في ميزان الحياة لا شيء يستحق الإرهاق
هل ترهق نفسك لأجل غايةٍ قد لا تدوم؟ لحظة صدق مع الذات تكشف أن في ميزان الحياة، لا شيء يستحق الإرهاق الذي يسرق منك طمأنينة القلب وراحة البال.
في ميزان الحياة… لا شيء يستحق الإرهاق
لا شيء يستحق أن ترهق نفسك لأجله، عبارةٌ تتراءى لي كهمسةٍ حانيةٍ في زحام الأيام، كأنها يدٌ تربّت على كتفي، تدعوني إلى هدوءٍ لم أعتدهُ غالباً، أتأملها، فتبدو لي كفلسفةِ حياةٍ لا يبلغها إلا من ذاق مرارة السعي خلف سرابٍ أو أضنى روحهُ في دروبٍ لم توصلهُ إلا إلى مزيدٍ من التعب.
كم من مرةٍ ألقيتُ بنفسي في لججِ الهموم، مستنزفاً طاقتي، مُنهِكاً روحي، لأجلِ أمرٍ ما لبثَ أن تلاشى كدخانٍ في الهواء؟ أو لأجلِ غايةٍ ظننتُ أنها تستحقُ كل هذا العناء، فإذا بها عند البلوغِ تفقدُ بريقها، أو لا تجلبُ السكينة التي وعدتني بها؟ عجيباً حقاً هذا الاندفاعُ الذي يدفعنا أحياناً نحو حرقِ أنفسنا لأجلِ ضوءٍ خافتٍ قد لا يُضيءُ لنا درباً طويلاً.
ولكن، ما الذي يستحقُ إذاً؟ هل هي السكينةُ التي نرتجيها؟ أم الرضا الذي نتوقُ إليه؟ ربما هي تلك اللحظاتُ البسيطةُ التي تمرُ بنا خلسةً، نكادُ لا نلحظها، لكنها تحملُ في طياتها جوهرَ الحياةِ وجمالها الحقيقي، كوبُ قهوةٍ صباحي، ابتسامةُ طفلٍ عابرةٌ، كلمةٌ طيبةٌ من صديقٍ، كلُ هذا قد يكونُ أثمنَ بكثيرٍ من سباقٍ محمومٍ لا ينتهي.
إنها دعوةٌ للتأملِ العميقِ في أولوياتنا، لنسألَ أنفسنا بصدقٍ: هل ما نسعى إليه الآن يستحقُ فعلاً هذا القدرَ من الإرهاق؟ هل ما نُضنيهِ اليومَ سيُثمِرُ غداً فرحاً مستداماً، أم أنهُ سيُضيفُ إلى كاهلنا ثقلاً جديداً؟ كثيراً ما نجدُ أنفسنا مُستهدفينَ لأهدافٍ قد لا تكونُ لنا في الأصل، مُسلطينَ عليها كلَ تركيزنا وجهدنا، وننسى أن الروحَ لها حقٌ في الراحةِ والسلام.
فيا صديقي، لا تُسلمْ زمامَ نفسك لكلِ عارضٍ يرهقُ الروحَ ويثقلُ القلبَ، تعلّمْ أن تتوقفَ قليلاً، أن تتنفسَ عميقاً، أن تمنحَ نفسك فسحةً من الهدوءِ والصفاءِ، ليسَ ضعفاً أن تتراجعَ عن سباقٍ تعلمُ مسبقاً أنهُ لا يؤدي إلا إلى الإعياء، بل هي حكمةٌ وفطنةٌ أن تختارَ لنفسكَ درباً أقلَ وعورةً، وأكثرَ راحةً، حتى لو بدا ذلكَ صعباً في البدايةِ، تذكّرْ دائماً، أن الصحةَ والعافيةَ، وسلامةَ الروحِ هي كنزٌ لا يُقدّرُ بثمنٍ، لا شيءَ يستحقُ أن يُهدّمَ لأجلهِ.
تم نسخ الرابط





