معلومات إسلامية

من هم قوم صالح ومعلومات عنهم وأين وقع عذابهم

بأعماق الصحراء الشاسعة، عاش قوم نبغوا في نحت الصخور، و مُنحوا آية كانت برهاناً على قدرة الله ورحمته، ولكن كانت نهايتهم مأساوية، تعرف معنا على قوم صالح.

من هم قوم صالح عليه السلام؟

هم قبيلة (ثمود) التي عاشت في المنطقة الواقعة بين الحجاز وتبوك، وبرزت بمهارتها الفريدة في نحت الصخور، حيث عبدت هذه القبيلة الأصنام، فعلى الرغم من إرسال الله لهم نبيهم (صالح) عليه السلام ليهديهم إلى عبادة الله الواحد، ولكن، كما هو الحال مع الكثير من الأمم السابقة، استجاب قلة قليلة من قوم صالح عليه السلام للدعوة، بينما رفضتها الأغلبية بعناد وكبرياء، استمروا في تقاليد عبادة أصنام آبائهم، مستهزئين بدعوة نبيهم، وقد عبر قوم (ثمود) عن موقفهم من الدعوة بقول الله تعالى: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، وكثيرًا ما يقترن ذكر قوم (ثمود) بقوم عاد في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (أَلَم يَأتِكُم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِكُم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثمود وَالَّذينَ مِن بَعدِهِم لا يَعلَمُهُم إِلَّا اللَّهُ جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرَدّوا أَيدِيَهُم في أَفواهِهِم وَقالوا إِنّا كَفَرنا بِما أُرسِلتُم بِهِ وَإِنّا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدعونَنا إِلَيهِ مُريبٍ).

من هو نبي الله صالح عليه السلام؟

كان (صالح بن عبيد بن إساف) واحدًا من أنبياء الله الكرام، ينتسب إلى قبيلة (ثمود) التي ترجع جذورها إلى (إرم بن سام بن نوح) عليه السلام، كما كان (صالح)، بفضل نسبه الرفيع ومكانته المرموقة، واحدًا من أربعة أنبياء عرب (محمد، شعيب، هود، صالح عليهم السلام) أرسلهم الله لهداية الناس إلى التوحيد وعبادته، ونشأ (صالح) بين قومه وقد تميز بحكمته وعقله الرشيد، حتى أن أهل (ثمود) كانوا يعتمدون عليه في حل خلافاتهم واستشارته في شؤون حياتهم، حيث إنه لم يكن مجرد نبي في أعينهم، بل كانوا على وشك أن يجعلوه ملكًا عليهم قبل بعثته، ولكن، حين أتى برسالة التوحيد، قوبل بالرفض والاستنكار بقوله تعالى: – (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، هود:62.

ما هي دعوة صالح عليه السلام لقوم ثمود؟

كانت رسالة النبي (صالح) عليه السلام، موجهة إلى قومه (ثمود) بهدف هدايتهم إلى توحيد الله ونبذ الشرك والكفر، قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثمود أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ” (النمل: 45).

بدأ (صالح) عليه السلام دعوته بتذكير قومه بنعم الله عليهم: القصور الشاهقة التي بنوها في السهول، والمنازل التي نحتوها من الجبال، والأنهار والنعيم الذي عاشوا فيه، فكان يذكِّرُهُمْ بما حدث لقوم عاد، وكيف أهلكهم الله بسبب كفرهم، ثم استخلف (ثمود) في الأرض من بعدهم، في قوله تعالى: “وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” (الأعراف: 74).

لكن قوم (ثمود) رفضوا دعوة صالح، وتمسكوا بالكفر، واتهموه بالسحر والجنون رغم أنه لم يطلب منهم سوى عبادة الله والإيمان به لينجوا من عذاب الآخرة، بل انتقل قوم صالح إلى مرحلة التكذيب والاستهزاء، كما قال تعالى: “فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ” (القمر: 24-25)، ولم يكتف قوم (ثمود) برفض دعوة صالح، بل حاولوا صد المؤمنين عنه، وأشاعوا بينهم أن صالح وأتباعه مشؤومين، بهدف منع الناس من اتباعه.

ما هي قصة ناقة صالح عليه السلام؟

أرسل الله النبي (صالح) عليه السلام، رجلاً عربيًا ينير لهم الطريق إلى عبادة الله الواحد، وقد جاءت رسالته مصحوبة بمعجزة مُدْهِشَة: ناقة خرجت من صخرة، تجسيدًا لقدرة الله ورحمته، ولكن، هل ستفتح هذه المعجزة أعين قوم صالح وتلين قلوبهم؟ أم أنهم سيظلون في ضلالهم يعمهون؟، تحدى قوم (ثمود) نبي الله (صالح) عليه السلام، وطلبوا منه معجزة تثبت صدق رسالته، سألهم (صالح) عن المعجزة التي يرغبون بها، فأشاروا إلى صخرة كبيرة قريبة من مكان اجتماعهم في دار الحِجْر بتهكم وضحك، وطلبوا أن تنشق تلك الصخرة وتخرج منها ناقة ضخمة، تتسم بصفات محددة: أن تكون ضخمة بحيث لو شربت لم تترك ماءً لغيرها، وأن تأتيهم بلبن وفير، ويشترط أن يكون لونها أحمر، وأن تكون حاملًا على وشك الولادة وتضع حملها أمام أعينهم.

كيف خلق الله ناقة صالح؟

بعد أن أملى قوم (ثمود) شروطهم التعجيزية، توجه (صالح) عليه السلام إلى الصلاة ودعا الله أن يحقق لهم ما طلبوه، ثم عاد إليهم متحديًا وأمرهم بجمع الناس أمام الصخرة، وفي مشهد مُذْهِل، اهتزت الصخرة وخرجت منها ناقة عظيمة مطابقة لكل وصف طلبوه، أمام أعينهم، قال تعالى: “وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ” (هود: 64).

أصاب الذهول القوم، وآمن القليل منهم بصالح، ولكن الأغلبية استمرت في كفرها، غير مدركين لما حدث، كما حذرهم (صالح) من إيذاء الناقة أو التعرض لها بسوء، وطلب منهم أن يتركوها تشرب من ماء البئر يومًا، بينما يشربون هم في اليوم التالي، وصار أمام قوم (ثمود) خياران: إما أن يؤمنوا، أو يؤذوا الناقة فيتعرضوا للعذاب، كما في قوله تعالى: “إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ” (القمر: 27-28).

ما هو العذاب الذي نزل بقوم صالح؟

عاشت الناقة بين قوم (ثمود)، حيث كانت تشرب من الماء يوماً، بينما يشربون في اليوم التالي، وتوفر لهم لبنها، ومع مرور الوقت، اجتمع كبار قوم صالح لمناقشة أمر الناقة، معتبرين إياها تهديداً لمكانتهم وسط الناس، وخشوا أن يؤمن الناس برسالته، لذا قرروا التآمر لقتل الناقة.

من هو المُوَكَّل بقتل سيدنا صالح عليه السلام؟

تطوع أحد رجال قوم (ثمود) يُدْعَى (قُدار بن ساف بن جذع)، وكان من أشقى القوم وأقواهم، ليقوم بهذه المهمة، قُدار، الذي قاد مجموعة من الفاسدين، ترصد للناقة وهي عائدة مع صغيرها بعد أن شربت الماء، ففاجأها من خلفها وعقرها، وسقطت على الأرض، ثم جاء أتباعه وأجهزوا عليها، وطار صغيرها فطاردوه وقتلوه، ثم تقاسم بقية القوم لحم الناقة.

تحدّى قوم (ثمود) نبي الله صالح، عليه السلام، أن يحقق لهم وعده بالعذاب، حيث أمهل (صالح) قوم (ثمود) ثلاثة أيام فقط لتلقي العذاب، كما قال تعالى: “فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ” (هود: 65)، لكن قوم (ثمود) استمروا في كفرهم وعنادهم، وقرروا قتل (صالح) ومن آمن معه، لذا أرسلوا تسعة مُفْسِدِينَ لقتله، لكن الله أمره بالهجرة إلى فلسطين.

بينما كان قوم (ثمود) يحفرون قبورهم بأنفسهم، جاءهم العذاب الذي وعدهم به صالح: في اليوم الأول اصفرّت وجوههم، وفي اليوم الثاني احمرّت، وفي اليوم الثالث اسودّت، تبع ذلك زلزال هائل، وصاعقة، وصيحة من جبريل عليه السلام، ورجفة من الأرض، ماتوا جميعاً، وتحولت أجسادهم إلى كتل يابسة ومتفككة، كما تحقق وعد صالح، وكانت هذه نهاية كفرهم وعنادهم، وتجسدت آية عذاب قوم صالح في قوله تعالى “فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّىٰهَا”.

في أي مكان وقع عذاب قوم صالح؟

وقع العذاب على قوم (صالح) عليه السلام بمدائن صالح المعروفة قديمًا بالحِجْر، فهو موقع أثري يقع في إقليم الحجاز بشبه الجزيرة العربية، وتحديدًا في شمال غرب المملكة العربية السعودية في محافظة العُلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، حيث يتميز بموقعه الاستراتيجي، ويشتهر المكان بتاريخه العريق وكونه جزءًا من طريق التجارة القديم الذي كان يربط بين جنوب شبه الجزيرة العربية والشام، فالحِجْر كان مكان قوم صالح، ويُطلق على ديار (ثمود) في وادي القرى، بين المدينة المنورة وتبوك.

في ختام مقالنا، يمكننا القول أن قصة قوم صالح تبرز كتحذير تاريخي عميق من التمرد على الحق والإصرار على الكفر، فعلى الرغم من المعجزة العظيمة التي أرسلها الله لهم في شكل ناقة، لم يستجب قوم ثمود للتوجيهات الإلهية، لكن رفضوا دعوة نبيهم وصمّموا على كفرهم، مما أدى إلى عذابٍ مروّع قضى عليهم، لذا تعلمنا هذه القصة أهمية الإيمان والتقوى، وتحذر من العناد والتمرد على إرادة الله، لتبقى عبرةً للأجيال في سعيهم نحو الحق.

رانيا علاء الدين حسن

كاتبة محتوى متخصصة في الإبداع والتواصل، تعيش تحديات الحياة بحب وشغف، رانيا علاء الدين من مصر.
زر الذهاب إلى الأعلى