سلاح الغدر في وجه الشعب الأعزل
سلاح الغدر الذي وُجّه إلى الشعب الأعزل، لم يكن سوى طعنة في خاصرة الثورة، في مدينتي كتب الدم قصة خيانة من ادعوا نصرة قضايا وهم في حقيقتهم أدوات قمع.
سلاح الغدر في وجه شعب أعزل
لقد كان السلاح الذي وُجِّه إلى صدور أبناء الشعب السوري الطاهر سلاحاً لا يستحق إلا أن يُلقى في مؤخرة قومية عربية اتسعت لكل خيانة ونذالة سلاحاً لم يُشهر في وجه عدوّ غاصب، بل صُوِّب إلى صدور أطفالنا ونسائنا ورجالنا، سلاحاً شارك به بشار الأسد ومعه جوقة الخونة من فصائل تدّعي النضال وتتباهى بالمقاومة، وما كانت إلا معول هدم وظلم وجور على شعب لم يطلب إلا كرامته وحقه في الحياة.
أنا واحد من شهود العيان ممن رأوا بأم أعينهم هذه الخيانة ورأيت كما رأى الملايين غيري كيف سقطت الأقنعة وانكشفت الوجوه، رأيت بأم عيني ما ارتكبه جيش التحرير الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) من أهوال، لو أنهم وجهوا جزءً منها إلى إسرائيل لتحررت أرض فلسطين شبراً شبراً ولكنهم اختاروا أن يكونوا سكيناً في خاصرة السوريين لا في خاصرة المحتل، وسيفاً مُسلطاً على رقابنا لا على رقاب الأعداء.
اقتحام الحجر الأسود – بداية المجزرة
في مدينتي الحجر الأسود عام 2012 كنا شعباً أعزل يتظاهر بصدور عارية ضد نظام طاغية مجرم رفعنا أصواتنا بالحق فرفعوا في وجوهنا سلاح الغدر والخيانة فاقتحموا مدينتنا كقطعان الذئاب، جاءوا بصحبة شبيحة النظام، وتحديداً من الحارات التي كانت تسكنها الطائفة العلوية والشيعية في حي القدم ومنطقة السيدة زينب وسائر الأحياء المجاورة.
دخلوا مدينتنا بغيهم وأسلحتهم لتبدأ مشاهد الفزع والهول التي تشبه أهوال يوم القيامة رأينا النساء يصرخن تحت وطأة الاعتداء وامتلأت الشوارع بـ الجيش اللاسوري الأسدي وبالشبيحة المدججين بالسلاح والحقد سالت الدماء في الطرقات كما تسيل السيول في أيام الشتاء لم يرحموا صغيراً ولا كبيراً، ولا شجرةً ولا بيتاً، عاثوا فساداً وأحرقوا كل ما وقعت عليه أيديهم وأطلقوا نيران حقدهم على كل شيء ينبض بالحياة وحينها ابتدأ القصف بالمدفعية الثقيلة والطيران الحربي والمروحي.
كنا عُزّلاً لا نملك سوى السكاكين والأسلحة البيضاء وبعض المسدسات الخفيفة ورغم هذا الهوان وقلة السلاح صمدنا صمود الجبال وقفنا بكل شجاعة وواجهناهم بقلوب مؤمنة وقاومناهم بأيدٍ خاوية إلا من الإيمان وتمكنا بفضل الله من مرغ أنوفهم بالتراب وطردهم من مدينتنا، كان ذلك يوماً عظيماً لا تمحوه السنون ولا تبهته الأيام، وكان الدليل الحي أن الشعوب حين تنتفض، لا تقف أمامها أسلحة الطغاة مهما عظمت.
الجيش السوري الحر – جيش الشعب الثائر
حين دحرنا الغزاة، جاء الجيش السوري الحر إلى مدينتنا ليكون حامي الأرض والعرض كان هؤلاء الأبطال أبناء هذا الشعب، رجالٌ انشقوا عن جيش بشار الأسد الظالم، حين أبوا أن يطلقوا رصاصاتهم على صدور إخوتهم وأمهاتهم وأطفالهم تركوا مناصبهم ورتبهم العسكرية ورفضوا أن يكونوا آلة قتل بيد النظام البائد، فانحازوا إلى صفوف المظلومين ووقفوا بيننا مدافعين عن الحرية والكرامة.
جاءوا بأخلاق الثوار لا بطغيان الجبابرة وجعلوا من أنفسهم درعاً يذود عنا الموت، يقاتلون دفاعاً عن الأرواح والبيوت ولم نكن نملك في تلك اللحظة من الدنيا إلا كرامتنا وإصرارنا.
حين نزحنا من مدينتنا المدمرة إلى مناطق تسيطر عليها الفصائل الفلسطينية، كنا نظنهم إخوة وأشقاء، فكانت خيبتنا عظيمة وعذابنا مضاعفاً كان لي بينهم أصدقاء وأقارب، وكانوا يتفاخرون بانتمائهم لتلك الفصائل التي صارت عوناً للنظام على المظلومين ولم يرحمونا بل عامَلونا معاملة الغرباء بل الغزاة، وكأننا لسنا أصحاب الأرض بل دخيلون عليها.
بدل أن يكونوا عوناً لنا كانوا وبالاً علينا، فضلوا قتال الشعب الثائر مع النظام المجرم، وباعوا أخوتهم بثمن بخس، حتى بعد سنوات من المجازر والمآسي حين كنت ألتقي ببعضهم، كانوا يتبجحون ويقولون: “كنا نقاتل ونقاوم في مخيم اليرموك والحجر الأسود” يتفاخرون بما كان يجب أن يندى له الجبين من خزي وعار.
داعش – خنجر آخر في خاصرة الثورة
وزاد البلاء حين جاءت داعش، تلك الطامة الكبرى التي حملت راية الدين زوراً لتقتل به الأبرياء دخلوا مدننا باسم الخلافة وما كانوا إلا خناجر أخرى تغرز في ظهورنا، كانوا يقتلوننا بدم بارد ويذبحون أبناءنا في الساحات ويزيدون من أوجاعنا.
لم نشهد معركة حقيقية واحدة بين جيش الأسد وداعش بل كانوا حلفاء خفيين يتقاسمون الخراب فيما بينهم كانت داعش تفكك الجيش السوري الحر، وتستولي على المناطق الثائرة لتسلمها بعدها إلى النظام المجرم بكل خسة ووضاعة، وأتحدى أن يأتي أحد بشاهد واحد على معركة صادقة بين جيش بشار وداعش فكل ذلك لم يكن إلا فصلاً آخر من فصول المؤامرة الكبرى على ثورة الكرامة.
ومع أنّي اختصرتُ كثيراً من أحداث تلك الأيام السوداء، فإنّها ستبقى محفورةً في ذاكرتنا أبداً، ولئن حاولتُ أن أكتبها كاملةً، لما وسعتني آلاف الصفحات أن تروي ما حلّ بنا من مآسٍ وويلات، وإنّنا اليوم وبعد كل تلك السنوات، وبعد كل ما رأيناه بأم أعيننا من ألم وموت وخيانة، لا نريد في بلادنا حزباً ولا منظمة ولا فصيلاً، بل نريد سلاح الدولة السورية الحرة، وجيشاً وطنياً نقياً، من أبناء هذا الشعب، يحمي الأرض والعرض، ويمثّل كرامتنا المهدورة وأحلامنا الضائعة.
لا نريد إلا أبناء هذا الشعب الذين أبوا أن يكونوا قتلة، وأبوا أن يطلقوا النار على إخوتهم نريد جيشاً من طينتنا، من دمنا، لا مرتزقة ولا أدوات بيد الطغاة.
وولله لن ننسى ولن نسامح، وإن أرادوا منّا أن نغفر وننسى، وأن نفتح صفحات جديدة، فإنّ مطلبنا بسيط واضح لا لبس فيه:
- أعيدوا لنا إخوتنا الذين غابوا تحت التراب، وأعيدوا لنا شهداءنا الذين رحلوا ولم يعودوا، أعيدوا لنا معتقلينا الذين غيبوا في السجون.
- أعيدوا لنا ذكرياتنا التي سُرقت وأيام شبابنا التي ضاعت بين القصف والركام والغربة.
- أعيدوا لنا مدننا المدمّرة وأحلامنا التي ذُبحت على عتبات الطغيان.
- حينها فقط، يمكن للكلام عن المسامحة والنسيان أن يجد سبيلاً إلى قلوبنا الموجوعة.
سأرفق في الأسفل بعض المقاطع المصورة التي توثق جزءً مما شهدناه بأعيننا وعشناه بدمائنا ودموعنا ولتعلموا أن ما سأعرضه لا يمثل إلا قطرة من بحر الألم الذي غمرنا فهناك آلاف بل عشرات الآلاف من الفيديوهات الأخرى، التي يعجز القلب عن احتمال مشاهدتها، ويكاد المرء أن يختنق من هول ما يرى، فلن أرفقها رحمةً بقلوبكم، فما كل جراحنا تحتمل أن تُروى.
وإلى أيتام الأسد، الذين ما يزالون يرفعون رايته النتنة فوق ركام الوطن، أقول: الجلّاد لا يصبح ضحية ولن تجدوا في الدنيا نظاماً أشد خسةً وإجراماً من نظام بشار الأسد الذي دمر الأرض وقتل الإنسان وشوه الحجر والشجر.
وإلى أولئك الذين يتباكون اليوم ويتذمرون من أحوال سوريا الراهنة، احمدوا الله كثيراً بل اسجدوا شكراً أن ما ترونه اليوم في الشوارع من فوضى ومصاعب لا يساوي واحداً في المئة مما كابدناه نحن على مدى أربعة عشر عاماً من الموت والجوع والقصف والخيانة والخذلان إنها أيام لم يكن فيها للإنسان ثمن، ولم يكن للكرامة مكان.
مشاهد جوية تكشف الدمار الواسع في مدينة الحجر الأسود جنوب دمشق:
دحر شبيحة الاسد الحجر الأسود 16\8\2012:
انتهاكات القيادة العامة بين الحصار والاذلال:
اشتباكات بين الثوار وتنظيم الدولة في الحجر الأسود بريف دمشق: