حقائق ومعلومات عن سجن صيدنايا (المذبحة البشرية) لنظام الأسد

مذبحة بشرية تجعل اللسان عاجزاً عن وصف الدموية التي تكمن داخل جدرانها، سجن صيدنايا (المسلخ البشري)، زنازينه تحكي قصص وويلات المعتقلين.

سجن صيدنايا

افتُتح هذا السجن أو ما يُعرف بـ اسم المسلخ البشري سنة 1987م، ويقع على بعد 30 كم شمال دمشق/سوريا، ويخضع هذا السجن لوزارة الدفاع وتتم إدارته من قبل الشرطة العسكرية، وتصميمه الحصين يتكون من ثلاثة مبانٍ كبيرة تلتقي عند نقطة تسمى الـ (مسدس) وكل مبنى فيه ثلاثة طوابق تضم 20 مهجع لكل طابق، وأما عن نقطة التلاقي (المسدس) فهي تضم السجون الانفرادية وهي أكثر منطقة محصّنة.

وقد تم استخدام سجن صيدنايا لاحتجاز آلاف الأشخاص سواء كان هناك تهمة مباشرة لهم أو تم تلفيقها عليهم!.

ما يجعلك تشعر بالبؤس الآن، هو أنه وبعد نجاح الثورة السورية بتحقيق أهدافها وإسقاط بشار الأسد، فقد أطاح الأسد للمرة الأخيرة فرحة الشعوب، وذلك بعدما تم الكشف عن الويلات الموجودة داخل سجونه، أو الأصح أن نقول، داخل تلك المسالخ البشرية والتي جعلت فرحة النصر غير مكتملة بعدما شوهدت الأفعال الشنيعة التي كانت تُطبق وراء تلك القضبان.

جميع السوريين كانوا يعلمون أن التفوه بحرف يُدينهم بمعارضة الحكم قد يعرضهم لخطر الموت والاختفاء تحت (سابع أرض) كما يُقال.

بَيد أن الجميع كان على علم بأن الداخل إلى السجن مفقود والخارج مولود، وأن تلك السجون لا يمكن لك حتى أن تسأل عن المعتقلين فيها لكونك ستكون رقماً آخر يضاف إلى أرقام للمعتقلين في حال حاولت أن تفهم شيء أو تبحث عن أخاك المعتقل أو غيره.

ولكن انتصار الثورة السورية ونجاح قوات (ردع العدوان) في إطاحة الحكم وإسقاط الطاغية بشار الأسد، وتسليم القيادات والانسحاب بشكل تدريجي وسلمي ودون مواجهة قد كشف عن كَم التعذيب الذي يحدث في هذه المعتقلات.

حيث أن تلك السجون تضم محتجزين من مختلف الطوائف والأديان وأيضاً بتهم مختلفة فمنهم سياسيين وبعضهم من الأحزاب الكردية وأيضاً معتقلين شيوعيين وجماعات الاخوان وفلسطينيين ولبنانيين وعساكر منشقة أو عساكر وضعت بتهم متفرقة أو حتى تم زجّها من فراغ!!.

فقد ضم السجن الكثير من الأطراف الغير موالية لسوريا وكل ممن يشكك النظام في ميولهم السياسة وآرائهم أو ممن كُتب عنهم تقرير جائر وتسلطي أو غيره!.

ولا تتعجب عندما أخبرك أن بعض أولئك المعتقلين من العساكر أو عناصر الجيش قد وضعوا داخل تلك السجون بسبب رفع أصواتهم ضد أصحاب القيادة أو لكونهم لم يستجيبوا لأمرٍ ما!.

صيدنايا المذبحة البشرية

عادةً ما يتم نقل المعتقلين إلى داخل هذا السجن من قبل سجون آخرى، وهناك حيث تدخل فلا مناص من الموت على الإطلاق، وإن استطعت الخلاص فإنك ستخرج فاقداً لعقلك أو غير سوي بالتأكيد.

تم الكشف داخل هذا السجن بحسب المصادر أن عدد المحتجزين وصل إلى أربعة آلاف سجين وأكثر، كما أن السجن ينقسم إلى السجن الأحمر والذي ضم 1483 سجين بتهم خاصة بالإرهاب والسياسة، والسجن الأبيض والذي يضم 2817 سجين ممن اعتقلوا قضائياً، ويبقى العدد الفعلي مجهولاً، بسبب الأعداد الهائلة للوفيات التي تم التخلص منهم وكأنهم أرقاماً لا أسماء وأرواح!.

وقد بينت إدارة السجون أن هذا العدد هو العدد الفعلي لمن تم تحريره من سجن صيدنايا أما عن البقية المجهولة فقد تلاشى كل ما يخص جثثهم وذلك بسبب القتل الدموي وانتهاك أحقية الروح بالخلاص بسهولة، فكانت سياسة حد السكين في تلك السجون ليس النحر الذي قد يكون رحيماً، إنما الموت البطيء!!.

أشارت التقديرات أن هناك نحو 30 ألف معتقل قد قضوا نحبهم بالتعذيب أو القتل وما إلى ذلك أو حتى بسبب الجوع ونقص الرعاية الطبية لهم، وقد تم الكشف عن 40 جثة كانوا في مشفى حرستا العسكري وبعضهم قد قُتل حديثاً، وترجح المصادر أنهم كانوا سجناء في صيدنايا نتيجة أساليب التعذيب الواضحة عليهم حيث أن بعض تلك الجثث لم تكن لها عيون ووجوههم مشوهة مما جعل معرفة هويتهم تبقى مجهولة!.

قصص وحكايا سجن صيدنايا

عندما تحاول التوغل نحو الحجرة المظلمة داخل تلك السجون، ستجد حجرة الملح، تلك التي كانت تستقر بها الجثث قبل نقلها إلى مشفى تشرين أو وضعها في مقابر جماعية!.

ستفقد عقلك لمجرد محاولة فهم سراديب هذا السجن والعقدة الهندسية في تصميمه، حيث تضم كل حجرة فيه سواء كانت حجرة جماعية أو فردية قصصاً محكية لا يمكن أن يتحملها عقل.

ستسمع صوت مازن الحُمادة الذي تخلص من تلك السجون وسافر إلى هولندا وحاول أن يقدم صوته للكشف عن أساليب التعذيب في السجون السورية، ليتم إرسال تهديد صريح لعائلته لكي يضغطوا عليه بالعودة والتعهد بتأمين حياة كريمة له، وعندما عاد، كان الموت بالتعذيب هو خاتمة قصته وشهادته المحكية تلك التي لم تصدح أكثر إلا بعدما سقط نظام هذا الطاغية، وقد شيّع جثمانه بعدما تم التعرف عليه من قبل عائلته في أحد المستشفيات في دمشق.

ستجد داخل تلك السجون رجلاً أردنياً اسمه (أسامة البطاينة) قد دخل السجن عندما كان يبلغ من العمر 18 عاماً وخرج منها مسناً خمسينياً فاقداً للعقل، وهناك شابٌ ثلاثيني خرج منها لا يستطيع التحدث بسبب فقدانه لعقله وتهمته مجهولة، لكونه دخل السجن عندما كان متوجهاً للتقدم لامتحان في كلية الطب البشري!!.

وستجد طيّاراً خرج وهو مسن وقد تم سجنه بسبب رفضه لأن يقصف مدينة حماة في عام 1982م، ليكون جزاؤه أن يمضي 43 عاماً من عمره خلف تلك القضبان.

ستسمع صوت صراخ النساء والرجال المعتقلين بغير حق، حتى عندما خرجوا، كانت الزنازين تصدح بأصوات صراخهم الذي كان مكتوماً لسنوات.

خرجت النساء والأطفال معهم، وهنا ارتفع صوت السؤال في الأذهان، أي عقلٍ يمكن له أن يعي أن امرأةً تتعرض للاغتصاب وتنجب طفلاً داخل تلك السجون والطفل هذا لا يمكن له أن يدرك ضوء الشمس حتى!.

عندما رأينا تلك النسوة خارجات وبعضهم لديه أطفالاً بأعمار مختلفة، تذكرنا لقاء (ميشيل كيلو) وهو كاتب سياسي وعضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية المعارضة مع المذيعة (زينة اليازجي)، حيث وصف لها حادثة مأساوية اعترضته في أثناء تواجده في السجون السورية، وذلك عندما تحداه الحارس آنذاك أن يذهب لزنزانة امرأة في السادسة والعشرين من عمرها تملك طفلاً سبق لها أن حملت به وأنجبته داخل هذه الزنازين.

وكان التحدي ينص على سرد قصة قصيرة للطفل، ليدخل ميشيل زنزانة الطفل وأمه ويجد الأم متكورة على نفسها من شدة الخوف، فبدأ بمحاولة سرد القصة للطفل قائلاً: (كان هناك عصفور) ليستوقفه الفتى متسائلاً: (ما هو العصفور)؟
يكمل قوله ميشيل: (وقف على الشجرة) واستطرد الطفل متسائلاً: (ما معنى شجرة)؟.

وهناك امرأة خرجت وهي في عمر الـ 32 رغم أنها سُجنت في عمر التاسعة عشر ولديها ثلاثة أطفال مجهولي الآباء، مما يدلنا على أن الاغتصاب والتعذيب والصعق أو تنفيذ إعدامات جماعية أمام المساجين لبث الذعر في قلوب البقية منهم أو أساليب الإذلال جميعها تصف وحشية وقذارة بشار الأسد وحاشيته المختلفة ممن يعيثوا فساداً على المجتمع بأكمله وبمختلف مكوناته!!.

والكثير من الانتهاكات التي لا يمكن وصفها بتعابير على الإطلاق، بل إن الكلام يقف عاجزاً وحائراً أمام هذه الوحشية والدموية واللا رحمة، حيث أن مثل هذا السجن يكون الموت فيه أرحم من فكرة البقاء والتعرض للتعذيب المستمر مما يجعل من بقي على قيد الحياة، يعيش كابوس صيدنايا للأبد ولا يمكنه الخلاص منه على الإطلاق.

تلك القصص تبين لنا جزء قليل مما يعيشه المحتجزين، حيث أن الرعب وصل بهم لأن يقوموا باستخدام مكبس الأجساد والغاية من هذا المكبس هو التخلص من جثث المعتقلين بعد إعدامهم أو حتى لقتل المعتقل وهو حي من خلال ضغطه بهذا المكبس!!.

بينما بيّن البعض أن هذا المكبس تم استخدامه من أجل رفع الجثث بعد إعدامها، ولكن الكثيرون أجمعوا أن الغاية من هذا المكبس هو التخلص من سوائل الجسم بعد أن يتم كسر عنق المعتقلين بحبال غير مخصصة للإعدام في الأساس!.

وأكثر ما يثير الاشمئزاز هو فكرة التعامل مع الجسد وكأنه خاوٍ من الروح، أو أنه عبارة عن مادة خام تحتاج الضغط، ولكن ما يضعنا في ريبة وشك هو تأكيد مدير رابطة معتقلي سجن صيدنايا (دياب سرية) والذي بيّن أن هذا المكبس لم يستخدم لطحن الجثث إنما لضغط ألواح الخشب من أجل صيانة أثاث غرف الضباط في السجن!!.

والبعض بيّن أن هذا المكبس البشري هو فعل شنيع وحقيقي وأنه حقاً يُستخدم لإخفاء الجثث وتخفيف وزنها خاصةً وأنه بعد ضغط الجثة فقد كان يتم استخدام مادة لإذابة جثث المعتقلين وهي مادة (الأسيد) أو (حمض الهيدروفلوريك)، ولكن لم يتم التأكد من صحة تلك الأقوال حتى الآن.

فهل يمكن أن تجد وصف دقيق لهذا المشهد المأساوي أو لتلك المظاهر داخل هذا السجن؟ هل يمكن لك أن تحتمل تلك الروائح الكريهة في سجون لا تملك أدنى معايير الحياة داخل جدرانها؟ هل يمكن لك أن تتخيل أن بعض المعتقلين كانوا يخطئون بين زجاجات الماء والبول؟.

إن أعداد العائلات التي تترقب أبنائها أو أولادها أو أزواجها وزوجاتها تتخطى الآلاف منتظرةً بارقة أمل تخرج لهم من خلف تلك القضبان، ليبدأوا بتوضيح المعاناة التي عاشوها للدرجة التي جعلتهم يتكتمون عن غياب أقربائهم مخافة البوح والسؤال عنهم مما يودي بهم للرقود بجانبهم في السجون، لك أن تعي أن الكثير تمنى لو أن من يبحث عنه يكون متوفياً لا سجيناً بعدما عَرف أساليب التعذيب الواقعة داخل سجن صيدنايا؟.

عند هذا الحد، يقف التعبير، وتعجز الكلمات عن الخروج أكثر، ولا يمكن لنا إلا أن ندعو من الله أن يرحم جميع شهداء سوريا بمختلف مكوناتهم وطوائفهم وتوجهاتهم والدعاء بالسلام لـ سوريا العز والافتخار ونبض الحضارات.

المصدر: الجزيرة + العربية + BBC.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى