خاطرة أعوذ بالله من شر نفسي (وشر النفوس)
تَضمر النفوس شروراً يُطهى على نارٍ هادئة فيخرج عندما يُضغط على زناد الدين أو الطائفة، لتجد الجميع كالثعالب يَمكرون، خاطرة أعوذ بالله من شر نفسي.
خاطرة أعوذ بالله من شر نفسي!
“عبثيات لا أكثر”… بحثت بين طيّات الزمان عما يمكن أن يضعني في المنتصف، بين الأبيض والأسود، فلم أكن يوماً إلا حبل الوصل بين الجميع، فـ كنت أربتّ على كتف هذا وذاك، وألمع صورة فلانٍ وفلان، لكيلا يتلاعب بنا الخارج على ثغرة الفوارق العرقية والطائفية والدينية أو حتى العقلية.
كُلٍّ منهم يرى نفسه مظلوماً، ويبدأ بوضع مساحيق التجميل على أشيائه ويُنكر أن الطرف الآخر ينظر للموقف بزاويته أيضاً ولا يبخل على موقفه من أن يزينه بمساحيق التجميل أكثر، علام حصلنا؟ نحن بالكاد نلتقط أنفاسنا بعد مرور أكثر من عقدٍ على الحرب، فكيف لا نفكر أبعد من أنوفنا؟ ألم نُدرك خطر عدم الصبر وكثرة الشكوى والتذمر؟، كيف لك أن تراهن على بعض المواقف الساذجة التي تحصل وبعضها الدموي أيضاً بأن هذا ظلماً وتتغافل عن الظلم السابق؟.
أدرك أن هذا لا يبرر ما يحدث من أخطاء بالتأكيد، لكننا نتعامل مع بشرٍ ليسوا أنبياء، كما أن من يقتنص الفرصة التي ينقضّ فيها على فريسته بعد أن طالت معاناته ليس بشراً كذلك الأمر!!.
وإني أعوذ بالله من شر نفسي وشرِ هؤلاء، أخاف على نفسي من موضع النصف الذي أصبح جُرماً يستبيح دمك، فإنك إما معنا أو علينا، لا يوجد شيء يسمى وسط، والوسط في نَظري هو الإنسانية، لكن هذه البقعة التي نعيش عليها، تُريدك دائماً وأبداً أن تميل لطرفٍ دون آخر، وإن كنت حيادياً فأنت كافرٌ وعميل في نظر الطرفين!!.
فـ تخيل يا هذا عما يمكن لهذه الأرض أن تثمر بعد امتلاء قلوب شبابها بهذا الكم من اللا إنسانية واللا دين؟ والأكثر سخافة، أنهم جميعاً يختبئون خلف مسمى الدين، جميع الأطراف انتبه!!،
ويشوهون بهذا حَق الدين بأن يكون قبل كل شيء خُلقٌ حسن.
سوريا بتوقيت الموت “عُراةٌ نحن بِلا جغرافيا”
سوريتي….. هويتي، تلك الهوية التي أصبحت تُهمة تُدينك و تهدد حياتك بالموت، وإدانتك تلك رَهن البقعة الجغرافية التي تنتمي لها، وتُثبت أن دماءك مُلوثة…!!
عندما تقوم بترويض جيل بأكمله على مفهوم يتفرع عنه أفكاراً مشوهة تكفيرية وطائفية، فإنك بهذا تخلق مجتمعاً يعود إلى ما قبل التاريخ عصوراً، مجتمع حجر أساسه القتل، وأعمدته ملطخة بالدماء، ويرتفع شأنه كلما ارتفعت حصيلة الأرواح، وبهذا نكون قد خَبزنا بأيدينا عقولاً هلامية فارغة حدّ الخواء ويتفاخر أصحابها فقط فيما فعلت أيديهم!!.
فبأي ذَنب يمكن لنا أن نُطلق حكماً مطلقاً على الجميع، ونتناسى بهذا أن المجرم لا دين له!!، أولم نعلم أن أول ما يقضي الله فيه بين الناس هو سفك الدماء؟ فكيف سنقابل وجهه الكريم وفي رقابنا أبرياء قُتلوا بغير حق؟.
منذ ما يزيد عن نصف قرن ونحن نَقف في المنتصف، عُراةٌ من كل شيء، لا إنسانية تجمعنا ولا ثوباً يُمكن له أن يَستر سواد قلوبنا حتى يَضمر شرور ذواتنا!.
لقد نشأت في كَنف فكرة مفادها أننا مكون واحد، لا فرق بيننا، لكنني فيما بعد، اكتشفت أن ما كنا نُمارسه من إنسانية لم يكن إلا دوراً ارتجالياً يصاحبه مونولوجاً سخيفاً على عتبة المسرح السورية!!.
“جيّاعٌ نحن”
صديقتي منذ الأزل كانت ولا تزال صديقتي، لكنها تختلف عني بقدر الاختلاف الآن بين الفريقين المتخاصمين، وبما أننا في ملعب نتقاذف كرة “النبرات الطائفية” كالذباب الإلكتروني على منصات التواصل الاجتماعي، ونُستأسر عَمل ريمونتادا سوريالية لتغيير مجرى التاريخ وكأننا عهدنا إلى أنفسنا أن نُعيد استحضاره مجدداً مع إضافة “شوية بهارات” وفكر “مشوه”…
فإننا وياحسرتي، دخلنا تلك الحرب أيضاً، ولكن ليس بالبندقية ولا بحدّ السيف، إنما برفع مستوى النقاش من مرحلة الحوار إلى المناظرة ثم ارتفاع حدة نبرة الصوت إلى أن بدأنا بإرسال نظرات بغض وكره لحظي، ورغم أنني كنت أظنّه لحظي، لكن للأسف، اكتشفت أنه حَكم على علاقتنا التي استمرت لأكثر من سنتين؛ بالانتهاء عند هذا الحد، حد الاختلاف الديني!!.
إن اختلافنا لم يَكن لي ولا لها يدً به، لكنها ودون سابق إصرار كشّرت عن أنيابها، ولمع في عينيها بريقاً يُدينني بتهمة لم ولن أفهمها مهما حييت، غريب أمر البشرية، كيف يمكن لتصرفاتهم أن تُحدد مدى جمالهم في نظرنا من عدمه، ورغم أنني مقتنعة جداً بهذا القول، إلا أنها خالفته ورأتني فجأة أهدد حياتها بسبب تصرفات الغير، مثلما رأيتها فيما بعد… أنا!!.
فـ إن عضّت الحرب بنابها أكثر على جراحِنا، فبماذا سَتخرج؟، إنني أرى لسوريتي ورم خبيث يوشك أن يَدق بناقوس خَطره على جغرافيتها، فنعود ونحن نَجرّ أذيال الخيبة بعد أن تناحرنا فيما بيننا، ووضعنا اللثام على أفواه الضعفاء، وبدأنا بالتبجيل والتطبيل والتزمير مجدداً، لنعيد المشهد السوري ذاته على الساحة….!
لقد نَجح ترويض رُعاع الشعب، وبدأوا تحريك البيادق على رقعة جغرافيتنا لصالحهم، وها نحن ذا نُعيد الماضي كما هو، ويَشهد لنا العالم في بسالتنا، تلك المموهة بألفاظنا النابية وأفكارنا الهجومية المعادية، وطبيعتنا المتأصلة بالشر، نعم، لم يحسم الفلاسفة الجدل حول طبيعة الإنسان، إلا أنني أجده متأصلاً بالشر وينتهز الفرصة لكي يُثبت مدى جدارته في إخراجه على الملأ!.
فلو كان الوأد لا يزال قائماً حتى يومنا، لتمنيت وأد جسدي قبل كل شيء في ظل تلك المهزلة التي نعيش بها وتسمى وطن!!.
انتهى القول عند هذا الحد، وليبدأ التمنّي
أحلم بالغد المشرق، فبأي ميعادٍ سيأتي؟ ونحن نُثبت لأنفسنا وللعالم كل يوم بأن نفوسنا خاوية من الإنسانية؟ كيف لنا أن نبني مجتمعاً سوياً ونحن نؤدلج الجيل على مفاهيم سوداوية ونجعله يلهث لكي يجد ما يسد رمقه حتى وإن كان السبيل لهذا هو القتل والسرقة؟.
كيف لنا بناء جيل سوي ونحن نُقيد أحلامه ونختم له بتاريخ أجلٍ غير مسمى لتحقيقها؟، فهل تلك البقعة الجغرافية قد حُكم عليها بأن تعيش تحت ظلال الحرب والقتل والجوع والتفرقة؟
إن كان الأمر كذلك فأنا بريئة من تلك الهوية، واعذروني لما أقوله، لكنني أكثر هشاشة من ذي قبل، بتُّ ألهث وأنا أواجه أيامي بـ انطفاءاتي كلها، لا أحلام لي داخل تلك البقعة الجغرافية، ولا ثوب يمكن لي أن أحيكه على قدر أحلامي في ظل هذه القوقعة التي نعيش فيها مع أشباه البشر، حتى أنني أبذل بمقلةٍ جافة دمعة تنسال على ملامحي الشاحبة بصعود الأنفس.
لذا، سامحوني إن أخرجت مافي جعبتي من ثِقَل يكاد يلتهم مابقي مني، اعذروني إن رفضت لأخوتي السوريين أن ينهشوا بعضهم البعض ويزرعون بِذار ستثمر كرهاً وشراً لا ينطفئ، لقد أصابني الغثيان من واقع هذه البلاد لنصف قرن، ولكنني الآن قد أخرجت ما يُثير اشمئزازي، واعتقد أن مَخاض سوريتي سيطول، حتى تُجهض ضعاف النفوس والعقول!!.