في محراب الحمد سكينة الروح ورجاء الغد
حين تستقر النفس في محراب الحمد، تُولد سكينة الروح وتنتشر بين أوصالها، فتتبدد هموم الدنيا، ويزهر الأمل في ظلمات الألم، لأنّ في الشكر تتجلى راحة لا تنضب.
في محراب الحمد سكينة الروح
لقد مررتُ بما مررتُ به، وتلقّفتني الأيامُ بين مدٍ وجزر، ولكنني ما أصابني سوءٌ قطّ إلا وشهدتُ في طيّاته خيراً خفياً، نوراً يتقدّ من عمق العتمة، ألا تراها حكمةً تتجلّى، وصبراً يورثُ بصيرةً لا تفنى؟ فكم من محنةٍ أيقظت فينا قوّةً لم نكن ندركها، وكم من شدّةٍ كشفت عن معادنَ ما كنّا لنراها إلا تحت وطأة الضيق.
وكم من صباحٍ أشرق عليّ بحملٍ ثقيل، ويومٍ مرّ كئيباً، خيّمَ فيه اليأسُ بظلاله على الروح، ولكنني لم أستسلم لغياهبِ القنوط، لم أقُل يوماً إنّ هذه نهايةُ المطاف، بل كان لسان حالي يقول بصوتٍ خافت، ثم يعلو: غداً أجملُ حتماً، أليس الأملُ هو شراعُ النجاةِ في بحرِ الحياةِ المتلاطم؟ أليست تلك الومضةُ التي تُضيءُ الدروبَ المظلمةَ؟ فكيف لروحٍ أن تحيا دون هذا الرجاء المتجدد؟
ويا لكثرةِ ما فقدتُ في هذا الدربِ الطويل! فقدتُ أحبةً رحلوا، وأحلاماً تبددت، وفرصاً تلاشت، ولكنني لم أجزع ولم أيأس، كان يقيني بأنّ من اللهِ العوض يُربّتُ على قلبي، يُهدّئُ من روعي، ويُذكّرني بأنّ لكلِّ فناءٍ بقاءً، ولكلِّ فقدٍ تعويضاً أجملَ وأبقى، فمن ذا الذي يعوّضُ كرماً وجوداً أكثرَ من خالقِ الأكوان؟
وهل هناكَ أصدقُ من هذا الشعورِ الذي يسكنُ الفؤادَ، شعورُ الامتنانِ الصادقِ الذي يغمرُ الوجدانَ؟ إنها نعمةٌ عظيمةٌ أن تُدركَ أنّ كلَّ ما يصيبكَ هو خيرٌ لك، وأنّ كلَّ يومٍ قادمٍ يحملُ في طياته بشائرَ لا تُحصى، وأنّ كلَّ ما فقدهُ الإنسانُ، سيُعوّضهُ اللهُ خيراً منهُ، إنها عينُ اليقينِ التي تُبصرُ ما وراءَ الحُجبِ، وتتذوّقُ حلاوةَ الأقدارِ.
لهذا، يبقى لساني رطباً بذكرِ اللهِ، وقلبي مطمئناً بقضائهِ وقدرهِ، الحمدُ للهِ دائماً على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، على ما نعلمُ وما لا نعلمُ، على الظاهرِ والباطنِ، فالحمدُ للهِ هو مفتاحُ الرضا، وبابُ السكينةِ، وتاجُ النجاةِ، أليسَ حمدُ اللهِ هو الذي يُحوّلُ المحنةَ إلى منحةٍ، والفقدَ إلى عطاءٍ، والهمَّ إلى فرحٍ؟ إنهُ شكرٌ يُقوي الروحَ، ويُجمّلُ الحياةَ، ويُضيءُ الدروبَ، ويُذيبُ الأحزانَ، فالحمدُ للهِ حتى يبلغَ الحمدُ منتهاهُ.
تم نسخ الرابط





