آداب وأحترام حقوق الجار على الجار
الجار هو الأقرب مكاناً وقد يكون الأقرب مكانةً في الكثير من أوقات الفرح والحزن والضيق وحثت الأديان السماوية على هذه العلاقة، فما هي حقوق الجار؟ وآدابه؟
ما هو مفهوم حقوق الجار؟
باتت العلاقات بين الجار وجاره من أهم العلاقات الاجتماعية والحديث عنها ليس حديثاً عابراً أو موضوعاً بسيطاً بل هو من ركائز المجتمع الأساسية، فاحترام الجار يُعتبر من الأمور التي تُعزز من قيمة التعاون والترابط الاجتماعي وهي من الفضائل التي حثت عليها الأديان السماوية جميعها وخاصة الإسلام الذي شدد على حقوق الجار وجعلها في مرتبة قريبة من حقوق الأهل والأقارب، وتظل قيمة الجار إحدى الدعائم التي يمكن أن تساهم في إعادة الأُلفة بين أفراد المجتمع في زمن أصبحت فيه العلاقات الاجتماعية أقل ترابطاً.
والجار هو الشخص الذي يسكن بالقرب منا سواء في نفس الحي أو الشارع أو حتى الشقة المجاورة في المبنى، حيث أنه يشمل كل من يعيش أو يعمل أو يدرس بالقرب من الشخص نفسه، ومع تطور المجتمعات وزيادة أعداد السكان أصبحت العلاقة بين الجيران تختلف من بيئة إلى أخرى ورغم ذلك يبقى للجار حقوق لا يمكن تجاهلها.
ما هي حقوق الجار على الجار؟
أولى المجتمع اهتماماً كبيراً بحقوق الجار حيث ربطت التقاليد والقيم الإنسانية بين الأخلاق الحميدة وحسن معاملة الجيران، حيث يُعتبر إكرام الجار واحترامه من علامات التحضر والتفاهم بين الناس بغض النظر عن خلفياتهم أو معتقداتهم الدينية، ويُعد احترام خصوصيته ومحبته للخير من صور التعامل الراقي الذي يُشير إلى أن أفضل العلاقات بين الجيران هي تلك المبنية على التفاهم، التعاون، والإحسان، ومن أمثلة الإحسان للجار:
- تقديم المساعدة عند الحاجة.
- التعامل بلطف.
- المحافظة على الروابط الطيبة.
- زيارته عند مرضه وتفقد أحواله.
- اتباع جنازته إذا توفي.
- تقديم بعض الطعام له ولو كان قليلاً، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك).
- الدعاء له سواء حياً أو ميتاً.
- تجنب إيذائه بالشتم أو الضرب أو بأي شكل من الأشكال، كإلقاء القمامة أمام بابه.
- إقراضه المال عند الحاجة، ومساعدته بكافة النواحي المالية.
- رد السلام والتحدث معه بلطف واحترام، وتجنب التعامل معه بتكبر.
- مشاركته في الأفراح والأحزان.
- عدم التعدي عليه بالبِناء الذي قد يضر به.
- إسداء النصيحة والمشورة له.
- عدم إزعاجه بالأصوات العالية.
آداب التعامل مع الجار
نصت الأديان السماوية الثلاثة على سلوكيات التعامل مع الجار، لذا يجب أن يلتزم بها الإنسان في علاقته مع جيرانه وهي تشمل جوانب مختلفة من الحياة اليومية مثل:
- التحية والود: إلقاء التحية على الجار يُعد من أبسط وأهم أشكال التواصل الإيجابي، فرؤية الجار كل صباح وتبادل التحية يزيد من الترابط ويخلق جواً من الألفة.
- المشاركة في المناسبات: المشاركة في الأفراح والأحزان من الأمور التي تقوي العلاقة بين الجيران وتزيد من الود بينهم.
- المساعدة عند الحاجة: قد يحتاج الجار إلى مساعدة سواء كانت مادية أو معنوية وهنا يجب أن يبادر الجيران لتقديم الدعم دون انتظار المقابل.
- احترام الخصوصية: أهم ما يجب أن يلتزم به الجار هو احترام خصوصية جيرانه ولا ينبغي التدخل في شؤونهم الخاصة أو التجسس عليهم أو محاولة معرفة تفاصيل حياتهم.
- تجنب الإزعاج: سواء كان ذلك من خلال الصوت المرتفع أو إقامة حفلات صاخبة، يجب على الجار أن يكون واعياً لمحيطه وأن يحترم حاجات جيرانه للهدوء.
ما هي حقوق الجار في الإسلام؟
أولى الإسلام أهمية كبرى للجار وحقوقه، حيث ربط بين الإيمان وحسن معاملة الجار كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ)، فإن حقوق الجار واجبة سواء كان هذا الجار مسلماً أم غير مسلم حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)، بالإضافة إلى وجود الكثير من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تؤكد على مكانة الجار وضرورة حسن معاملته حيث قال الله تعالى في سورة النساء: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، وفي حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
ما هي مراتب حقوق الجار؟
ينقسم حق الجار في الإسلام إلى ثلاث مراتب من حيث الأهمية ومن حيث القرابة الشخصية، حيث تبدأ من الأساسيات وتصل إلى أعلى درجات الإحسان، وفيما يلي تفصيل هذه المراتب:
- المرتبة الأولى (كفّ الأذى عن الجار): هي أدنى مراتب حقوق الجار وتتمثل في الامتناع عن إيذائه بأي شكل من الأشكال، فإذا لم يكن المسلم قادراً على الإحسان إلى جيرانه، فعلى الأقل يجب ألا يؤذيهم.
- المرتبة الثانية (تحمل أذى الجار): يتحلى المسلم في هذه المرتبة بالصبر وتحمل أي أذي يصدر من جيرانه، ويغض الطرف عن أخطائهم ويعفو عنهم بدلاً من الرد بالمِثل.
- المرتبة الثالثة (الإحسان إلى الجار): فهذه المرتبة هي الأعلى، حيث لا يكتفي المسلم بكف الأذى أو تحمل الأذى عن جاره، بل يبادر إلى إكرام جيرانه والإحسان إليهم، بما في ذلك مساعدتهم وتقديم الخير لهم.
ما هي أنواع الجيران وحقوقهم؟
الإحسان إلى الجار يُعد فرضاً واجباً في الإسلام، وإكرامه علامة على حسن الخُلق وقوة الإيمان وقد حذَر من إيذاء الجار، حيث يُعتبر ذلك منقصة في الإيمان وذنباً يعاقب عليه صاحبه، لذلك قسَم الإسلام حقوق الجار بناءاً على مرتبة الجيران إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي:
الجار المسلم القريب
لهذا الجار ثلاثة حقوق وهم:
- حق الجوار: حقه كجار يقضي بأن تُحسن معاملته.
- حق الإسلام: حقه كمسلم يستوجب عليك التعامل معه بالود والإحسان.
- حق القرابة: إن كان الجار من الأقارب، يضاف حق القرابة إلى ما سبق.
الجار (الجُنب) المسلم البعيد
هم الجيران الذين لا تربطهم صلة قرابة ولهذا النوع من الجيران حقان وهما:
- حق الجوار.
- حق الإسلام.
الجار غير المسلم (المشرك أو الكافر)
هذا الجار له حق الجوار فقط، بمعنى أنه يجب ألا يُؤذى وأن يُعامل معاملة حسنة بغض النظر عن دينه.
إن احترام حقوق الجار والالتزام بآداب الجوار ليس مجرد مسألة أخلاقية فقط، بل هي ضرورة إنسانية واجتماعية تساهم في بناء مجتمعات متماسكة تسودها روح التعاون والمحبة، فالجار ليس مجرد شخص يسكن بجانبنا بل هو شريك في الحياة اليومية ومن خلال علاقتنا الجيدة معه يمكننا أن نخلق بيئة آمنة ومستقرة تعود بالنفع على الجميع.
