قصة حب “روحٌ أبت فراقي” من أجمل القصص الرومانسية الحزينة 

ثم إنك كالليل تُظلمين قلبي، وهواك داخل روحي مُضاءُ، شوقٌ أنتِ وعطرك شذي، ومزمار القلب الشجي لا مناص له من النداء، قصة حب “روحٌ أبت فراقي”.

قصة روحٌ أبت فراقي (الجزء الأول)

تبدأ عاصفة قلبك، متى نبضَ حباً…

بإمكانك الغوص في مشاعرك حتى النهاية، والإفراط في عواطفك وحتى البكاء والعويل لأجل من تحب، هذا ليس إلا حب الذات للجَلد….!!

أنا حسام، أبلغُ من العمر 25 ربيعاً، تخرجت متأخراً، وابحث عن عمل!!

كل مواقف الحياة كانت تمر من حولي مرور الكرام، لكني الآن ألحظ كل تفصيلة دون أن أرف بطرف عيني، وكأنني أبحث عن شمّاعة أُعلّق عليها فشلي.

تخرجت بصعوبة، ابحث عن عملٍ بمشقة، ويمر الوقت ببطءٍ شديد، مروره أشبه بسجنٍ ليس فيه صوت سوى صوت صنوبر متعطل تقطر منه المياه كل ثانية، صوت يستفز عقلي ويؤجج جوارحي.

حلب، ربيع 2009 صباحاً…

نطقت السماء بتغريدة عصفورٍ مطروف الجناح توقف على شرفة منزلي.. تأملته لبرهةٍ حاسداً إياه على شعور الحرية والتنقُل كيفما يشاء.

ما هذا الهراء؟ تراني أحسده قبل حتى أن أراه؟ حسناً دعونا من تلك الترهات.. لأكمل حديثي هذا رغم أنني لا أعلم سبب رغبتي بمشاركتكم إياه…….. لكن لحظة!!

من أنتم في الأساس؟ لا أدري لمن أكتب أو لماذا… لكني سأقولها من جديد.. كل ما أحاول بعثرته من حبرٍ على أوراقي هو محاولة إنسان أن يشعر بأنه إنسان.. محاولةٌ لقلمي بأن ينقل ترانيم قلبي وثقل كاهلي وألم روحي بين الصفحات، فهلّا سمعتموني؟

بعدما رأيت أن صباحي بدأ بمحاولة معالجة هذا الطير، تأملت خيراً بأن أجد عملاً يشعرني بأني رجلٌ في نظر نفسي قبل نظر أبي، أنا كباقي الشباب نصارع ونحارب لنحافظ على شعور الرجولة الذي يرضي نزعتنا، نحن ضعفاء، بل إننا في الحقيقة جبناء… لمَ علينا دائماً أن نثبت لأنفسنا بأننا رجالٌ؟

ألا يكفينا حفل الطهور الذي قد شُيّد لنا في الصغر؟

أو الملامح الخشنة التي تميزنا؟

أم أن هذه المظاهر الخداعة لا يمكن لها أن تصف الرجولة؟ هل حقيقة الأمر تلك التي نختبئ لنبعدها عن أعيننا بأن الرجولة تكمن في مدى ثراء جيبك هي المقياس؟

لمن نريد إثبات تلك الفحولة والرجولة؟ للعالم؟ أم لأنفسنا؟

انهيت كوب قهوتي وذهبت باحثاً عن هدفي…

شوارع حلب تتميز بشيءٍ لا يمكنني وصفه بالكلمات، تلك الأزقة الضيقة في شوارعها القديمة… أصوات الباعة في الأرجاء… رائحة الخبز الطازج في الصباح.. الفول والفتة.

روائح لو تجمعت العطور الفرنسية بأجمعها لن تتمكن من حمل تلك الروح المكنونة داخل كل رائحة يشمها أنفك.. يقال أن من يشرب من ماء النيل.. لا يغادر مصر ابداً… وأنا أقول أن من يتمشى في شوارع حلب صباحاً وأرصفتها مبللة بالماء لن تغادره حلب ابداً!!!

قدماي تتنقل هنا وهناك دون ملاقاة رجائي.. هل سأعود خائباً هذه المرة ايضاً؟؟

في لحظة أشبه بوميضٍ من الضوء القوي.. ظهرت…….. بملامحها الفاتنة تلك وشعرها الأسود.. بتلك النعومة الصارعة للب.. كانت تحدق في المجهول.. لم تكن عيناها مصوبتان نحو مكانٍ محدد، إنما كانتا تطوفان في الأرجاء وكأنهما تبحثان عن شيء.

عيناها لوزية بلون بني قاتم تلمعان ببريق ملفت للأنظار، تطايرت خصلة من شعرها على وجنتها فأزاحتها برقةٍ خطفت قلبي… هل في هذا الكون كائنات تستطيع أن تأخذك إلى عالمٍ آخر في لحظةٍ واحدة سوى الأنثى؟؟؟

بالأخص أنت!!

تعمدت مراقبتها من بعيد ولا أعلم سبب تطفلي هذا.. لربما رغبت أن أبعد عن نفسي خيبتي من عدم قبول الأماكن التي قصدتها بأن يوظفوني لديهم…

رأيتها تذهب فتتبعت خطواتها كمراهقٍ يلاحق فتيات المدرسة حتى مقصد بيوتهن…

توقفت فجأة أمام صالون لتزيين شعر السيدات بإدارة شاب!!!!

فتذكرت سريعاً أنني متقنٌ للمهنة حباً وعشقاً… أتراها تلك مصادفة؟

تشبه إلى حدٍ كبير تلك الفرصة التي كان عليك اقتناصها لكنك لم تتنبه لها؟ بأن تلك الفتاة ظهرت فجأة لتوقظني بأنني عليَّ البحث عن شغفي أكثر؟

دون تردد توغلت داخل الصالون وقدمت نفسي بقوة وكأنني امتلكت فجأة ثقة عمياء بنفسي.. ربما رؤيتها كانت السبب أو نزعة الرجولة الحمقاء التي زُرعت فينا أرادت إثبات نفسها أمامها، لا أعلم!!

عدت إلى المنزل وكُلّي أمل بأن يوافقوا على طلبي للعمل لديهم… كنت اتمشى في المنزل ذهاباً و إياباً جاعلاً أمي متسائلة عما يشغل عقلي… غير مركز في كلماتها سوى أنني أعلم أنها تتحدث وتتساءل.. ذهبت إلى غرفتي وبدأت أناملي تعزف على البزق تلك الأنغام التي اعتادتها وعشقتها فـ عَمدت دائماً أن تتراقص على الأوتار لتنقل فجاجة أوجاع قلبي ومدى ضيق صدري.

بعد مرور عدة أيام على تقدمي بطلب العمل لدى صالون التجميل، وبعدما أكل اليأس من روحي الكثير، رن هاتف المنزل، فأسرعت للإجابة، فكان على الطرف الآخر صوت أرق من حدّ السيف…..

ألو، حضرتك الأستاذ حسام؟

ـ أيوه أنا، تفضلي؟

من فترة قدمت طلب على عمل ككاتب سكريبت خاص بالمسلسلات، وحالياً عنا شاغر فإذا فيك تتفضل لعنا مشان المقابلة.

طافت روحي في الأرجاء واقعةً في منتصف حدّين، هل أنا سعيد لحصولي على فرصة للعمل؟ أم أنا حزين أنه لم يكن الهاتف المنتظر؟.

أستاذ….. حضرتك عم تسمعني؟

ـ عفواً، بكرا الساعة 12 بكون عندكم!!

انتهت المكالمة وانتهى معها أمل الحب، وبدأ أمل العمل، يا لسخرية القدر حقاً.

مرّت الأيام والسنين تباعاً، وأنا أعمل لدى هذه الشركة وأكتب دون توقف، هذا أيضاً شغفي الذي لا ينطفئ أبداً، وعندما أردت أن احتسي القليل من القهوة في فترة الراحة، رأيتها من جديد، ترتدي فستانها الوردي، وتترامى خصائل شعرها على كتفيها مهيجة بهذا نبضات قلبي، اقتربت مني، وحاولت أن أتماسك.

ما لقلبي لا يتوقف عن الصعود والهبوط بقوة؟ هدئ من روعك يا رجل، عليك أن تتمالك نفسك، قلت لنفسي.

كيف حالك أستاذ حسام، أنا شوق، أعمل في المطعم القريب منكم، وسمعت كثيراً عنك، لقد تحدثت الألسنة عن أعمالك بكل خير، إلى أن تدافعت أقدامي للتعرف على صاحب هذه الشخصية، وعندما رأيتك من بعيد أدركت أني رأيتك في مكانٍ ما ولكني لا أتذكر!!.

تلعثمت وحاولت أن ابتلع ما ظهر من خجلي، علّي أوقف كَم هذا الترطيب الذي بدأ يتجمع في جوف فمي وظاهر جسدي وجبيني، فأردفت قائلاً بغباء: لا أدرك إن كنا قد التقينا سابقاً، لكني تشرفت بمعرفتك ياشوق.

يا لسذاجتك يارجل، هل انتظرت هذه اللحظة لكي تدّعي أنك لست مهتم؟، فقالت لي: أتمنى أن نستضيفك في المطعم ذات يوم ونتعرف أكثر إن أمكن!!.

بالطبع…… قلت.

فذهبت مودعة، وضربت رأسي بباطن كفي وأنا اشتم هذه الشخصية الفظة التي ظهرت بها أمامها، إنها شوق، والشوق إليها يزداد، فكيف لي أن أقابلها بهذا الغرور؟ أنا الذي كنت منذ ثلاثة سنوات لا أملك ليرة واحدة يمكن لها أن تشعرني برجولتي، أنا الذي منذ سنوات كنت أشعر بأنني نكرة لا مكان لي من الإعراب……

ولكني عزمت الأمر أن أُصحح ما فعلت، وقررت الترجل عن كبريائي الذي ظهر هذا، وامتطي ظهر التواضع وأذهب إلى المطعم بعد يومان…… ذهبت في فترة الغداء، وتأملت أرجاء المكان علَّ ألمح بريقها الآخّاذ، فرأيتها ترتدي زيّ وردي ومإزر أبيض فوقه، كانت كـ فتيات الباربي، أو أن قلبي يراها هكذا لا أعلم، توجهت إليها وصافحتها، كتصحيحٍ واضح وصريح عن الموقف الساذج الذي سبق هذا اللقاء، متجهّز بسلاحٍ موجه صوب قلبها بأنني الرجل المتواضع الذي لا مثيل له……!!

طلبت منها أن تنضم ألي لمشاركتي الغداء فاستأذنت مدير المطعم ووافق مرغماً لأنني الأستاذ حُسام الأسمر “على سن ورمح” كما يقال، ولا يجب عليه أن يرفض طلبي هذا.

كانت تتناول طعامها سريعاً وكأنها تتهرب من شيء ما وتحاول اللحاق بآخر ميترو سيمر لرحلة الحياة، وأنا كنت أتناول تفاصيلها بشراهة أكبر، فلا أُزيح نظري عنها بل إنني تجاوزت حدودي عندما وقعت عيني على ثغرها الوردي الملطخ بصلصة الباستا تلك، كنت أشعر بأنها تتناول روحي في كل لقمة وتضعني داخل تجاويف أمعاءها انسال كالعصارة التي تضيع.

بدأت تُحدثني عن حالها، وعن الفقر المدقع الذي تعانيه، وعن معاملة زوج أمها السيئة، وتلك الأزقة الضيقة العشوائية التي تعيش بها، وأنها تحلم بأن تدخل عالم الفن، لأنها تشعر أن شغفها هنا، بدأت أنسج فيض تلك المعلومات والأسرار في عقلي وأخبئها في ذاكرة موصدة الأبواب.

تكررت لقاءاتنا، بين صدفةٍ ولقاء متعمد، ولكنها ذات يوم، باغتتني بالقول، بأنها ستذهب إلى صديقاتها في المحافظة الساحلية، ولن تعود قبل أسبوعين، وأننا سنتواصل على الهاتف كلما استطاعت، فأصاب قلبي القحط، من شدة القهر، كيف لقلبي أن يتحمل هذا البعد وإن كان لأيامٍ فقط؟.

لكنني حاولت ادعاء اللا مبالاة، لأن مشاعري لا تزال مكبوتة ولا يمكن لها الخروج لسببٍ أجهله، وفي هذه الفترة طُلب مني كتابة مسلسل فكرته تقوم على الحب ولكنها تحمل في أطرافها أو ختامها آسى يجعل القلوب تموت بفاجعة القهر، فـ وجدت سريعاً فكرتي………. إنها أنتِ.

جلست على مكتبي وأوقدت بضعة شموع من شأنها أن تمنح الجو القليل من السكينة، وقمت بوضع صوت أم كلثوم على الراديو، ليكن في أمر كلماتي ما يُشجي المشاهدين.

“وقابلتك أنت….. لاقيتك بتغير كل حياتي….. ماعرفش ازاي أنا حبيتك، ماعرفش ازاي، ياحياتي!!”

لا ولله لا أعلم كيف أحببتك ياشوق، بدأ قلمي يسرد الحكاية بشعرٍ بدءاً من عينيها، تلك التي سيبدأ بها عرض الحلقة الأولى للمسلسل.

“والشوق إليك يزداد شوقاً،
فيضاعف الشوق أشواق،
عيناك تلك التي تصرع ذا اللب،
وتُثير في القلب تضارباً من فرط الهوى،
فما كنت أعلم قبل بادرة النوى،
أن الأسود فرائس الغزلان،
وأن الروح تصيدها فتاة،
خُبزت بطريقة شهية تَصدع البنيان”

يتبع…

القصة من وحي خيال الكاتبة.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى