ونزل بها، ثم ذهب إلى وادي عرنة، وهناك خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع خطبة تقشعر لها القلوب والأبدان قائلاً:

“إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِن دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ، كانَ مُسْتَرْضِعاً في بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا؛ رِبَا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به؛ كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ”.

سبب تسمية حجة الوداع

يرجع سبب تسمية حجة الوداع بهذا الاسم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في صحيح البخاري:

“قال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بمِنًى: (أتَدرُونَ أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، فقال: فإنَّ هذا يومٌ حرامٌ، أفتَدرونَ أيُّ بلَدٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: بَلَدٌ حَرامٌ، أفتَدرُون أيُّ شَهرٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: شَهرٌ حرامٌ، قال: فإنَّ اللهَ حَرَّم عليكم دِماءَكم وأمواَلكم وأعراضَكم كحُرمةِ يَومِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بَلَدِكم هذا)، وقال هِشامُ بنُ الغازِ: أخبَرَني نافِعٌ عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: وَقَف النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يومَ النَّحرِ بينَ الجَمَراتِ في الحَجَّةِ التي حَجَّ بهذا، وقال: (هذا يومُ الحَجِّ الأكبَرِ)، فطَفِقَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ: (اللَّهمَّ اشهَدْ)، ووَدَّع النَّاسَ، فقالوا: هذه حَجَّةُ الوَداعِ”.

فقد أتمم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مناسك الحج وأبلغ المسلمين كيفية أداء شعائر الحج كاملة، فأصبح التشريع الإسلامي مكتملاً، ونزلت الآية الكريمة التي أشارت بإتمام نعمة الله عز وجل، ولنا في حجة الوداع دروس وعبر جعلتها لنا منهاجاً نتعلم منه الكثير.

مروة جمال أحمد

بالرغم من أنني خريجة قسم الترجمة الإنجليزية إلا أن ذلك لم يحُل بيني وبين عشق اللغة العربية بكافة معانيها، ولذلك فأنا مروة جمال كاتبة المحتوى بمنصة برو عرب.
زر الذهاب إلى الأعلى