خاطرة من العُمق السوري، هنا وجعي!

“مهما يحاولوا يطفّو الشمس” في قلبي لسوريا أمل لا ينطفئ، وروحي هيهات أن تَحول سراباً، مادام هناك ربٌ في السماء العليا، خاطرة من العُمق السوري، هنا وجعي!!.

خاطرة من العُمق السوري، هنا وجعي

من نواعير حماة، حتى قلعة حلب، لشاطئ الساحل الأزرق وأبجدية رأس شمرا، إلى جبل قاسيون وأحياء دمشق القديمة، حتى أعمدة تدمر وجسر دير الزور المعلق، لـ قلعة الحسكة ونهر الفرات في الرقة، هنا سوريا هنا حيث القلب يتكئ!!.

بين عَويلٍ ونحيبٍ طال، وقضية ألهبت قلب الثوار، حتى بزوغ فجر النور، وطعم عرق السوس في رمضان، لم ننتهي!!.

أقدامنا الثابتة على أرضٍ متهالكة، لمعيشةٍ ضنكا وأرواحٌ تالفة، بدأت أقدامنا الثابتة تغور، لتصل حدّ الدرك الأسفل من التراب أو تطوف، تطوف فلا تَثبت على بقعة الأرض المقسومٌ عليها أن لا تهدأ ويبقى أولادها في هيجانٍ تثور.

أولم يعد لتراب سوريتي المقدرة على حَملنا أكثر؟ هل خلو قلوبنا من الإنسانية وامتلائها بالثأر والغل والحقد قد جعلنا أشد ثقلاٍ عليها من ذي قبل؟.
هل كان أملها بعد أن يغور الطاغية من رأس عرشها أن ترتاح قليلاً فلم تجد لمناجاتها سبيلا!.
دُفنت أحلامها وأحلامنا سويا، على مشارف أرضها العطشى تلك، كان عَطشها لدماءِ شهدائها الأبرار، لكنها الآن لم تعد تحتمل كَم هذا الدم على ترابٍ هويته سورية، لقد أثقل كاهلها حدّ الخناق، فلم تجد للنداء صدىً لـ أصواتها المدوية.

أرادوا لها طوفاناً لا يَهدأ، مياهه حمراء اللون تَحمل دماءً بـ زمرٍ متنوعة، متلونةٌ هي بين أطياف هذه الأرض ومكوناتها المتنوعة، أرادوا لهم الانفصال ليسهل انتزاع أرضهم، فما كان منهم إلا التصديق والرضوخ مُنكسي الرؤوس طواعية!!.

لبلادي أقول… حزينةٌ أنتِ على أولادك باكية، تُناجي ربّ العباد أن يُحسن خاتمتهم، وأن يوقظ في قلبهم الرحمة بعد أن فَرغت منها، ولكن بئس ما تفعلين، فلا أمل منهم بعد اليوم، هل لك أن تنتشلين حبلك السري من جوف بطونهم تلك؟.

علّك تُشيري إليهم أنك تتألمين؟ بالله عليك أتصدقين أنهم يسمعون نداؤك حتى؟ جميعهم بـ اسمك ينادون، ولكن كلاً منهم في انتقامه وثأره يفكر!!.

أتُنازعين من فَرط نحيبك الأبكم هذا؟، أرى أن القذيفة التي كانت تدخل جوف أرضك، كانت أرحم عليكِ من تناحر أولادك، أولادك سوريتي قد ساروا على درب الوحشية متشبثين بذرائع ترمي عنهم الشبهة والإدانة!!.

بدلاً من أن يُفكروا ولو للحظة بأن يجمعوا شتاتك من جديد، ويُعيدون إليك رونقك الذي قد ضاع منذ زمن، ويغطّون ملامح الشيخوخة تلك التي ظهرت على أبنيتك المتصدعة، والركام هذا الذي أحدث فجوات في قلبك… آهٍ لقلبك كَم به من أوجاع!!.

ثم نقول… بلادُ العرب أوطاني، من الشامِ لبغدانِ

ثكالى نحن على مشارف الموت، ننتظره بفارغ الصبر علّه يرسم لنا تاريخ انتهاء من هذا الموت البطيء.
نُخرت إنسانيتنا حتى فَرغت تماماً وانتهت، فلم يكن الفقر أو الجوع أو الفراق هو السبب، بل الطبع الدموي المتجذر في ذواتنا والذي تمخض عنه شعور النقم هو ما جعلنا بلا إنسانية…
وبينما أنت تصرخين بأعلى صوتك، كان صوتك أبكم حد الخراس!!
ولم يسمعه كل أصم القلب!، أتعلمين ما هو الأشدّ بكاءً؟، تلك القلوب التي آمنت بقضاياكِ وجُرّت بحبالٍ رُبطت على أعناقها بحجة تحقيق القضية!!.
فما كان لهم من أمر القضية شيء، وبقوا على الرفات يتقاتلون ويتناسون بهذا حق الأمر وحق القضية!.

أعلم أنني أقول كلاماً مبعثرٌ لا تنسيق له، ولكن بي وجع وأمل لا يتفارقان، غريب ذاك الأمل الذي ينبثق من نقطة غائرة في جوف الظلام، التمس منه يقظة روح وإنسانية لشعب سوريا المقهور.

إليكم أقول:

دعيني أرثيك سوريتي ببضع كلمات من شأنها إخراج مافي الروح،
مرارةٌ تطفح في حلقي وتنتزع مني حق البكاء والقهر الذي قد بلغ الحلقوم،
كلمات من شأنها أن توقظ أولوا الألباب ولا توقظ من هو بالخيانة مصقول،
قد راود شمسك الكسوف، ولأرضك مخاضٌ لا يزول،
سأرفع صوتي حتى وإن كان صوتي مهزوز،
علّه يُثمر بشيءٍ يُنقذ ما تبقى من أمل موجود،
إن الأصالة محفورةٌ بين جدرانك، وستبصر ذات يوم النور،
سوريتي أنتِ العزة، أنت الشموخ الذي قد أبى المذلة،
جسدك مليءٌ بالجروح، تضمدينه بصحوة الله في القلوب،
أراك تشعيّن وتبرقين، ولكِ حلماً بالنصر معقود،
فهيهات منكِ الذلة وهيهات أن تُدفني بصمتٍ مجهول،
لك رجالٌ تسعى ولعلاجك تتكاتف الأيادي وتثور القلوب،
لله نستودعك بأن يستفيق أولادك من غفلتهم بعد سباتٍ كاد أن يطول،
ونحلف بالله وبذات الصدور، بأنك باقية على عهدٍ آن له الخروج،
ستبصرين ضوء الشمس الذي طال وقته في الغروب،
وتكتبين لنفسك وبأيادي أولادك عهداً جديداً بـ اسم الله يبدأ ولا يزول.

تم التدقيق بواسطة: فريال محمود لولك.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى