من هو طلحة بن عبيد الله الذي بشر بالجنة وهو حي

في قصص الصحابة دروس ومواعظ تُخلّد في الأذهان، تعلمنا قيم الفداء والتضحية، طلحة بن عبيد الله، مثالٌ حي للشجاعة والإيمان، خاض معارك عظيمة وأظهر كرماً لا يُنسى.

من هو الصحابي طلحة بن عبيد الله؟

هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة التَّيمي القرشي، كنيته (أبا محمد)، وأمه هي الصعبة بنت الحضرمي بن عبدة، من أهل (اليمن)، دخلت في الإسلام ونالت شرف الهجرة، وُلد طلحة في مكة المكرّمة قبل البعثة بحوالي خمسة عشر عاماً، وكان تاجراً ثرياً مشهوراً في بيئته القريشية.

طلحة بين عبيد الله واحداً من العشرة المبشرين بالجنة، كما أنه أحد الثمانية الأوائل الذين دخلوا في الإسلام، فقد دخل في الإسلام على يد الصحابي الجليل (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه، وهو من قال عنه الرسول: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ)، رواه الترمذي وابن ماجه.

ويعتبر طلحة رضي الله عنه واحداً من الستة من أصحاب الشورى الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلّم وهو راضٍ عنهم، وأحد الرجال الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على الجبل، فتحرّك بهم، وقد شهد طلحة غزوة أحد وأبلى فيها بلاءاً عظيماً، كما شارك في جميع المشاهد بعدها مع الرسول إلّا غزوة بدر، فعن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة قال: (سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: طلحة الخير، ويوم العشيرة طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود).

ما هي قصة إسلام طلحة بن عبيد الله؟

كان إسلام طلحة رضي الله عنه دليلاً من دلائل نبوّة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم، فقد كان شاهداً على علم اليهود بالأمارات والبشارات الموجودة في التوراة، والتي تجمّعت في محمد صلى الله عليه وسلّم، ولكنهم أبوا واستكبروا أن يؤمنوا به، لأنهم تأملوا وتمنّوا أن يخرج هذا النبي من بينهم.

وقد كان طلحة في تجارة من تجاراته إلى البصرى، وبينما كان متواجداً في سوق بصرى، سمع راهباً يُبشّر بقدوم نبي من أهل مكة، فقال الراهب: هل ظهر أحمد؟، حينها تساءل طلحة: من أحمد؟ ليردّ الراهب: ابن عبد الله بن عبد المطلب، لذا قرر حينها طلحة أن يعود بسرعة إلى مكة، ليرى صدق ما قاله الراهب، وبالفعل فور وصوله سمع الخبر الذي كان يتناقله أهل مكة فيما بينهم، وهو نزول النبوّة على (محمد) صلى الله عليه وسلّم، فذهب إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي أخذه إلى الرسول، وهناك أعلن طلحة إسلامه، ليكون من السبّاقين إلى الإسلام، بعد أن أخبرهم بما سمعه من الراهب.

فقد ذكر الحاكم في (المستدرك)، والبيهقي في (دلائل النبوة)، وابن سعد في (الطبقات)، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: (قال لي طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (حضرت سوق بصرى، فإذا راهب في صومعته، يقول: سلوا أهل هذا الموسم أمنهم أحد من أهل الحرم، قال طلحة: قلت: نعم، أنا، فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة (الأرض الغليظة المميزة بحجارها السوداء) وسباخ (أرض ذات ملح ونز)، فإياك أن تسبق إليه، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة، قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر فقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه، فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى الحق، فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأسلم طلحة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, بما قال الراهب، فسر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).

على الرغم من ثراء طلحة، وجاهه في قومه، إلا أنه لم يَسلَم من أذى واضطهاد قريش بعد أن أعلن إسلامه، فقد كان أخوه (عثمان) وقيل (نوفل بن خويلد) يشده مع أبي بكر في حبلٍ واحدٍ، فقرنهما معاّ لمنعهم من أداء الصّلاة، وهذا هو السبب في تسمية طلحة وأبو بكر الصديق بالقرينين.

كم عدد زوجات طلحة بن عبيد الله؟

ذُكر في كُتِبَ السير أن طلحة تزوج مرات عديدة، وأربع زوجات من زوجاته أخوات لأربع نساء من زوجات الرسول، من زوجات طلحة:

1- حمنة بنت جحش

وهي أخت (زينب بنت جحش) زوجة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت زوجة (مصعب بن عمير)، الذي قُتل في غزوة أحد، وهي أخت الصحابيين (أبو أحمد بن جحش) و(عبدالله بن جحش)، وأنجب منها (عمران ومحمد السجّاد).

2- أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق

وُلدت أم كلثوم بعد وفاة أبيها، أنجب منها (يوسف وزكريا وعائشة)، وهي اخت عائشة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنجب منها عائشة.

3- فارعة بنت أبي سفيان

وهي اخت (ام حبيبة) زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم.

4- قريبة بنت أبي أمية

وهي أخت (أم سلمة) زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنجب منها ابنته (مريم).

5- خولة بنت القعقاع

أنجبت لطلحة ولده (موسى بن طلحة).

6- الجرباء أم الحارث

وهي أم الحارث بنت قسامة، وأنجب منها أم إسحاق بنت طلحة.

7- أم أبان بنت عتبة بن ربيعة

وهي أخت (هند بنت عتبة)، أم (معاوية بن أبي سفيان)، وأنجب منها طلحة (يعقوب وإسماعيل وإسحاق).

8- سعدى بنت عوف المرية

أنجبت لطلحة رضي الله عنه أبنائه (عيسى ويحيى).

9- الفرعة بنت علي

وكانت سبية من قبيلة (بني تغلب)، أنجبت لطلحة ولده (صالح).

قصة طلحة بن عبيد الله في غزوة أُحد

كان طلحة أحد أبطال هذه الغزوة، وبقي ثابتاً مع الرسول صلى الله عليه وسلّم، فقد أثنى النبي عليه في ذلك اليوم ثناءاً عظيماً، حيث برزت شجاعته وولائه للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، فقد ذُكر في كتاب (طلحة بن عبيد الله) للمؤلف (حافظ أسدرم)، ص ٨٢ و٨٣، عن أبي عثمان، قال: (فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن الرسول صلى الله عليه وسلم، غير طلحة وسعد عن حديثهما)، رواه البخاري ومسلم.

فعندما تشتت صفوف المسلمين من هول ماحدث في تلك المعركة، وولّى الناس، لم يبقَ مع الرسول صلى الله عليه إلا اثنا عشر رجلاً، من بينهم طلحة رضي الله عنه، الذي بايعه حتى الموت، فعندما هاجمتهم مجموعة من جيش قريش، وعزموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، كان طلحة خير المدافعين، وجعل من نفسه درعاً ليحمي الرسول، فقد صدّ الضربات بيده حتى تعرضت للشلل و قُطع إصبعه.

ورد في شرح السيوطي لسنن النسائي، أن أخبرنا عمرو بن سواد عن ابن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلاً من الأنصار وفيهم طلحة بن عبيد الله فأدركهم المشركون فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من للقوم؟، فقال طلحة: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كما أنت)، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من للقوم؟، فقال طلحة: أنا، قال: (كما أنت)، فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من للقوم؟، فقال طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده، فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، ثم رد الله المشركين).

كما حدّث ابن أبي خالد عن قيس قال: (رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد شلاء)، أخرجه البخاري، وما فعله طلحة وهو بهذا الحال كان عظيماً، فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلّم على ظهره، وساعده على الصعود على صخرة عالية، ليستوي ويستقر عليها.

ونزل في طلحة رضي الله عنه قول الله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)، (سورة الأحزاب)، فبعد أن تلا رسول الله هذه الآية، أشار بيده إلى طلحة.

كرم طلحة بن عبيد الله

اشتهر طلحة بكرمه وسخائه الشديدين، وقد أطلق عليه عليه النبي صلى الله عليه وسلّم العديد من التسميات التي تدل على ذلك، فقد سمّاه (طلحة الفياض) و(طلحة الجود)، و(طلحة الخير)، فكان مقداماً على فعل الخير ومساعدة الفقراء، ووضع أمواله لخدمة الإسلام والمسلمين، وهذه بعض المواقف التي تدل على كرمه:

  • 1- باع أرضاً كان يمتلكها بمبلغ سبعمائة ألف، ووزعها على الناس في صباح اليوم التالي.
  • 2-أنفق أموالاً كثيرة لتجهيز غزوة (العسرة).
  • 3-اشترى بئراً بأمواله ليشرب منه المسلمين.
  • 4-تصدّق بمبلغ مائة ألف من حُرّ ماله.
  • 5-كان لا يدع أي شخص من بني تيم عائلاً، فكان يدفع ديونهم، وذُكر عنه أنه سدد عن رجل من بني تيم ديناً بمبلغ ثلاثين ألفاً، كما سدد عن (عبيد بن معمر) مبلغ ثمانين ألفاً.

موت طلحة بن عبيد الله

استشهد الصحابي الجليل طلحة رضي الله عنه في معركة الجمل، فأثناء المعركة رمى (مروان بن الحكم) سهماً أصاب به طلحة، وظل جرحه ينزف، حتى وافته المنية، وكان أول شهيداً في هذه المعركة، فقد حزن عليه (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه حزناً شديداً، أورد (الذهبي) في كتابه (سير أعلام النبلاء)، عن محمد بن عبد الله من الأنصار عن أبيه أن علياً قال: (بشروا قاتل طلحة بالنار).

من هم العشرة المبشرون بالجنة؟

قال (عبد الرحمن بن عوف) عن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم أنه قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)، رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

المصدر: إسلام ويب + إسلام أونلاين + الإسلام سؤال وجواب + نور بوك + الكلم الطيب + المكتبة الشاملة.

تم التدقيق والتنقيح بواسطة: فريال محمود لولك.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

سمر درويش

كان قلمي هو صديقي الذي يشاركني كل لحظاتي منذ طفولتي ويشجعني لقول كل ما يجول في خاطري من أفكار يمنعني خجلي من قولها، أنا سمر درويش من سوريا خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية.
زر الذهاب إلى الأعلى