قصص تاريخية

ماهي قصة سفينة التيتانيك – كيف تم بناؤها وكيف غرقت

جسدت سفينة التيتانيك الغرور البشري والمأساة الإنسانية التي لم تغرقها الأمواج بل أغرقها الغرور والقدر لتكون أكبر كارثة بحرية في التاريخ، فما هي القصة الحقيقة؟

سفينة التيتانيك

تُعد سفينة التيتانيك واحدة من أشهر السفن في التاريخ التي ترمز للفخامة والقوة وضخامة الحجم، فهي لم تكن مجرد قصة عابرة بل كانت قصة لمأساة بحرية، أُطلق عليها اسم (السفينة التي لا تغرق) نظرًا لضخامتها، فهي ملحمة جسدت أحلام البشرية وطموحاتها وغرورها وانهياراتها إلا أن نهايتها المأساوية باتت تحذيرًا مؤلمًا حول مخاطر الغرور والثقة المفرطة.

شُيدت التيتانيك لتُصبح مدينة كاملة من كافة الأركان مع توفير كل مصادر الرفاهية والراحة التي تسير في المحيطات، فبُنيت لتتَسع لأكثر من 3500 راكب وتم تزويدها بمحركات تردُدية صُنعت لها حيث يبلغ ارتفاع المحرك 12 مترًا ومزود بأسطوانات يبلغ قطر الواحدة منها 2.7 متر، مما سمح لها بتوليد كمية كبيرة من الطاقة البخارية أكثر من أي سفينة أخرى كانت معاصرة لها، وكانت تستهلك حوالي 610 طن من الفحم يوميًا لضمان الوصول إلى وجهتها ضمن الجدول الزمني المحدَد، فكانت تسابق الزمن نظرًا لرغبة صناعها بأن يثبتوا بأنها أسرع سفينة في العالم ولا يُضاهيها مَثيل.

كيفية بناء سفينة التيتانيك؟

بدأ بناء سفينة التيتانيك عام 1909 ميلاديًا وحتى عام 1912 ميلاديًا أي أنها استغرقت ثلاث سنواتٍ من البناء، وكان تصميمها يهدف إلى تحقيق أعلى درجات الثراء والأمان لذلك احتوت على مقصورات فخمة وصالات طعام فاخرة ومرافق ترفيهية متقدمة لتضمن تحقيق الرفاهية والراحة لكبار زائريها بالإضافة إلى أنها مزودة بأحدث تقنيات الأمان في ذلك الوقت مثل: (أبواب العزل المائي) التي يمكن إغلاقها عن بُعد للتحفظ على أي تسرب للمياه داخل السفينة بعيدًا عن بقية الأجزاء الأخرى.

وتضم التيتانيك 16 قسمًا مائيًا يمكن إغلاقه في حالة الطوارئ لمنع انتشار المياه إلى باقي أجزاء السفينة، مما تسبب في نشر اعتقاد بأن هذه السفينة لا تُقهر ولا يمكنها الغرق، ولكن ما لم يدركه كثيرون هو أن غمر أكثر من أربعة أقسام في نفس الوقت يكفي لإغراق السفينة، وهو ما حدث في الحادث الشهير (غرَق التيتانيك).

التايتنك
التايتنك

الحياة على متن سفينة التيتانيك

كانت سفينة التيتانيك مثالًا للقوة والصلابة ممزوجة بالرفاهية والأمان، فهي ملحمة بحرية لا تتكرر مرة ثانية ولسوء الحظ برغم الجهود الكبيرة المبذولة لتشييدها انتهت بمأساة لا تنسى في أعماق المحيط، وأصبحت قصتها إرثًا على مر الأجيال، كانت تُقسم السفينة إلى ثلاث درجات وهم:

الدرجة الأولى

تمتع ركاب الدرجة الأولى بأعلى مستويات الراحة والفخامة، تضمنت مرافقهم صالات جذابة تشهد لهم بالغِنى والثراء وحمامات تركية وملاعب اسكواش وحمام سباحة، بالإضافة إلى غرف طعام مزينة بشكل أنيق وكانت الغرف مزودة بأثاث فاخر ووسائل راحة حديثة مثل: (الكهرباء والحمامات الخاصة)، و كان من بين ركاب الدرجة الأولى البارزين (جون جاكوب أستور الرابع)، أحد أغنى رجال الأعمال في العالم و(بنيامين جوجنهايم)، وهو رجل أعمال أيضًا، فكل هذه الشخصيات الثرية لم تكن على متن التيتانيك من أجل النقل بل كانوا يعيشون تجربة استثنائية تعكس مدى ثرائهم ومكانتها في المجتمع.

الدرجة الثانية

قدمت الدرجة الثانية تجربة سفر مريحة للغاية بالرغم من أنها لم تكن بنفس رفاهية الدرجة الأولى، ولكنها كانت موجهة للأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، مثل: (التجار والمهنيين والمهاجرين الذين يمتلكون موارد مالية معقولة)، وتمتع ركاب هذه الدرجة بغرف مريحة وكان لديهم إمكانية الوصول إلى صالات طعام ومكتبات ومرافق اجتماعية أخرى.

الدرجة الثالثة

خُصصت هذه الدرجة الثالثة للمهاجرين والعمال وهم الأشخاص الذين كانوا يسعون لحياة أفضل في العالم رغم أن المرافق لم تكن فاخرة كما في الدرجتين الأولى والثانية، إلا أن الدرجة الثالثة على التيتانيك كانت أفضل بكثير مقارنة بالسفن الأخرى في ذلك الوقت، وكان يعيش ركاب هذه الدرجة في غرف مشتركة ويتناولون وجبات بسيطة وبالرغم أن وسائل الراحة كانت محدودة، إلا أن الركاب كانوا يشعرون بالأمان والسعادة لكونهم في طريقهم إلى تحقيق أحلامهم في أمريكا.

الرحلة الأولى والأخيرة لسفينة التيتانيك

أبحرت السفينة في رحلتها الأولى يوم 10 أبريل عام 1912 ميلاديًا من مدينة (ساوثهامبتون) في إنجلترا متجهة نحو مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وحملت السفينة على متنها أكثر من 2200 راكب منهم نخبة المجتمع وعمال ومهاجرين كانوا يأملون في حياة أفضل في الولايات المتحدة، فبدأت الأيام الأولى للرحلة تسير بشكل سلس وفي ليلة اليوم الرابع انقلب كل شيء حيث تلقت السفينة عدة تحذيرات بوجود جبال جليدية في المنطقة التي تسير بها ولكن لم يتم التعامل مع هذه التحذيرات بشكل جدي، وتم تجاهلها وهنا كانت البداية لنهاية كل شيء.

بداية النهاية للتيتانيك

حاول المراقبين خلال هذه الليلة تغير مسار السفينة لتفادي تصادمها مع الجبل الجليدي ولكن قد فات الأوان واصطدمت السفينة بالجبل الجليدي من الجانب الأيمن، مما تسبب في تمزق هيكل السفينة السفلي وغَمر خمسة أقسام تقريبًا بالمياه في الوقت ذاته، وبعد أن بدأت المياه تتدفق بسرعة إلى داخل السفينة أدرك الطاقم أن السفينة محكوم عليها بالغرق، وحاولوا إخلاء السفينة ليواجهوا مشكلة كبيرة وهي أن عدد قوارب النجاة كان غير كافٍ لجميع الركاب، فكانت القوارب المجهزة عددهم 20 قارب نجاة فقط وهي تكفي لإنقاذ حوالي 1200 شخص وهو أقل من نصف عدد الركاب.

قام الطاقم بإخلاء السفينة من النساء والأطفال أولًا ولكن الفوضى عمت على الموقف والارتباك سيطر على الجميع مما تسبب في جعل عملية الإخلاء غير منظمة، حيث غادرت الكثير من قوارب النجاة من السفينة وهي نصف فارغة بينما ظل المئات على متن السفينة ينتظرون مصيرهم المحتوم، وفي صباح يوم 15 أبريل لعام 1912 أي بعد خمسة أيام من الإبحار، انقسمت السفينة إلى قسمين وغرقت بالكامل في قاع المحيط الأطلسي، على عمق نحو 4000 متر، مما تسبب في موت أكثر من 1500 شخص في هذه الكارثة، معظمهم بسبب الغرق أو البرودة القارصة للمياه.

سفينة التايتنك تحت البحر
سفينة التايتنك تحت البحر

مساعدة الناجين من التيتانيك

تسارع أهالي نيويورك برفقة عدد من القوات الأمريكية لمساعدة الناجين من التيتانيك الذين سكنوا منطقة مانهاتن بالنهاية، وقاموا بإعطائهم المواد الغذائية والملابس وتوفير بعض التدفئة لهم بالإضافة لتوفير المساعدات الطبية، وتواجدت نحو 20 سيارة إسعاف لنقل المصابين إلى المستشفيات.

قصص إنسانية على متن سفينة التيتانيك

رغم حالة الفوضى واليأس برز خلال غرق التيتانيك قصص إنسانية مؤثرة، وكان من أبرز هذه القصص قصة قبطان السفينة (إدوارد جون سميث) الذي فضل البقاء على متن السفينة حتى نهايتها وطاقم السفينة الذين واصلوا العمل حتى اللحظات الأخيرة لضمان نجاة أكبر عدد ممكن من الركاب، بالإضافة إلى الزوجين (إيدا و إيزيدور شتراوس)، اللذين رفضا الانفصال وفضلا الموت معًا والموسيقيين الذين استمروا في العزف حتى اللحظات الأخيرة لتهدئة الركاب.

تأثير غرق سفينة التيتانيك على العالم

بدأت تحقيقات سريعة وواسعة بشأن غرق سفينة التيتانيك في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا لفهم أسباب هذه الكارثة وتحديد المسؤولين عنها، وأشارت التحقيقات إلى عدة أسباب أدت إلى غرق السفينة والرُكاب على مِتنها، كان أبرزها: (السرعة الزائدة، وتجاهل تحذيرات الجبال الجليدية، ونقص قوارب النجاة والذي أدى فيما بعد لغرق الكثيرين من الرُكاب)، وتسببت هذه التحقيقات بفرض قوانين جديدة تتعلق بالسلامة البحرية، مثل:

  • ضرورة وجود قوارب نجاة كافية لجميع الركاب.
  • تدريبات إلزامية على الإخلاء في حالة الطوارئ.
  • إنشاء الدوريات الجليدية لمراقبة الجبال الجليدية وتوجيه السفن لتفاديها.

ورغم مرور أكثر من مئة عام على غرقها لا تزال تيتانيك تحتل مكانة خاصة في الذاكرة العالمية نظرًا لتحول قصتها إلى أسطورة وأصبحت مصدر إلهام للعديد من الأفلام والكتب والمسلسلات التلفزيونية، فحصد فيلم “التيتانيك” الذي أخرجه جيمس كاميرون عام 1997 ميلاديًا عدة جوائز أوسكار وأحرز نجاحًا باهرًا، وهو أحد أشهر الأعمال الفنية التي خلدت ذكرى هذه السفينة، وأصبح موقع حطام سفينة التيتانيك الذي تم اكتشافه عام 1985 ميلاديًا بواسطة فريق من الباحثين موضوعًا للدراسات والبحث العلمي، فيقع الحطام على عمق حوالي 4 كيلومترات تحت سطح المحيط، ليقدم نظرة نادرة على التفاصيل الدقيقة للكارثة ويساعد العلماء في فهم الأحداث التي وقعت في تلك الليلة المأساوية.

حطام سفينة تايتانيك
حطام سفينة تايتانيك

جيهان جهاد محمد

أنا طَير حُر طَليق في رِحاب الحياة يبحَث عن المَعنى والحِكمة والحُب والصَبر وكُلها معاني تتجلى في الكِتابة والعلم والمعرفة، فهُم أسلِحة مَن لا سلاح له، أنا چيهان جهاد من مَصر، أُحب التعلُم وتوصيل رِسالتي لِمن يقرأ.
زر الذهاب إلى الأعلى