قصة حب روحٌ أبت فراقي الجزء الثالث (قصص رومانسية حزينة)

“ماتت بـ مِحراب عينيكِ، ابتهالاتي!! واستسلمت لرياح اليأس راياتي، جفّت على بابكِ الموصود أزمنتي”، قصة روحٌ أبت فراقي الجزء الثالث.

قصة روحٌ أبت فراقي الجزء الثالث

استيقظت وأنا بالكاد ألتقط ما تبقى من الهواء في الجو ليصل تجاويف رئتي، أين أنتِ ياشوق؟، نظرت بطرف عيني في أرجاء الغرفة تلك، فأدركت أن ما حدث كان حقيقة، رأيت في وجهي شابة يافعة ترتدي مئزراً أبيضاً وتقف أمامي كالحمام الزاجل…

– الحمدلله على سلامتك أستاذ وسام، كيفك اليوم؟
أنا منيح الحمدلله…. بس… كان في صبية معي… وينا؟
– صبية!! أبداً أستاذ، حضرتك وصلت لعنا عن طريق شوفير تكسي نقلك مع المُصابين بشظايا القذيفة والحمدلله وضعك تمام بس ماكان معك حدا أبداً…
ايمت بقدر أطلع؟ كان معي صبية ولازم أعرف وينا، بدي اطلع هلق!!.
– لو سمحت لازم تنتظر الطبيب المناوب ليكشف عليك ويحدد إذا فيك تخرج الصبح، وبدنا رقم حدا من أهلك يجي يطالعك.

ثم ذهبت وتركتني على رصيف الخيالات، فأين هي الشوق من هذا؟ هل حدث لها شيء؟ بدأ خيالي يسبح في ظلام الصور المرعبة التي تُنهي حياتي عندما تُظهر لي صورة شوق وهي بدون روح!!.

في الصباح وبعد خروجي من المستشفى بعد وصول أبي، وصلنا إلى منزلي وأخبرت والدي عن رغبتي في البحث عن شوق والسؤال عنها في حارتها القديمة، لكن والدي أصابني بالذهول من إجابته حين قال: مين شوق؟ حبيبي يبدو أنك تعبان، مامنعرف حدا بهالاسم!.

اهدأ ياوسام، دعك مما يقولون يبدو أنهم مُجهدون، كيف نَسوا شوق؟ محبوبة قلبي والروح؟، سأبحث عنها بنفسي عندما يقوى جسدي على الحراك أكثر…

بعد مرور عدة أيام……
في أحياء حلب القديمة، وصلت إلى باب منزلها، بدأت اطرق بخفة عليه، انتظرت طويلاً فـ بدأ صوت الطرق يقوى أكثر فأكثر…
شوق… خالتي أم شوق… ولم يُجبني أحد!، رمقني أحد الأشخاص بنظرة تعجب وسألني عمّن أبحث، فأجبته سريعاً ولكنه أراد أن يجعلني أدخل متاهةً لا أخرج منها أبداً حينما قال: مافي حدا هون بهالاسم أبداً، يمكن أنت غلطان، وهالبيت ألو أكتر من سنتين مافيه حدا…!!

حلب خريف 2020

صوت كاظم الساهر على الراديو: “واستسلمت لرياح اليأس راياتي، جفّت على بابكِ الموصود، أزمنتي، ليلى، وما أثمرت شيئاً نداءاتي”، آهٍ لك يا حسن المرواني، كم كُنت تَقولني في كل كلمة عبرت بها عن خذلانك ويأسك وقَحط قلبك وشُح عاطفتك بعدما أصابك اليأس، أعلم تماماً أن الجماهير ستكون في حالة من الاستغراب من مصير شوق، وسيبحثون عن إجابةٍ قد تُسعف أسئلتهم، لكن ما بيدي حيلة، فإن الماضي المُكدس عليه أن يُروى كما هو……

وصل إلى ذهني الأحداث التالية للقصة فبدأت بخطّها على أوراقي وكلمات كاظم تُهيّج قلبي الثّملِ …

الحلقة الثانية “فلاش باك”

لقد سئمت جسدي هذا، هذا الجسد الذي يرتديه كل يوم زوج أمي، ويستغل رتبته في هذا الوطن لكي يُسلّط طغيانه عليّ بـ اسم السلطة وتَقدُمة الوليمة مني لـ مكافأته كل ليلة على جهوده في حماية حدوده!!.

رن هاتف المنزل، فـ ركضت إليه لأجيب، فكان الصوت على الطرف الآخر لـ أمٍّ يرتجف صوتها وهي تناجيني لكي أقنع هذا الفاسد الذي يُسمى زوج أمي “أبو خالد” أن يَفكّ شره عن ابنها الذي تم اقتياده لخدمة العلم ووضعه تحت سلطة أبو خالد الأرعن فـ لم يُضيّع فرصة جعله يتذوق المرّ بغية دفعه للانصياع وتنفيذ أوامره…

أخبرتها أنني هشة للدرجة التي لا تسمح لي بالتحدث إليه، ولكني وعدتها بأن أخبر أمي علّها تستطيع استعطافه قليلاً، وفي المساء بينما كان يجلس زوج أمي وهو يشاهد التلفاز ويبصق الطعام من فمه بطريقة مقززة، رأيت أمي تندفع نحوه وتسأله عن وقته في العمل، فكان حديثه كما يلي: بتعرفي الوطن غالي ما؟ ولأنو غالي فـ نحن قررنا نستفاد من غلاه، يعني ما معقول تخدمي أرضك الغالية بدون ما تاخدي شي بالمقابل ما؟، لهيك مافي أحلى من السلطة، بتخليكي عايشة بـ ملك الله أنعم عليكي فيه!.

– بس هيك مابيصير يا رجال، يعني أنت محسسني أنو تمن خدمتك هو التسلط عالناس، أو مدري أنا مافهمت عليك…

ضحك كاشفاً عن نابيه وقال: لأنك هبلة، كل عمرك هبلة، مابتعرفي أنو زوجك كلمتو مابتصير تنين، وأنو لتعيشي بهالبلد لازم تكوني متل الذئب تتصيدي من كل طرف لتحافظي ع مكانك، أنتِ هون أذا ماحطيتي أيدك بالريكار مع غيرك، رح يتم نفيك عن كرسيكِ وبهيك بتطلعي صفر اليدين ياغبية!!.

– طيب، ومع أني مافهمت، بس شو قصة الشب محمد اللي انسحب عالجيش جديد؟
وأنتِ شو عرفك فيه ياخانوم؟.
– لا ابداً بس حكت معي أمو عم تبكي خطي وقلت اسألك عنو وأفهم السيرة.
ما خصك بهالأمور، هاد واحد كر، لتقدري تخليه يبزق الدهب لازم تدعكيه منيح، يعني تحطيه مثلاً بمكان مافيه خدمات أبداً، تحطيه تحت أيدين عناصر ما بيرحموا، تقليلو روح روح تعا تعا، هيك متل الطابة، وكل مرة تحرضي عليه حدا يأذيه، هييييك ليترجاكي تنقليه ووقتا بتكون مغارة علي بابا انفتحت!!.

– يا ابن الحلال هاد مال حرام، لك أنت كيف قلبك بطاوعك؟
قلتلك مادخلك وروحي نقلعي ساويلي شاي وبعدا اندفسي يلا.

وددت لو أنني أقوى على خوض النقاش معه، لكنني أدركت أن النقاش مع هؤلاء عقيم، لأن نفوسهم خَلت من الإنسانية، فجلست في حجرتي أكتب رسائلي لوسام، وأترقب لحظة رؤيتي له، لكنني وكما هي العادة، كان ختام ليلتي تلك بأن يأتي هذا الأرعن ويبدأ في انتهاك جسدي كما يحلو له، وأمي داخل غرفتها توصد أبوابها لكي لا تسمع ولا تشعر حتى!!.

في الصباح، عزمت الأمر على البحث عن عمل ما، ليكن يومي مليئاً بالأحداث البعيدة كل البعد عن هذا الجو المسموم الذي يسمى بالجو العائلي، تنقلت من زاوية إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر دون جدوى، إلى أن وقفت قدامي أمام صالون التجميل الذي تعمل به صديقتي، أزلت خصلةً عن شعري بتأفف، ونظرت حولي فرأيته قادماً، كان ينظر ألي بطريقةٍ غريبة لم يسبق له أن رمقني بها.

تقدم نحوي بخطى ثابتة، وأردف قائلاً: شتقتلك… كتير ولله!.
– شو جابك لهون وسام؟ أنا شتقتلك اكتر، مابتتخيل شو فرحت بجيتك.
مابعرف شو الجابني، يمكن لأني عم دور عن شغل وبالصدفة شفتك هون، خلينا نفوت سوا لنشوف الوضع.

في الصالون، نظرت إليه وهو يطلب عملاً، بل يتوسل عملاً وفي عينيه نظرة انكسار تكاد تقصم القلب من وقع أثرها، كنت أحادث صديقتي ولكني لم ألبث أن أرف بطرف عيني حتى لا تغيب عني لحظة واحدة من وقفته تلك، ورغم أنها مليئة بالإنكسار والتوسل إلا أنها تُعبر عن رجولة مُغيبة، سرقها الوطن ودحض حجّتها ووجودها وأقسم أن يرميها في قُعر الدنيا ويُغلفها بلحافٍ خُطّ عليه، لا للحلم، لا للعمل، لا للوجود!!.

وقبل أن يخرج، سمع صوت صديقتي وهي تسألني عن نتائج التحليل، فالتفتت إلي وسألني عن ماهية تلك التحاليل، وبعد تلعثم مطول مني، وترقب أطول منه، أجبت: تحاليل ورم موجود بالفص الصدغي براسي!!.

يُتبع…

ملحوظة: القصة من وحي خيال الكاتبة.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى