قصة حب روحٌ أبت فراقي الجزء الثاني (قصص رومانسية حزينة)
طَريقتك بالربت مذهلة، أخبرني كَم مرة خلعوا فؤادك؟ تلك الكلمات الموجِعات أصدقُ دليلٍ على مدى خيبتي من حالي، أنا حسام وهذه تتمة قصتي، روحٌ أبت فراقي الجزء الثاني.
روحٌ أبت فراقي الجزء الثاني
كانت مقلتيها تشعُّ نوراً، وصوتها الأبكم أرهق قلبي!، أردت لها أن تكون طفلتي قبل أن تكون حبيبتي، لكنها كَبُرت سريعاً دون أن أدري، أو أنها لا تزال يافعة وأنا لا أدري…….
كانت الشارة الخاصة بالمسلسل تَحمل عَبق أشعاري التي تُنادي بتفاصيلها، تفاصيل تلك الفتاة التي سلبت قلبي، إذ أنها أخذت مافي جعبتي من سكينة، وتركتني لأشواقي أبقى عليها دون كلل.
بعد مَرور ستة أشهر، وصلت شوق، رغم أنها عاهدتني على العودة بعد أسبوعين، إلا أن غيابها طال حتى تعدى الأشهر، أيقنت أن قلبي الآن هو من يرتدي جسدي، لا عقلي، لذا عزمت الأمر على مصارحتها بمشاعري، فـ انتقيت وقتاً يكون الليل به ساكناً، وشوارع حلب منارة بأضواءٍ خافتة، فأرادت الدنيا أن تُسعف تلك الأجواء وتضيف لها لمسة خاصة من الحب مما جعلها تُمطر قطراتٍ تجعل القلب ينتشي بها، هنا شعرت أن الدنيا بأكملها تتهيأ للحظة تاريخية من الحب.
اخترت مقهى يقع في أزقة حلب القديمة، جدران المقهى محاطة بصور أم كلثوم وفيروز وزياد الرحباني وأصحاب الهمم الفنية، ويمتلك خلفية تجعلك تشعر أنك لا زلت تعيش في الزمن القديم الجميل ذي الجدران الحجرية والمقاعد الخشبية والطاولات المزينة بالورود الحمراء.
جلسنا سوياً، فبدأت كعادتها تثرثر دون توقف، وأذوب أنا من الحنين أكثر، قالت: هل لك أن تَعلم مدى يأسي من قلة حيلتي تلك؟
كيف للعمر أن يُخطف هكذا؟ منذ الوهلة الأولى التي رأيتك بها تتعقبني حتى صالون التجميل، شعرت بالوخز الأليم في صدري، وكأنما هناك من أطبق عليه، كان هذا الثقل هو ثقل حبك!!.
صدح صوت موسيقى أهل الغرام في خلفية المقهى، فبكيت مرغماً، لا أدري لماذا، لكنها ودون أن تسألني بكت كذلك الأمر فوضعت أناملها على يدي وبدأت أرتجف من كثرة الشوق لشوق، فقلت: أنا مُتيم بك يا ابنة هذا القلب وساكنة الروح، كل لحظة أمضيناها سوياً طوال تلك الفترة، طفوليتك المفرطة، شعرك المنسدل على كتفيك.
ثرثرتك المستمرة، بكاءك المطول، وحتى كآبتك الدائمة ومدى هشاشة روحك، جعلتني أسير حبك، كَمن وُضع القيد على قلبه ليحكم عليه بالموت حباً، والإعدام روحاً، والجَلَد شوقاً!!.
“بنفسي يامن اشتكي حبه، ومن إن شكى الحب لم يكذب، ومن لا أبالي رضا غيره، إذ هو سُرّ ولم يغضبِ”.
بقيت أعيننا تتوسع أكثر وتصرّ على ألا تَطرف حتى، خشية أن تضيع منها لحظة السلام تلك، سلام الحب، آهٍ لقلبي المسلوب بك، آه لروحي يا شوقي وعلى ما فعلته بها، قلتها في نفسي، ولكنها باغتتني بالقول: حسام دعنا من الغياب، ومن قصص الحب المتشابهة، دعنا من كل هذا الهراء، ولنكن غير مألوفين، فليكن حبنا شهياً كشهية الطعام، شهية العلاقات، شهية كل شيء…
العرض الأول لمسلسل (لشوق الروح أشتاقُ)…
الحلقة الأولى: تأليف وسيناريو (حسام الأسمر).
جلست تلك الفتاة في غرفتها تبكي، وفي الخارج كان صوت والدتها وزوجها وهما يتخاصمان ويوبخان بعضيهما بطريقة مُثيرة للاشمئزاز، وفجأة ترنحت تلك الفتاة عن انعزالها هذا وبكاؤها المستمر وقررت أن تخرج… تركض… تصرخ… لا تعلم!!
بعد أن وطأت بقدمها خارج غرفتها، أتاها صوت ذاك الرجل الأرعن، ذو الفم المملوء بالبصاق، يزمجر غاضباً بكلمات تكاد لا تفهمها “وين رايحة؟ مفكرة البيت مافيو زلمة؟ انضبي بغرفتك فوراً أحسن ما يصير فيكي متل أمك”.
تساءلت شوق في نفسها، أمي؟ أين هي؟ وجدتها ملقاة على الأرض تذرف دماءً لا تعلم من أين مصدرها، ركضت نحوها لتحاول إنقاذ ما تبقى منها، لكن الأرعن ذاك قام برفسها وأمرها بالدخول إلى غرفتها سريعاً.
ركضت شوق نحو غرفتها وتناولت هاتفها، واتصلت بالشخص الذي يُمثل بوابة الأمان والخلاص بالنسبة لها: وسام، حبيبي، ساعدني الله يخليك، زوج أمي توحش مابعرف شو عمل بماما، وسام الله يخليك الحقني فوراً.
فُتح الباب على مصراعيه بضربة قدم الأرعن، فسحب الهاتف من يدها وبدأ بضربها، لم تدرك إن كان ألمها سببه تعنيفه لها أم أنه ألم روحها على والدتها ونفسها!!.
بعد مرور بعض الوقت، وصل وسام ومعه الشرطة، فأخذو زوج الأم وأسعفوا شوق ووالدتها إلى المستشفى، بقي وسام ممسكٌ بيد شوق لا يريد إفلاتها، فسألته سريعاً: عمي رح يطلع من السجن ما؟ القصة ما خلصت هون؟ وسام جاوبني!!.
ـ شوق، زوج أمك بدو يدّعي أنو والدتك كانت على علاقة مع حدا وأنو سبب ضربو ألها دفاع عن الشرف إذا ما تنازلنا عن الدعوة، شوق ما فينا ندخل أمك بهالمتاهة رح تكوني أنت ضحيتها!!.
عبست شوق، وكأن قهر العالم كله تقوقع في جوفها، لقد قدحت فكرة عودة زوج والدتها للمنزل زناد قريحتها، كانت تخفي في معالم وجهها شيئاً مبهم لم يستطع وسام أن يفهمه، وبعد مَضي عدة أيام من التعافي، أُغلق باب الشقة على تلك العائلة المشتتة، وبقيت شوق على أمل أن يتحسن وضع وسام لكي يخلصها من هذه الحياة.
في غرفتها جلست، وسجدت لله تصلي خاشعة، تطلب منه العفو عما لا تستطيع إيقافه، لم يكن أي شيء واضحاً، لا دعائها ولا حتى وجهها ذي المعالم الغامضة، طُرق باب غرفتها بخفة، فتصاعدت أنفاسها، شهيق زفير بشكلٍ متسارع، فُتح الباب وكان زوج والدتها يحمل ملامح تَنم عن المُكر، وعيوناً تثقب جوف القلب من شدة شُحّها وخلوها من الإنسانية.
بترجاك، تركني الله يخليك، ماعاد فيي بوس أيدك.
ـ أنا يا بنت سمية بتعملي فيي هيك؟ بدك تشتكي عليي؟ نسيتي أيام الدلال والعز العزيتك ياه، نسيتي!!…
ولله مو قصدي ولله، أنا خفت ع ماما مو أكتر.
ـ طب رح سامحك بتعرفي ليش؟ لأنو شتقت لهالوش الخايف.
عمي الله يوفقك، الشي العم تعملو مابيرضي الله، ماعاد فيك تستغل ضعفي وضعف أمي…
ـ تسؤ، أنا ما برميها واطية، وأنت بتعرفي أنو كل كلمة لا بتخليني أخود منك كتير وكتير كمان، شو مفكرة الصرف العم أصرفو عليكم ببلاش!!.
ولله إذا لسه بتقرب مني لحتى أشتكي عليك وأخرب بيتك… بعد عني…
ـ شتكي ووقتا خلي مسموعياتك قدام حبيب القلب بالأراضي، أنا راسمالي قول أنو هالشي برضاتك وانحبس وارجع أطلع وعادي، وهي إذا نحبست ها، لأنو أنتي بتعرفي تماما مين أنا، لهيك ياشطورة كوني حبابة وما تصرخي عالفاضي، مافي حدا!!.
بكلتا يديه المتوحشة، أطبق يده على فمها، لم تتمكن دموعها من إثارة الإنسانية في داخله، ولا صرخاتها المكتومة، لم تكن أساساً تلك المرة الأولى له، إنه وحشٌ اعتاد أن يخلع زيّه العسكري، ويرتدي جسدها كل ليلة…
“لم أعلم سبب كتابتي لهذا التفصيل، ولم أدرك حقاً لِمَ رسمت لشوق هذه الحياة؟”.
حلب ربيع 2011، بدأت الحرب تطرق أبواب بلادي الحبيبة تلك، وتُنذر بعاصفةٍ ستأخذ معها الكثير من السوريين، ثورة، حرية، ثم براميل تترامى على الناس دون رحمة، مالك يا دمشق تبكي؟ هل مخاضك أصبح أشد ألماً؟ عند كل مخاض كنتِ تطرحين من أولادك أفواجاً.
بين مهاجر ومغترب وهارب ونازح ولاجئ، أنتِ في كل محاولة فاشلة لك لتخرجيهم من جوفك سالمين، كانوا يقطعون الحبل السري عنك ليس كرهاً، إنما خوفاً على أرواحهم المهددة داخل رحمك!!.
وقفت شوق على شرفتها تتأمل الدخان المتكاثف في كل بقعة من حلب، ورغم أن حلب كانت آخر من تجرع مرارة ما يحدث إلا أنها أكلت نصيباً ليس بقليل من الضرر، مسحت شوق دمعةً انسالت منها دون أن تدري، وقررت النزول لرؤية وسام في حديقة السبيل.
هناك بدأت تثرثر بسرعة بكلمات استطاع أن يلتقط بعضها وسام وبعضها الآخر قد خار من مسمعه، لأنها كانت تتفوه بكلمات تحمل هشاشة بين سكناتها ووجعاً.
أخبرته أنها لم تعد تتحمل، وأن هناك شيء تريد مصارحته به لكنها لا تقوى عليه، أنها تتعنف، تتعرض للذل، وتريد منه الزواج منها وفي ذات الوقت تخاف أن تُقدم على هذه الخطوة، لأنها مستعدة لأن تخسر كل شيء ما عدا وسام، حتى أمها، كانت مستعدة لأن تخسرها ولا تتعجبوا لهذا، لإن تلك الضعيفة التي رضخت لمطالب زوجها الأرعن في مقابل العيش تحت سقفٍ يسترها من الخارج.
لا يمكن اعتبارها أم، إذ أنها نسيت أن السترة تحت سقف مكشوف الوساخة ليس ستراً، إنما هو عبارة عن قاع متسخ ذو قبة مرتفعة مكشوفة، فليست الجدران والمال هو ما يسترهما، إنما الرحمة والإنسانية والأمومة التي خَلت من قلبها، هي مقياس السترة فقط!!.
فأطبق وسام قبضته على يدها، وسألها: شوق، في شي مخبيتي عني؟ ألك فترة مانك على بعضك، عم حسك متغيرة، ماعاد عندك نفس اللهفة، بحسك أنتي ومعي كأنك بمكان تاني أبداً لا عقلك ولا قلبك معي، غير أنك صايرة بتحكي كتير أشيا ماقادر أفهمها، زوج أمك عم يعمل معك شي؟.
أزاحت يده عنها وأخبرته: وسام، الدني والبلد وهالأرض كلها علينا، على شبابنا، على قلبنا، وفوق منها زوج أمي الشيطاني، كل هالأمور أنا بدي أطلع منها، بدي أهرب، بدي أطلع برا هالقوقعة ليه ماعم تفهم؟ كل همك أنو أنا ماعندي لهفة؟…
عن أي لهفة عم تحكي ببلد قتل فينا حتى الشعور؟
نحن مو بشر وسام، لأ مو بشر أبداً، حتى الحيوانات بتحس وبتتقدر، بس نحن ببلد حاظر عنك حتى الشعور، أنت مو قادر تحس بشي غير كيف بدك تاكل، كيف تشرب، كيف تهرب من قذيفة، هاون، تفجير.
نحن ياوسام أشباه بشر، هامش، مجرد صفر عالشمال، صدقني شعور الحب جوا السواد ما بيقدر يطغي بلونو عليه، السواد متغلغل ياوسام، متغلغل جوا هالروح، أنا بعرف أني بحبك، بس ماقادرة حبك متل مابدي، ماقادرة أول مافيق فكر فيك لأنو في شغل لازم فكر كيف لاقيه!!…
ما قادرة أبعتلك مسج لأنو في مصروف لازم فكر كيف حافظ عليه وما أصرفو هون وهون!!…
ماقادرة قلك بحبك لأنو قاعدة معك وأنا حاسة أنو ضربة وحدة ممكن تنهي حياتنا وبقيانة على هالخوف، فـ عن أي حب عم تحكي؟.
ـ شوق، أنا تعبان، متلي متلك، ما تكوني أنت وهالدني علي، ماقادر لاقي شغل، ولا في شي عم يسعفني، بعرف أنك عم تتعذبي تحت سلطان هالوحش، بعرف أنو البلد ماعاد تسعنا، بس حتى الطلعة منها صارت حكر عاللي معو مصاري!!
بس ما تخافي، في ناس مأمليني بشغل جديد، ومافي حال بيدوم، بكرا مابتلاقي غير مجهزلك بيت يليق فيكي ياحلوة وبنخلص من كل هالهم.
وبينما كانا يتبادلان أطراف الحديث ما بين أحلامٍ وواقع في الطرف الآخر يتصادم معها، صدح صوتٌ قوي أسفر عن صفير يُحار من أمره فلا تدرك سببه، لكن وسام المرتمي على الأرض وهو محتضناً شوق ويسبحان في بركةٍ من الدم، كان إشارة شؤم قد ترسم لهما أياماً عِجاف، أو نهاية عمر!!.
يتبع…
ملاحظة: القصة من وحي خيال الكاتبة.