معلومات شاملة عن حضارة الأزتيك
لم تكن حضارة الأزتيك مجرد إمبراطورية توسعية، بل كانت حضارة غنية بالثقافة والتقاليد تركت بصمتها الخالدة في تاريخ العالم، فما هي قصة تلك الإمبراطورية؟
ما هي قصة حضارة الأزتيك؟
كانت حضارة الأزتيك واحدة من أعظم الحضارات التي نشأت في قلب أمريكا الوسطى وتحديدًا في وسط المكسيك، خلال الفترة ما بين عامي 1300 و 1521 ميلاديًا، بدأت القصة حينما تجمع شعب الأزتيك الذي كان يتألف من مجموعات عِرقية متعددة الذين يتحدثون لغة واحدة وهي لغة (الناواتل) التي ربطتهم ببعضهم البعض وأعطتهم هويتهم الثقافية المشتركة، ومع مرور الوقت وبفضل ذكائهم وتنظيمهم الفريد، استطاعوا السيطرة على مساحات شاسعة من المنطقة المكسيكية وأصبحت مدينة (تينوختيتلان) عاصمتهم العظيمة الموحدة لراية الأزتيك وكانت صرحاً رسمياً للسيطرة السياسية والثقافية.
إنشاء إمبراطورية الأزتيك
لم يكن هذا الاتحاد بين الشعوب مجرد صدفة، فقد تشكل تحالف قوي عام 1427 ميلادياً بين ثلاثة دول رئيسية:
تينوختيتلان، تيتزكوكو، وتلاكوبان، بعدما تمكنوا من هزيمة الإمبراطورية المنافسة لهم إمبراطورية (تيبانيك)، ومنذ ذلك الحين بدأت إمبراطورية الأزتيك بالنمو والتوسع لتصبح قوة لا يستهان بها في أمريكا الوسطى، ومع مرور العقود المُتتالية كانت شعوب الأزتيك تشن غزوات وغارات على دول المدن الأخرى، لكنها لم تكن تسعى إلى الهيمنة بالقوة العسكرية فقط، بل اعتمدت أيضاً على تحالفات سياسية وزيجات بين الحكام المحليين لتعزيز نفوذها.
ومع ذلك لم تكن النفوذ العسكرية كافية لضمان استمرارية السيطرة الكُلية، فقد كانت حضارة الأزتيك تعتمد على نظام اقتصادي ذكي حيث كانت دول المدن التابعة لها تدفع الضرائب للإمبراطور، مما جعل هذه المدن تعتمد اقتصادياً على العاصمة تينوختيتلان، وفي أَوج قوتها امتدت الإمبراطورية لتشمل أراضٍ شاسعة من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي متجاوزة حدود وادي المكسيك لتصل إلى ما هو الآن يُسمى (غواتيمالا وتشياباس).
السيطرة الإسبانية على حضارة الأزتيك
لكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن حيث في عام 1519 ميلادياً وصل الغزاة الأسبان بقيادة هيرنان كورتيس، والذين كانوا على دراية بالتوترات الداخلية بين الأزتيك والدول الأخرى التي كانوا قد أخضعوها فيما سبق بذكاء ومكر الأسبان، تحالف كورتيس مع هذه الدول المعارضة وخاصة (تلاكسكالتيكا)، لتوجيه ضربة قاتلة إلى قلب إمبراطورية الأزتيك، وفي عام 1521 ميلادياً سقطت العاصمة تينوختيتلان بعد معركة شرسة وتم القبض على الإمبراطور (كواوتيموك)، لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ المنطقة تحت السيطرة الإسبانية.
ومع انهيار الإمبراطورية الأزتيكية أسس الأسبان مدينة مكسيكو على أنقاض العاصمة المُندثرة تينوختيتلان، وبدأوا بدمج شعوب أمريكا الوسطى في امبراطوريتهم الجديدة، لكن القصة لم تنتهِ هنا فقد استمر الإسبان في استخدام هياكل الحكم المحلية التي أسسها الأزتيك لضمان استقرار الحكم الجديد وعدم الانقلاب الداخلي عليهم مِن قِبل الحُكام المحليين، وبفضل الكتابات والمخطوطات التي تركتها لنا حضارة الأزتيك وشهود العيان من الأسبان مثل المخطوطة الفلورنسية الشهيرة، أصبحنا قادرين على فهم عظمة هذه الحضارة التي جمعت بين القوة العسكرية والفنون الرائعة والحضارة العظيمة.
مجتمع شعوب الأزتيك
مجتمع الأزتيك ما قبل الغزو الإسباني كان مجتمعاً معقداً ومبنياً على أسس حضارة أمريكا الوسطى الكبرى، حيث أنه من الناحية السياسية كانت المدن مستقلة تُعرف باسم (التيبيتلات)، وكل منها مُقسّمة إلى وحدات أصغر تسمى (كالبولي)، التي تتكون غالبًا من عائلات ممتدة ذات نسَب عريق ومعروف، أما من الناحية الاجتماعية فقد كان هناك تمييزاً واضحاً بين طبقتين رئيسيتين هما: النبلاء والعامة الأحرار، حيث تفرعت كل طبقة إلى مستويات مختلفة من المكانة والمسؤوليات، ومن جهة أُخرى اقتصادية اعتمد المجتمع على الزراعة بشكل أساسي، لكن الحروب لعبت دوراً رئيسياً في تأمين الموارد الأساسية، وإلى جانب ذلك كانت التجارة والتخصص الحرفي عنصرين حيويين في الحياة الاقتصادية لحضارة الأزتيك سواء كانت التجارة محلية أو خارجية.
رغم تأثرهم بحضارات مجاورة فإن الأزتيك لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل طوروا أنظمة اجتماعية وسياسية فريدة خاصة بهم إلى جانب تقاليدهم الثقافية وأنشطتهم الترفيهية التي ميزتهم عن غيرهم، وبهذا التمازج بين التأثيرات الخارجية والإبداع الداخلي، نشأ مجتمع متميز في تاريخ أمريكا الوسطى، يعكس تطوراً حضارياً عميقاً، ومما يلي تفصيلاً لأسس ومظاهر حضارة الأزتيك:
الفصل الطبقي
- كان المجتمع الآزتيكي قائماً على تقسيم طبقي واضح بين النبلاء (البيبيليتين) والعامة الأحرار (الماسيهوالتين).
تمتع النبلاء بامتيازات اقتصادية كتحصيل الضرائب، بينما كان العامة يمتلكون الأراضي ويزرعونها بحرية لكنهم يؤدون خدمات لأسيادهم ويشاركون في الخدمة العسكرية. - رغم صعوبة الانتقال بين الطبقات، إلا أن التنقل الاجتماعي ضمن طبقة معينة كان ممكناً وخاصة بالنسبة للتجار الذين حصلوا على بعض امتيازات النبلاء.
الكالبولي
- كان الكالبولي وحدة سياسية واجتماعية تتألف من عائلات مترابطة تعمل كوحدة إنتاجية مشتركة.
- قاد الكالبولي زعيم محلي من أقارب الأعضاء، وكان يخصص لهم أراضٍ ويقدم لهم فرص عمل مقابل دفع الضرائب والولاء.
- كان لكل كالبولي معبد ومدرسة لتدريب الشباب على الفنون القتالية، وكانت بعض الكالبوليهات تختص بحرفة معينة تشبه النقابات الحرفية في العصور الوسطى.
الألتيبيتل
- الألتيبيتل كانت الوحدة السياسية الأكبر، تتألف من عدة كالبوليهات وتُحكم من قبل تلاتواني (الحاكم الأعلى).
- الألتيبيتل كانت مسؤولة عن الدفاع عن أراضيها وتوسيعها بالقوة العسكرية، وهي التي شكلت الهوية الثقافية للسكان.
العائلة والنسب
- كان النسب هو المحدد الأساسي للمكانة الاجتماعية في حضارة الأزتيك، حيث ادعى النبلاء أنهم ينحدرون من آلهة وأسلاف أسطوريين مثل الإله كيتزالكواتل.
- كانت العائلات الموسعة هي الوحدة الاجتماعية الرئيسية، حيث كانت مجموعات العائلات تعيش معًا في الكالبولي وتُفضل سلالات النسب الأبوي مع متابعة النسب الأمومي أيضاً.
الزواج
- تم الزواج في الأزتيك في سن متأخرة، حيث كان الأهل هم المسؤولون عن ترتيبه من خلال وسيط زواج محترف.
- كان يُطلب من العرائس الحفاظ على عذريتهن قبل الزواج، وكان الزواج يتم بمشورة العائلة الموسعة.
ملامح ديانة حضارة الأزتيك
كانت ديانة الأزتيك مزيجاً معقداً من الرموز والآلهة، والتي تعكس مرونة شعبهم في التكيف مع الثقافات الأخرى ودمجها ضمن نظام معتقداتهم، ومن هذه المظاهر:
علم الكونيات وتقسيم العوالم
- تصور الأزتك الكون كهيكل معقد يتألف من ثلاثة عشر سماء وتسع طبقات للعالم السفلي، حيث تتداخل السماء الأولى مع سطح الأرض.
- ترتبط كل طبقة سماوية وأرضية بآلهة محددة و أجرام فلكية، وكان للشمس والقمر وكوكب الزهرة أهمية خاصة في العقيدة الدينية.
شعب الشمس
- عُرف الأزتيك باسم (شعب الشمس)، حيث كان للشمس مكانة مركزية في معتقداتهم، إلى جانب الكواكب والأجرام السماوية الأخرى التي مثلت لهم رموزاً قوية.
دمج الآلهة
- لم تقتصر حضارة الأزتيك على آلهتهم الخاصة، بل قاموا بدمج آلهة من ثقافات أخرى، مثل إله الخصوبة (أكسيبي توتيك) الذي استُعار من شعب التلابانيك.
- في بعض الأحيانشُبّهت الآلهة الدخيلة بآلهة موجودة بالفعل في العقيدة الأزتيكية، مما ساهم في تعميق وترسيخ الديانة.
الآلهة متعددة الوظائف
- قُسّمت آلهة الأزتيك وفق موضوعات مختلفة، منها ما ارتبط بالطبيعة مثل تلالوك وكيتزالكواتل، وأخرى بالمهن والأنشطة اليومية مثل آلهة خاصة بمشروب (البولكا) والاحتفالات.
- كانت الآلهة متعددة الأوجه، إذ كان لكل إله أسماء متعددة تعكس جوانب مختلفة من شخصيته، وفي بعض الأحيان كان إلهان يتحدان في كيان واحد.
تعقيد الطقوس والأساطير
- انعكس تعقيد النظام الديني للأزتيك في الطقوس، حيث كانت الآلهة تتداخل وتتجسد في صور متعددة مما يعكس التداخل الكبير في المعتقدات والقصص التي أثرت في المجتمع.
بعض من مظاهر حضارة الأزتيك الأخرى
الزراعة والطعام اليومي
- اعتمد الأزتيك على زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل مثل الذرة والفاصوليا والطماطم والنوبال.
- كان الطعام اليومي يتألف من التورتيلا والفاصوليا المسلوقة، وهي أطعمة لا تزال شائعة حتى اليوم.
الأطعمة الفاخرة
- شملت الأطعمة الفاخرة مشروبات الكاكاو، ولحوم الصيد، والديك الرومي، والكلب الأملس.
- تم نقل الأسماك من الساحل بفضل نظام خاص من العدائين، مع اعتمادهم على الأسماك المحلية والحيوانات المائية.
التعليم المبكر
- بدأ تعليم الأطفال في المنزل منذ سن الثالثة، حيث كان الأولاد يتعلمون من آبائهم والبنات من أمهاتهم.
مدارس النبلاء والطبقة الوسطى
- التحق أبناء النبلاء بمدرسة (الكالمكك) لتعلم العلوم والدين وأساسيات الحُكم.
- بينما تعلم أبناء الطبقة الوسطى الفنون اليدوية وتدربوا ليصبحوا محاربين في مدرسة (تيلبوشكالي).
المخطوطات والكتابة
- كتب الأزتيك مخطوطات (الكوديسات) التي وثقت تاريخهم واستخدمت في تعليم الأطفال.
- توفر هذه المخطوطات معلومات قيمة عن المجتمع الأزتيكي.
كانت حضارة الأزتيك حضارة متكاملة ومتعددة الجوانب، حيث اعتمدت على الزراعة وتربية الحيوانات المحلية لتلبية احتياجاتها الغذائية اليومية، وتطور التعليم لديهم ليشمل تدريب الأطفال من المنزل وصولاً إلى مدارس متخصصة للنبلاء والطبقة الوسطى، ومن ثَم تركت مخطوطاتهم التاريخية إرثاً ثقافياً غنياً يكشف لنا تفاصيل حياتهم وتقاليدهم المتنوعة.