كل ما تريد معرفته عن تفاصيل غزوة مؤتة
لقد سطّر لنا التاريخ الإسلامي مجموعة من البطولات المُشرّفة، التي علمّتنا الشجاعة والتضحية، وكانت غزوة مؤتة واحدة من أهم تلك البطولات.
ملخص غزوة مؤتة
تأتي أهمية هذه الغزوة كونها أول غزوة للمسلمين خارج نطاق الجزيرة العربية، وأول غزوة يخوضها أبطالنا في مواجهة الروم، الذين اشتهروا بقوّتهم وسيطرتهم التي لا تنهار، وعكست لنا صورة المسلم الشجاع الذي يصمد في مواجهة الآلاف بقوة إيمانه وثقته بالله.
ما قبل المعركة
كان المسلمين في مرحلة ما قبل غزوة مؤتة، منتصرين في غزوة الخندق (الأحزاب)، وكانت قد استسلمت لهم تلك القبائل التي حاولت قتل النبي محمد (ص) ودخول المدينة المنوّرة، وتم عقد صلح الحديبية بين الرسول (ص) و قريش، ثم بدأ النبي محمد (ص) بإرسال الرُسل إلى ملوك المناطق المجاورة، ليدعوهم إلى الدخول في الإسلام.
سبب معركة مؤتة
اختار النبي (ص) الصحابي الجليل (الحارث بن عمير الأزدي) ليحمل رسالته إلى ملك البصرى، فتعرّض له (شرحبيل بن عمرو الغساني)، و ما قام به لم يكن في الحسبان وتخطّى جميع حدود التوقّعات، حيث أقدم على قتل الرسول، وهذا ما هو ضد جميع الأعراف، حيث أن القانون السائد حينها أن الرسول لا يُقتل، بل يُعامل بالحُسنى، لكونه مرسال السلام للشعوب الإسلامية، وعندما وصل خبر مقتل الحارث للنبي (ص)، اسشتاط غضباً و علم أن مقتله هو بمثابة إعلان للحرب على المسلمين، وهنا كان القرار أنه سيقوم بمواجهتهم والنيل منهم ثأراً للحارث، فجمع جيشاً من الأبطال المسلمين وصل عددهم إلى ثلاثة ألاف مقاتل.
مجريات أحداث غزوة مؤته
وقعت غزوة مؤتة في جمادي الأول من العام الثامن للهجرة، و وصل جيش المسلمين إلى مدينة مؤتة في الأردن في محافظة الكرك تحديداً، ويعود السبب في تسمية هذه الغزوة بغزوة مؤتة إلى الموضع الذي وقعت فيه المعركة، وكان حامل الراية والقائد هو الصحابي (زيد بن حارثة)، الذي أمر جيش المسلمين بالهجوم على البيزنطيين بعد صلاة الفجر، وكان هجوماً عنيفاً وقويّاً لصالح المسلمين، وهذا ما لم يكن في حسبان البيزنطيين، فلم يتوقعوا من ثلاثة ألاف مقاتل أن يجرؤوا بالهجوم على آلاف المقاتلين منهم، وفي اليوم التالي هجموا مرّةً أخرى و قتلوا عدداً كبيراً من البيزنطيين، وكان النصر حليفاً للمسلمين.
اليوم الثالث من غزوة مؤتة
في اليوم الثالث واجه المسلمين قتالاً عنيفاً، واستشهد (زيد بن حارثة)، و حمل الراية من بعده الصحابي (جعفر بن أبي طالب) الذي قاتل بشجاعة وقُطعت يده اليمنى فأبى أن تسقط راية الإسلام إلى الأرض، فحملها بيده اليسرى فقُطعت، فاحتضنها بين عضديه إلى أن استشهد، واستلم الراية من بعده الصحابي (عبدالله بن رواحة) وظلّ يُحارب حتى استشهد، وأخذ الراية من بعده (ثابت بن أقرم)، لكنه رفض استلامها والقتال بها، فقرر المسلمين أن يأخذها الصحابي (خالد بن الوليد)، الذي عُرف ببسالته وقوّته، وأن يكون قائداً لهم في هذه المعركة، وبمجرد أن أخذ الراية قاتل بها قتالاً مُنقطع النظير، فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية، البخاري (4266).
انسحاب المسلمين في غزوة مؤتة
لقد كان صعباً للغاية الصمود أمام كل هذا العدد، فقد بلغ عدد المقاتلين البيزنطيين مئتا ألف مُقاتل، وشعر مقاتلي المسلمين بالحيرة حول ما عليهم القيام به، فكان الانسحاب هو القرار الأنسب لحقن الدماء، فقام (خالد ابن الوليد) بوضع خطة ذكيّة للانسحاب، حيث قام بتغيير أوضاع الجيش، فجعل مقدمته في الخلف، و من كان في الخلف في المقدمة، واليمين في اليسار وهكذا، وطلب من الفرسان أن يقوموا بالتكبير والتهليل بصوتٍ عالِ، و إثارة الكثير من الغبار خلف المقاتلين، فكانت خطته تعتمد على الحرب النفسية في إيهام العدو بأنه قد أتاهم إمداد، فيبثُّ الرعب في نفوسهم، و قد نجحت خطته بالفعل واستطاع الانسحاب بجيشه دون أن يلاحقهم الرومان، حيث كان الرومان يظنون أن هذه خدعة ومكيدة من المسلمين، وهذا ما جعلهم خائفين من اتّباعهم وقتالهم.
وصول المقاتلين إلى المدينة بعد انتهاء غزوة مؤتة
لقد اعتبر المسلمين في المدينة أن ما حدث في غزوة مؤتة هو انهزاماً لهم، فلم يتقبّلوا الأمر، كما أنهم عاتبوا المقاتلين بسبب انسحابهم، قال ابن إسحاق: (فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، قال لما دنوا من حول المدينة تلقاهم الرسول والمسلمون، قال ولقيهم الصبيان يشتدون والرسول مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر فأتى بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه، قال وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار فررتم في سبيل الله، قال فيقول رسول الله (ص) ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله)، وشعر الكثير من المقاتلين بالخجل والإهانة بسبب مهاجمة الناس لهم، وعدم تفّهم أهل المدينة أن انسحابهم كان أمراً حتمي وإلا وقعت كارثة كُبرى.
قال ابن إسحاق: (وحدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض آل الحارث بن هشام، وهم أخواله، عن أم سلمة زوج النبي قال: قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة، مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين؟ قالت والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم في سبيل الله حتى قعد في بيته فما يخرج).
ما هي نتائج غزوة مؤتة؟
- انسحاب المسلمين من أرض المعركة.
- استشهاد ثلاثة عشر مقاتل من المسلمين (اثنا عشر في روايةٍ أخرى)، مُقابل قتل الآلاف من جيش العدو.
- استشهاد عدد من الصحابة، منهم (زيد بن حارثة) و (جعفر بن أبي طالب) و (عبدالله بن رواحة) وغيرهم العديد.
- أظهرت هذه المعركة الروح المعنوية والقتالية للمسلمين، حيث استطاع عدد قليل منهم مواجهة الآلاف من أقوى الجيوش في ذلك الوقت.
- ظهرت في هذه المعركة معجزة للنبي (ص)، عندما نعى الشهداء الثلاثة من أصحابه الذين استشهدوا في المعركة، وهو لم يكن معهم، وكان في هذا دليل كبير على نبوته، و بأنه يتلقّى الوحي من الله عز وجل.
- كانت هذه المعركة مُقدمة لمعركة تبوك فيما بعد.
ما هي وصية الرسول في غزوة مؤتة؟
اجتمع النبي (ص) بصحابته قبل المعركة و أوصاهم قائلاً: (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع) رواه أحمد وغيره من أصحاب السنن، ومنحهم رايةً بيضاء، سلّمها إلى (زيد بن حارثة) ونصّبه قائداً لهم، وقال (ص): (إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة).