صمتٌ طويلٌ يُفضي إلى بكاءٍ متأخرٍ

صمتٌ طويلٌ خيّمَ على سوريا، حيثُ كانتْ أصواتُ الضحايا تُختنقُ تحتَ وطأةِ الخوفِ، بينما كانَ شركاءُ الوطنِ يُغمضونَ أعينَهُمْ.

صمتٌ طويلٌ.. حينَ خانَ الضميرُ

أربعةَ عشرَ عاماً من الصمتِ الطويلِ، الذي تحوّلَ إلى جدارٍ عازلٍ بينَ الدمِ المسكوبِ وصوتِ العدالةِ، لم يكُنْ صمتاً عابراً بل كانَ تواطؤاً مُقنَّعاً بخطابِ (الواقعيةِ) و(الاستقرارِ)، شركاءُ الوطنِ من نخبٍ وأحزابٍ وأصواتٍ مُؤثرةٍ، بالإضافةِ إلى جزءٍ من الشعبِ الذي اختارَ الصمتَ خوفاً أو يأساً، أغلقوا أعينَهم عن جثثِ الأطفالِ المبعثرةِ في سوريا، وعن صرخاتِ المعتقلينَ خلفَ القضبانِ، وعن دموعِ الأمهاتِ اللواتي ينتظرنَ غائباً لن يعودَ.

صمتُهم الطويلُ كانَ وقوداً للنظامِ ليُواصلَ سحقهُ كلَّ صوتٍ، وليُكرّسَ ثقافةَ الخوفِ، اليومَ، بعدما انكشفتْ جراحُ الوطنِ للعالمِ، يتباكونَ.. لكنَّ دموعَهم ليستْ على الشهداءِ الذينَ سقطوا في الثورةِ، بل على فلولِ النظامِ والمجرمينَ الذينَ بدأوا ينالونَ جزاءَهم!

الظلمُ.. تاريخٌ يُكتَبُ بدمِ الأبرياءِ

لم تكُنْ سوريا ساحةً للقتلِ فحسب، بل سرداباً طويلاً للظلامِ، أكثرُ من مئتيْ ألفِ معتقلٍ اختفوا كأنهم أطيافٌ، وملايين البيوتِ التي تحوّلتْ إلى ركامٍ تحتَ ذرائعَ واهيةٍ، النظامُ لم يكتفِ بسلطةِ الرصاصِ، بل حوّلَ الوطنَ إلى سجنٍ كبيرٍ تُراقُ فيهِ الكرامةُ.

أما شركاءُ الوطنِ كانوا إما صامتينَ خوفاً، أو مُشاركينَ في تبريرِ الجرائمِ تحتَ شعاراتٍ مُزيّفةٍ، صمتُهم الطويلُ أعطى الشرعيةَ لاستمرارِ آلةِ الموتِ، حتى صارَ القاتلُ يُحتَفلُ بهِ، والضحيةُ تُنبَذُ كـ (خائنٍ)!

البكاءُ على الجلادين.. حينَ يجفُّ دمُ الضحايا

اليومَ، تُطلُّ علينا أصواتٌ كانتْ غائبةً بالأمسِ، ترفعُ شعاراتِ الدفاعِ عن (حقوقِ) فلولِ النظامِ والمجرمينَ الذينَ بدأوا يُحاسَبونَ، أينَ كانتْ هذهِ الأصواتُ حينَ كُنا نُذبحُ؟ لماذا لم تُسمَعْ صرخاتُكم إلا حينَ بدأَ الجلادونَ ينالونَ جزاءَهم؟! دموعُكم اليومَ ليستْ على الأطفالِ الذينَ قُتِلوا بالكيماويِّ، ولا على الشبابِ الذينَ عُذّبوا حتى الموتِ، بل على مَنْ كانوا يُنفّذونَ أوامرَ القتلِ! البكاءُ على الجلادينَ هوَ إهانةٌ جديدةٌ لدمِ الشهداءِ، ومحاولةٌ لتحويلِ المجرمينَ إلى ضحايا!

كُنّا مجبورين.. أم كُنّا خونةً؟

يقولونَ اليومَ: (كُنّا مجبورينَ على الصمتِ) لكنَّ السؤالَ الأكبرَ: هل كانَ الصمتُ خياراً أم خيانةً؟ هل كانَ الخوفُ على الأوطانِ أم على المصالحِ؟ الشعبُ الذي عاشَ تحتَ وطأةِ الخوفِ قد يُعذرُ، لكنْ ماذا عن الناس التي كانتْ تملكُ صوتاً وتختارُ الصمتَ؟ اليومَ، يُريدونَ أن يبكوا على مَنْ كانوا يقتلونَنا، وكأنَّ دمَ الضحايا أرخصُ مِنْ دموعِهم على الجلادينَ!

الذاكرةُ.. سِفرٌ لا يُحرَّفُ

قد تُغيّرُ السياساتُ، وقد تتقلبُ التحالفاتُ، لكنَّ ذاكرةَ الشعبِ أقوى مِنْ كلِّ محاولاتِ التزويرِ، لن ننسى أنَّ صمتَ الأمسِ كانَ جريمةً، وأنَّ بكاءَ اليومِ على الجلادينَ لا يُكسبُ براءةً، الذاكرةُ السوريةُ تحفظُ تفاصيلَ كلِّ شهيدٍ، واسمَ كلِّ معتقلٍ، ووجهَ كلِّ جلادٍ، الأيامُ القادمةُ ستكشفُ أنَّ الصامتينَ عن الجريمةِ كانوا شركاءَ فيها، وأنَّ دمَ الأبرياءِ سيبقى وصمةً على جبينِ كلِّ مَنْ خانَ.

لن ننسى شهداءَنا، ولن نغفرَ صمتَكم، الذاكرةُ السوريةُ تحفظُ تفاصيلَ كلِّ شهيدٍ، واسمَ كلِّ معتقلٍ، ووجهَ كلِّ جلادٍ، قد تتقلبُ التحالفاتُ، وقد تتغيرُ السياساتُ، لكنَّ ذاكرةَ الشعبِ أقوى مِنْ كلِّ محاولاتِ التزويرِ، دمُ الأبرياءِ سيبقى وصمةً على جبينِ كلِّ مَنْ خانَ أو صمتَ، صمتُكم كانَ جريمةً، وبكاؤكم اليومَ لا يُكسبُ براءةً.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

حسيب أورفه لي

مؤسس ومدير المحتوى النصي والمرئي في موقع برو عرب وخبير في مجال الويب وساهمت في تطوير وتنمية العديد من المواقع الإلكترونية وأعمل بجد لتقديم محتوى ذو جودة عالية ومعلومات قيمة للقارئ العربي.
زر الذهاب إلى الأعلى