أشهر حكايا وقصص السجون السورية التي تبكي القلوب

بين غياهب السجن، حكاياتٍ تُروى وأخرى تبكيك ألماً، فما هي تلك الحكايات التي لم تُكتب بعد؟ قصص السجون السورية، ظلماتٌ خرجت إلى النور لتشهد الأمم عليها.

قصص السجون السورية (حكايات تُروى على لسان أبطالها)

1- محمد نور الدين الكسيح (معتقل في سجن صيدنايا)

مُعتقل سياسي في السجن الأحمر، تحرر بتاريخ 8 ديسمبر 2024، وبحسب ما أفاده البطل حيث قال: أنه وفي حدود الساعة الحادية عشر مساءً على أقل تقدير، كان الهدوء يعم السجن، ولكن فجأة ظهر صوت مروحية هبطت على سطح المبنى، ثم أُطلق جرس هز أركان السجن، وقد اعتاد المساجين أن يكون هذا الجرس يُنذر بإعدامات كبيرة أو حدوث أمرٍ طارئ في السجن.

تم اعتقاله في بداية الأمر لمدة سنة في فرع فلسطين، ثم مدة ثلاثة سنوات في سجن صيدنايا، والآن سنبدأ برحلة تبدأ منذ ميعاد الاعتقال حتى التحرر.

فلاش باك

عندما يتم اعتقال أي فرد فإن فكرة نقله إلى السيارة للتوجه حتى السجن، لاتخلو من الضرب والتعنيف والتعذيب، ومحمد الكسيح وصل إلى السيارة وهو معصوب العينين وفمه يذرف دماً وأنفه مكسور، وكانت هذه هي البداية فقط!!.

زنزانة محمد كانت تضم 70 مُعتقل آخر، دخل عارياً لا يغطي جسده سوى قطعة قماش واللباس الداخلي فقط في أشد أشهر السنة برودة، وأما عن تهمة اعتقاله، فقد كانت عبارة عن نقم بعد أن حدثت مصالحة بين النظام والمقاومين في منطقة (يلدا) التابعة للغوطة في دمشق، حيث تم حصارهم لمدة من الزمن قبل أن يساهم أعيان البلد بعمل مصالحة بين الطرفين مع تدخل روسي وأودت المصالحة إلى سحب القوات حتى أدلب ومن يبقى في المنطقة عليه عمل تسوية مع النظام.

ولكن النظام بطبعه غدّار، قرر أن يأخذ بثأره ممن بقي بحجة أنه يشكل خطراً على الدولة، وهذا السبب الذي أوصل محمد حتى الاعتقال، وبعد أن تذوق جميع أنواع التعذيب في فرع فلسطين، تم نقله إلى صيدنايا.

في صيدنايا، كان الخروج إلى الحمام للاستحمام وانتظار ميعاده يقع بين حدّي السكين، بين رغبةً في التخلص من الأوساخ يصاحبه خوف من المشي في الممر للوصول إلى الحمام، أي أنه موعد أمرٍ مُكره ينتظره المساجين كل أسبوع.

لاسيما أن الذهاب إلى الحمام هو تسليم للجسد ليتعرض إلى أعنف الضربات بالـ (هروانة) وهي عصا تقع على الجلد كـ وقع السوط على الرقاب، لذا كان محمد لا يحبذ فكرة الاستحمام لأن المرور داخل الممرات للوصول إلى الحمام سيعرضه للضرب إلى حين وصوله الحمام.

لذا عمد محمد إلى دفع رغيف الخبز خاصته لأحد المساجين الجائعين، لكي يذهب بدلاً عنه ويستحم ويحمل الضرب عنه مقابل رغيف خبز يسد جوعه، كان الضرب أمراً روتينياً اعتاده المساجين، والجوع حدّث ولا حرج، أمراً مفروغاً منه، وهذا جزء مما أفاد به محمد عن معاناته داخل تلك السجون (المسالخ البشرية).

2- نور حذيفة (صحفية سورية) معتقلة في فرع (215)

في عام 2012، تم اعتقالها مع أخوتها الشباب، ورغم أن الغاية في الاعتقال لم تكن تشملها، إلا أن رفضها ومقاومتها لاعتقال إخوتها، وضربها للعسكري، جعلها عُرضة لأن تكون رقماً مُضاف في قائمة المعتقلين من عائلتها رغم صغر سنها!!.

تحدثت نور عن معاناة اعتقالهم التي قضوها في الضرب والتعذيب علاوة على ذلك فقد تُركت في زنزانة منفردة مع الجرذان حتى يحين موعد التحقيق معها لتعترف بكل شيء يخفيها أخويها، ولكنها تقمصت شخصية طفلة صغيرة علّها تفك قيدهم عنها، مما دفعهم لأن يلجأوا إلى حلولٍ أخرى، وهي محاولة استفزاز أخويها لإخراج مافي جعبتهم من اعترافات، من خلال ملامستها ومحاولة التعدي عليها أمامهم!!.

لكن القدر قد كتب لأولئك الأخوة بأن يُستشهدوا في فترة اعتقالهم والتعذيب الذي تعرضوا له، وتبقى نور بطلة تحمل في صدرها ميثاقاً أزلياً يعكس صورة المرأة السورية الحرة.

3- عبد الله طيفور (مُعتقل سابق في سجن صيدنايا)

دخل عبد الله السجن عندما كان يبلغ من العمر 31 عام، وبعد دخوله تم تعليقه من يديه إلى أن بدأ يتوسل لهم لكي يفكوا قيده، على أن يقدم لهم الاعتراف الذي يريدونه، ولكن الوحش الدموي الذي يعذبه، لم يكن يريد لـ عبد الله الخلاص، بل إنه لم يكن حتى يريد اعتراف، إنما فقط التلذذ بجسد عبد الله وهو يهوي من شدة الألم.

تهمة عبد الله كانت أنه أحد المتظاهرين الذين رفعوا شعار الحرية للخلاص من العبودية، وهذه التهمة أودت به لأن يتذوق شنع وأفظع طرق التعذيب من الضرب بالهراونة إلى الشتم والجوع واللكم، ومن أكثر المواقف إيلاماً كان قد أفاد بها عبد الله، هي دخول أحد السجانين إليهم والبدء بضربهم بشكل عشوائي مع أمرهم بعد رفع رؤوسهم او الكشف عن أعينهم حتى لا يشاهدوا وجه قاتلهم ذاك.

لكن أحد أولئك المساجين سهواً أسقط يديه عن عينيه فلمح وجه العسكري الذي يضربه، وهنا كُتب عليه عقابٌ لا يحمله عقل، وهو ضربه على عينيه ثم اقتلاعها بيدي الوحشي ذاك!!.

لك أن تتخيل؟ أي وحشية تلك أن تقتلع بيديك عيني شخص لمجرد أنه لمحك؟، كان مصير عبد الله في النهاية أن يتخلص من هذا العقاب الأزلي ويتحرر من ذاك المسلخ البشري بعد تحرر سورية بتاريخ 8 ديسمبر 2024.

4- آيات عصام أحمد (معتقلة سابقة في فرع فلسطين)

لم يكن لـ آيات أي تهمة مباشرة حقيقية، ولكن على مايبدو أن حديثها على المنتديات عبر الإنترنت آنذاك أودى بها لأن تكون بحسب وجهة نظر النظام “حشرة تهدد كيان الدولة” خاصةً وأن أحاديثهم كانت تخص وضع البلاد الأخرى وتأثرهم بجراح الشعوب، وبما أن النظام كان لديه قوالب جاهزة للتهم فإن تهمتها صُيغت على ما يلي “منتمية إلى التيارات السلفية”!!.

وعندما فشل النظام في إثبات هذه التهمة عليها، صمم لها إطار آخر للتهمة وهو “المساس بهيبة الدولة”، وبعد دخولها السجن تعرضت لجميع أنواع التعذيب الجسدي منها “بساط الريح” والركل، والشتم، والتشبيح، ولا يمكن التغافل أن هذه الفتاة اُعتقلت قبل الثورة وشهدت على مافعله النظام من تعذيب للمعتقلين والمساجين ولكن تم اعتقالها مجدداً في ظل بداية الأحداث بينما كانت تُقدم حلوى للنازحين من مدينة حمص إلى دمشق في عيد الفصح!.

تقول آيات أنها شَهدت حادثة اغتصاب وقعت أمامها لفتاة كردية، تعرضت فيها لأسوأ معاملة بين تعنيف واغتصاب قسري، وكانت شاهداً أبكم على تعري الرجال المساجين أمام النساء بينما يمشون وهم في وضعية القرفصاء في حالة من الإذلال لهم وقتلٍ لما تبقى من الكرامة لتلك الأنفس.

كما أنها شهدت على إجبار أصدقائها لأن يضعوا أقدامهم فوق رأسها في حالة يرثى لها من التعذيب النفسي لكلا الإطراف، عدا عن ذلك، فقد سمعت أحاديث عن اغتصاب النساء أمام رجالهم، وكأن في ذلك نشوة مضافة يحصل عليها المتوحش غير نشوة الاغتصاب!.

وهذا ما حدث في اعتقالها الأول، أما عن الثاني فقد كان مزيناً بالكثير من مساحيق التجميل وخاصةً من ضابط التحقيق (جميل الحسن) والذي عاملها بكل احترام وأخبرها أن هناك الكثير من الأخطاء في الدولة التي سيعملون جاهداً لتعديلها وهي بادلته الحديث بعدما اطمأنت لتفهمه وأخبرته أنها شهدت أسوأ أنواع التعذيب في اعتقالها الأول.

وقبل انتهاء اللقاء رن هاتف الضابط، وعلى مايبدو أن الطرف الآخر على الهاتف يخبره بوجود أشخاص متمردين في (الزبلطاني) في دمشق، ليرد الضابط بكل برودة “إن كان شخص أو شخصين اعتقلوا مئة واهدموا القرى فوق رؤوسهم”!!.

هنا بدأت تفهم آيات أن هذا الدور الذي يلعبه الضابط ليس إلا دور يغطي فيه عن أفعالهم لأن والدة آيات وصديقتها المحامية التابعة لحقوق الإنسان قد بدأتا بتتبع تفاصيل سبب اعتقال آيات وكيفية تخليصها وملاحقة من يُسيء لها.

وبينما في الخارج كان هناك حملات كبيرة للمطالبة بتخليص آيات من أيادي النظام الديكتاتوري من قبل حقوقيين وسياسيين وجهات خارجية لمعارضين في فرنسا، وتبع ذلك قيامهم بإرسال رسالة إلى (ساركوزي) وزير الخارجية الفرنسية يخبرونه عن هذه الفتاة الصغيرة التي تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً حيث اعتقلت وتم منع إيصال أغراض لها من ضمنها (دمية دبدوب) اعتادت أن تنام بجانبها في محاولة لاستعطاف القوى الفرنسية لتحريك الرأي العام.

وخرجت آيات بعد أن حرّكت صوت الشعوب لتخليصها ولكنها دخلت فتاة يافعة لا قضية لها أو تحيز نحو جهة معينة أو آراء سياسية، وخرجت فتاة معارضة بقوة وصاحبة قضية.

المصدر: قناة Spot Shot + قناة الجزيرة مباشر + قناة شهادة بودكاست + قناة العربي الجديد | بودكاست.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

فريال محمود لولك

الكتابة هي السبيل للنجاة من عالمٍ يسوده الظلام، ننقل بها سيل المعلومات لتوسيع مدارك القارئ المعرفية، أنا فريال محمود لولك، من سوريا، خريجة كلية التربية اختصاص معلم صف، وكاتبة منذ نعومة أظفاري، من وحي المعاناة وجدت في الكتابة خلاصي، ورأيت بها نور الله الآمر بالعلم والمعرفة، فاقرأ باسم ربك الذي خلق. فإن القراءة هي الطهارة لعقلك من كل جهل.
زر الذهاب إلى الأعلى