قطيع الأسد – من الولاء المطلق إلى السقوط المحتوم

مع سقوط نظام الأسد المجرم، بات قطيع الأسد عارياً يتغنى بـ (وحدة الشعب) المزيفة، بينما دماء المقموعين تفضح حقيقته.

الولاء الأعمى – بناء نظام قطيع الأسد

منذ استيلاء آل الأسد على السلطة في 1971 بدأ تشكيل نظام يشبه قطيعاً مطيعاً يعيش على الشعارات المكررة وعبادة الفرد المطلقة، وكانت صورة (القائد الخالد) محور كل شيء معلقة في كل زاوية محفورة في كل خطاب وعقل، وخضعت وسائل الإعلام لسيطرة حديدية والجيش أُعيد تشكيله ليكون أداة طيعة في يد العائلة الحاكمة.

بينما تم تهيئة الوعي الشعبي عبر عملية قولبة منهجية استمرت عقوداً، وروّجت الدعاية الرسمية فكرة أن (سوريا الأسد) كيان أزلي لا يمكن أن يتزعزع، فتحولت المؤسسات إلى مجرد صدى لإرادة الحاكم، وأصبح الولاء الأعمى شرط البقاء والترقي، والأصوات الحرة لم تجد مكاناً في هذا النظام؛ فقد واجهت القمع الوحشي، سواءً بالسجن أو التصفية، أو الترهيب المستمر الذي جعل الصمت خياراً مفروضاً على الجميع.

التفكك التدريجي من المؤسسات إلى الميليشيات

لم تكن عجلة الزمن لترحم هذا النظام المبني على الوهم، فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والجوع، بدأ الاحتقان الشعبي يتصاعد وتشققت وحدة القطيع تدريجياً، وبعد اندلاع الثورة السورية في 2011، ظهرت علامات الانهيار جلية، فقد تحول النظام من الاعتماد على مؤسساته التقليدية إلى الاستناد على ميليشيات طائفية ومرتزقة مدعومين من الخارج.

ومع الزمن تفشى الفساد في الجيش بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبحت ظاهرة (التفييش)، أي دفع الجنود مبالغ مالية للإعفاء من الخدمة الفعلية، واقعاً يومياً، والضباط الذين كانوا يُعتبرون رموزاً للجيش، تحولوا إلى تجار يبيعون النفط والسلاح وكل ما يقع تحت أيديهم، بينما أصبح الجنود مجرد أرقام على قوائم الرواتب، لا وجود حقيقي لهم في ساحات المعارك.

ومع مرور الوقت تكشفت الحقيقة الصادمة أن الجيش الذي كان يُفترض به حماية الوطن، أصبح يركز بشكل متزايد على تجارة المخدرات والكبتاغون، فبعد سقوط الأسد ظهرت العديد من مصانع (الكبتاغون) علناً في دمشق وغيرها من المناطق، لتؤكد أن جزءً كبيراً من دور الجيش كان يتركز على إنتاج وتجارة هذه المواد المدمرة بدلاً من أداء مهمته الوطنية.

أما الجيش الذي كان يُفترض أن يكون العمود الفقري للنظام، فقد تلاشى تدريجياً ليصبح جيشاً من العبيد الذين يخدمون النظام والطائفة العلوية، حيث تمت محاباة أفراد الطائفة العلوية على حساب الآخرين، ومع تصاعد التوترات أصبحت ساحات القتال شبه خالية من الجيش النظامي، تاركة المجال للميليشيات الطائفية والقوات المدعومة من إيران وروسيا، وهذا التحول كشف عن تفكك المنظومة العسكرية من جذورها، بعد أن نخرها الفساد والمحسوبية.

فيديو لأحد مصانع إنتاج حبوب مخدرات الكبتاغون في دوما بريف دمشق

الفيديو مأخوذ من قناة الجزيرة:

السقوط المحتوم – انهيار النظام المجرم في 8 ديسمبر 2024

في 8 ديسمبر 2024 انهار النظام بعد أكثر من عقود من الحكم العائلي المطلق، لم يكن السبب (مؤامرة خارجية) كما حاول أنصاره وأيتامه الترويج عبر خطاباتهم المتكررة، بل كان السقوط نتيجة طبيعية لتناقضات داخلية تراكمت عبر السنين، والفساد الذي شكّل درعاً لحماية أركان الحكم لعقود تحول إلى السيف الذي قطع شرايينه في النهاية.

القطيع الذي ظل يهتف ويصفق لنصف قرن وجد نفسه فجأة في فراغ مخيف بلا قائد يتبعه، بلا خطابات تحركه وبلا أمل قديم يستطيع التمسك به، تحولت الشعارات التي رددها إلى صدى فارغ، والمؤسسات التي دعمها إلى أطلال، تاركةً شعباً مشتتاً يبحث عن هوية جديدة وسط الحطام، لقد كشف السقوط عن هشاشة نظام بني على الخوف والوهم، وعن عجز أتباعه عن مواجهة الحقيقة التي طالما تجاهلوها.

ويتبنى أتباع النظام اليوم فكراً غريباً حيث يروجون لفكرة أن (إسرائيل هي من أسقطت الأسد ونظامه)، متناسين أن الحقيقة تختلف تماماً، فإن الجيش الحر بقيادة أحمد الشرع كان العامل الحاسم في إسقاط النظام المجرم.

فعلى مدار سنوات عمل الشرع على توحيد صفوف فصائل الثورة في إدلب ونجح في مواجهة الجيش الذي كان قد تهاوى بفعل الفساد والتفكك الداخلي، والجيش الحر مع دعم من أبناء الشعب السوري أسقط النظام الهش، والمعارك التي دارت في الآونة الأخيرة مع انطلاق عملية ردع العدوان هي الدليل على أن الانهيار لم يكن نتيجة مؤامرات خارجية، بل نتيجة لضعف النظام الذي بُني على الخوف والاستبداد.

لكن قطيع الأسد لا يحبون الحقيقة فهم يرفضون الاعتراف بأن السقوط كان نتيجة فسادهم الداخلي وضعفهم البنيوي، ويصرون على اختلاق الأكاذيب والافتراءات مستمرين في إلقاء اللوم على الآخرين، بدلاً من مواجهة واقعهم المتهالك.

ما بعد السقوط؟ فوضى الامتيازات المفقودة والطائفية المكشوفة

بعد الانهيار وجد أتباع النظام أنفسهم في قلب الفوضى التي ساهموا في صنعها، بعد أن خسروا امتيازاتهم التي كانت تُمنح لهم مقابل ولائهم، باتوا يرددون عبارات الحنين مثل (كنا شعب واحد، ما بنعرف الطائفية)، و(كنا عايشين بخير وأمان، نتجمع حول سفرة واحدة تضم الجميع بلا تفرقة)، لكنهم يتجاهلون الحقيقة المرة: هذا (التعايش) لم يكن سوى قناع زائف يخفي قمعاً ممنهجاً وانقسامات طائفية عميقة.

وفي الواقع الكثير منهم وخاصةً من الطائفة العلوية التي شكلت العمود الفقري للنظام كانوا يحملون كرهاً دفيناً للسنة، بل ويعتبرونهم تهديداً وجودياً يجب إخضاعه، هؤلاء الذين تباهوا بـ (السفرة الواحدة) كانوا في الحقيقة يتمتعون بامتيازات لم تكن متاحة لغيرهم، سواءً عبر التطوع في فروع الأمن السيئة السمعة أو الانخراط في (الجيش اللاسوري) لقمع الآخرين.

تخيلوا كان هناك الآلاف من الموظفين في عهد النظام المجرم يقبضون رواتب ضخمة دون أن يثبتوا وجودهم في العمل!، فقط بفضل الوساطات ولأنهم أبناء طائفته، كانوا ينعمون بالوظائف المضمونة والرواتب المرتفعة والحماية، بينما كان السنة وغيرهم من الطوائف الأخرى يعانون التهميش والتنكيل تحت شعارات الوحدة المزيفة، تلك (السفرة) التي يتغنون بها لم تكن سوى مأدبة ملطخة بدماء المسجونين والمظلومين أُقيمت على أنقاض استقرار كاذب بني على الخوف والقهر.

اليوم مع تلاشي الامتيازات ظهرت أفكارهم التي كانوا ينكرونها على حقيقتها مكشوفةً للعيان تاركةً إرثاً من الكراهية، والانقسام لم يعد بالإمكان إخفاؤه.

في الختام أقول لا عزاء لكم يا قطيع الأسد، فقد انتهى زمن الشعارات الجوفاء والولاء المسموم، سوريا اليوم تقف شامخة حرة أبية، يحميها جيش شريف يصون حقوق شعبها ويعيد نسج وحدتها الحقيقية، لقد دفنتم أنفسكم تحت أنقاض فسادكم بينما تنهض الأمة من جديد وتتنفس الحرية وتنبذ ظلامكم إلى الأبد.

تم التدقيق والتنقيح بواسطة: فريال محمود لولك.

هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكراً لملاحظاتك.

حسيب أورفه لي

مؤسس ومدير المحتوى النصي والمرئي في موقع برو عرب وخبير في مجال الويب وساهمت في تطوير وتنمية العديد من المواقع الإلكترونية وأعمل بجد لتقديم محتوى ذو جودة عالية ومعلومات قيمة للقارئ العربي.
زر الذهاب إلى الأعلى