قصة حب روحٌ أبت فراقي الجزء الرابع (قصص رومانسية حزينة)

كُنتُ ألوك جراحي كـ الجميل حينَ يلُوكَ الشوك، أعضُّ بنابي على سير أحداث القصة، وأحاول عبثاً إطلاق العنان للحقيقة التي أبيت تصديقها، روحٌ أبت فراقي الجزء الرابع.

روحٌ أبت فراقي الجزء الرابع

تيهَ عقلي منذ سماعي لهذا الخبر المؤلم، أشوقٌ أنتِ؟ أم أنكِ مُحياها؟ كيف للورم أن يتجرأ على اعتكاف تلافيف دماغك؟ ألم يعلم أن قلبي لا يقوى على فُراقك؟، انتهت الحلقة وتوقفت عن الإكمال لبعض الأورام التي اخترقت تجاويف عقلي وقلبي، فكان البعض ذاك هو بعض الراحة من الألم.

تذكرت صديقي خالد، وعادت بي الذكرى إلى ما قبل تاريخ الربيع العربي، في غرفتي أنا وهو وصوت فيروز تدندن بألحانها الساحرة “زعلي طول أنا وياك، وسنين بقيت”.

خالد: بَعدك موقف حياته بهي المرحلة؟
مو صار لازم تتخطى يا حسام!!.
حسام: شو اللي بدي اتخطاه؟ أنا كل هالحكي ما قادر استوعبو ولا صدقو أصلاً، روح مُستحيل تروح، هي تخاريف ورح لاقيا أكيد!.
خالد: مابعرف شو قلك بس جاي يوم ولحالك رح تقدر تلملم هالذكريات المشتتة وتجمعها مع بعضا وتطالعا عالعلن لتثبت للعالم أنك تخطيت، صار لازم تتخطى، صار لازم وكتير كمان!.

تاريخ ما قبل فقدان الذاكرة الجزئي

أنا وروح ورغم كل الأعاصير التي تطرح بنا أرضاً بلا هوادة، فإننا نُتابع مسيرنا بخطى يملؤها الحب، تلك هي البوصلة التي لطالما أرشدتنا نحو الطريق الآمن رغم الظلام الذي يسوده.

كنا نتسامر دائماً، ونتبادل أطراف الحديث، وتعاني هي من بطش زوج أمها، وأعاني أنا من كوني جندياً تحت إمرته، لم أكن أعلم أنه يعتدي عليها كلما تحركت غرائزه وأراد أن يُفرغ مافي داخله من شيطانية عليها، لم أكن أدري أن ذاك المدّعي البطولة والشهامة وحفظ الأرض والعرض، كان ينتهك عرضي ذاك الذي لم يكن مثبتاً رسمياً.

وفي المقابل، لم أتمكن من مصارحته بمشاعري خوفاً عليها من بطشه، كنت انتظر الفرصة الأمثل للوصول إلى الاستقرار المادي والتقدم لخطبتها، وفي كل مرة أكون فيها في إجازة بصعود الأنفس.

كُنت أذهب للبحث عن عمل يومي بأجرة يومية، كذلك هو الحال عند روح، تلك الفتاة المتيمة بي والطفلة المشاكسة، استمرينا على هذا الحال وكنا نذهب سوياً للبحث عن عمل، في المطاعم ومراكز التجميل وغيرها، ولكن عبثاً ما نحاول.

إلى أن كشّرت الحرب عن أنيابها، وعصفت بي الرياح ووضعتني على خط الجبهة، أرمي مافي جعبتي من كلماتٍ وطنية، وأحرّض نزعة الإنسانية في داخلي حتى لا أقاتل أخي السوري، لكن الخوف من بطش أصحاب الرتب، كنت أقف مرغماً وأطلق النيران بشكلٍ عشوائي داعياً الله ألا تصيب أحداً وأن يكون الطرف الآخر يخاف على روحي مثلي!!.

كان زوج والدة روح شديد السخط والعدوانية، ودائم التذمر والغضب كما أنه كان يشتمني بأسوأ الألفاظ وكأني عدواً له لمجرد أنني رفضت الدخول إلى الأحياء بين المدنيين العزّل ورفضت أن أُشارك في تلك المجازر التي تحدث!!.

لم يكن الرفض أمراً شائعاً بين أوساط الخدمة العسكرية، فإنك إما أن ترضخ أو ترضخ، فلا مجال آخر لفعل أي شيء، لقد أخبرني بصريح العبارة، أن الأمر لن يكلفه سوى طلقة واحدة تخترق رأسي من أقرب أصدقائي ما لم أرضخ للأوامر وأنفذها، ثم ينهي زمجرته تلك ويقول “نفّذ ثم اعترض”!!.

فكرت مراراً وتكراراً في حلٍّ يخلصني مما أنا به، لكن الإجازات كانت متوقفة والهروب أمراً شبه مستحيل، وتنفيذ الأوامر بالنسبة لي أمراً لا مجال فيه للنقاش، فما هو الحل؟.

وجدت حلاً قد يخلصني ولكن به مخاطر جمة، وبينما تم إرسالنا في مهمة إلى شارع (علي الوحش) في دمشق، كنت اختبئ بين الجدران علّها تُبعد عني سيل الرصاص الذي يمطر فوقنا، وصل أحد الضباط مع خمسة عناصر، ومعه عشرين مدنياً أعزل، أوقفهم في غرفة وأمرنا بمشاهدة ما يحدث، والغريب في الأمر أن الضابط المسؤول من أبناء تلك المنطقة وأولئك هم جيرانه أغلبهم!!.

ولكن الله أعلم بالامتيازات التي حصل عليها حتى باع أبناء دمه ودينه ورضخ لأوامر عليا تمنحك ترفيعة ومنصب مرموق ما إن نفذت المجازر بحق العزّل الملقبين بـ “الإرهابيون”.

أحد أولئك المدنيون، كان يتوسله ويقول له: “أرجوك عندي أطفال أرجوك”، فُطر قلبي وكأن سهماً أخرجه من جوفي، ثم…
أطلق الضابط والعناصر النيران على أولئك العزّل وتمت تصفيتهم بدمٍ بارد، فـ انسالت دمعةً مني عنوة ومسحتها بطرف بزتي العسكرية.

تلك الحادثة أوقدت في قلبي نيراناً، وعزمت الأمر على فعل ما فكرت به، فتوجهت بين أقبية الأبنية لكون كل قبو فيها مفتوحاً على الأقبية الأخرى بما يسمى “الطلّاقيات”، وكنت أخشى على نفسي من الطرف الآخر إن التقطني ببدلتي تلك وأردني قتيلاً!.

فلا أعلم حينها إن كنت شهيداً حينها أو لا أكون!، وبينما أنا أتسلق تلك الفجوات وأعبرها، كنت أطرح بزتي من على جسدي لنقمي الكبير عليها وعلى ما ظننا أنها تحمله من شعارات، أنا أعلم أن حربنا تلك كان بها حقاً إرهابيون، لكن أولاد البلد هم أوائل القضية، ولربما دخول الفصائل بين أوساطهم كان حركة من الدولة الساقطة تلك لتجد ذريعة لها في مقاومتها للإرهاب.

وبين هذا وذاك، ضاعت “الطاسة” فلم نعلم ما إن كان الطرف الآخر جميعهم مُدانون بضمهم للفصائل في صفوفهم أم أنهم مرغمون لهذا، حالهم كـ حال الجيش، والذي يتوسطه أشخاصاً مرغمون ومؤمنون بالقضية الوطنية، أو بعضهم أُخذ قسراً من منزله لخدمة العلم.

وصلت إلى منزل سكني، كان به عائلة مؤلفة من رجل وامرأة وثلاثة أولاد، طمأنتهم وقلت لهم أنني هارب ولا أعلم ممن، وأرغمني قلبي على الاطمئنان لهم حتى أخبرتهم قصتي، ولكن رأيت في أعينهم خوفاً من أن أكون جاسوساً للجيش، ومع هذا، كان أول ما طلبته، هو هاتف للتحدث مع روح!.

حسام: روح حبيبتي كيفك؟
روح: حسام، قلبي متل النار، نطرتك كتير وينك أنت؟
حسام: ولله ياروح صار معي قصص كتير، مابعرف شو احكيلك بس كل البعرفو أنو عن قريب رح حاول أهرب بمعية الناس الطيبة وأوصل لعندك، بس مافيي أمرق عالحواجز لأنو مامعي بطاقة إجازة لأمرق.
روح: مافهمت!! مو أنت مهمة؟ زوج ماما خبرني أنكن بمهمة صعبة اليوم، كيف إجازة يعني؟.
حسام: مو مهم، المهم مافيي شوفك إلا لأخود هوية مدنية واتحرك فيها بحرية لأوصل لحلب، ستنيني هنيك أيي.

ولاختصار تتمة الأحداث، استطعت الحصول على هوية مدنية لشخصٍ يمتلك مواصفاتي، وذهبت بها إلى حلب، وهناك التقيت بـ روح حيث طلبت مني ملاقاتها في صالون التجميل المتواجد في أحياء حلب.

وعندما التقينا، أخبرتني أنها مصابة بورم خبيث في رأسها، وأنها تحتاج إلى عملية قد يكون من الصعب عليها أن تنجو منها، وأنها غير مبالية بأي شيء سوى أن أكون بأمان، لأن زوج أمها علم بهروبي وانشقاقي، ووضع اسمي على الحواجز والحدود.

لم أعي ما يحدث، أو ما الذي فعلته بنفسي، كيف لها أن تعيش فترة مرضها دون أن أكون بجانبها؟، كيف لها أن تمرض حتى؟ ما الذي فعلته أنا حتى أقيم الحدّ على حياتي وأودي بنفسي نحو التهلكة؟.

لم نقضي أوقاتاً كثيرة، لأن الدمع كان هو أحاديثنا الجديدة، فكرة وداعها لكي تسافر إلى الساحل وتبدأ برحلة العلاج والخضوع لعمل جراحي، كان يقتلني من الداخل، وكنت أحاول عبثاً أن ألملم جراحي لأجعلها أقوى، بينما كانت تحركاتي قليلة ولم أكن قادراً على التواجد في المنطقة أكثر، أخبرتني أنها راحلة، وودعتها قهراً، وحملت خيبتي ودموعي وكسرتي من القدر الذي كُتب لنا في جحري وتوجهت إلى الحديقة!.

بين الأشجار، جلست متكئاً على الشجرة، وأنوح كالطفل الصغير ويأن قلبي أنيناً أذاب روحي وروح من سمع صوتي، أتتني امرأة تسألني عن حالي، فقبّلت يديها لإنني وجدت في كفة يدها رائحة أمي التي حُرمت من رؤيتها أيضاً بعدما فعلت مافعلت!!.

وفي لحظة لم أعي ما حدث بها، غير أنني سمعت دوي انفجارٍ قوي، صدح صوته كالطنين في أذني، ولم استيقظ سوى في المستشفى!!.

يتبع…

ملاحظة: القصة من وحي خيال الكاتبة.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى