من تحت السوط إلى فوق الجماجم
من تحت السوط إلى فوق الجماجم، مشهد مرتب بسياق مختلف وكومبارس البارحة أصبحوا أبطال المشهد الآن، بلدٌ مأسوف على شبابها.
من تحت السوط إلى فوق الجماجم ـ المشهد السوري الجديد
تبدلت الأدوار…. بين الظالم والمظلوم كان هناك شعرة السلطة التي قصمت ظهر البعير
ضحايا البارحة، كانوا جلادين يقفون في طابور الانتظار.
المشهد الأول:
بدّلوا الأدوار، ومرروا السوط إلى أيدي المظلومين.
(3-2-1) ….. أكشن.
أن أردت أدلجة الشخص بما يتناسب مع الصورة الخارجية المطلوبة لمشهد المسرحية، عليك أن تمنحه كرسي وسلطة وسوط، وانظر ما يمكنه فعله، وكيف أنه سيثبت للعالم أجمع أن أكثر المخلوقات وحشية….. هو الإنسان!
من رحلة المظلوم وصولاً إلى برّ الظالم
بدأ الأمر منذ أن كان الأسدي يعلو ستاد المسرح، ممسكاً بيده السوط ليجلد كل امرئٍ يلتمس في عينيه نظرة تمرد، أو رفض لمنهجية السلطة المتبعة، أو فكر متطرف.
كان هناك جمهور كبير يُشاهد، ويصفق لأبطال المشهد ويبرر للظالم، التبرير كان بسبب الحملة الإعلامية الممنهجة وأسلوب الخطابات المنمقة والمزينة بمساحيق التجميل، التي كانت حينها تطغى على الفكر وتقوّض قدراته على التفكير والتحليل وقياس الأمر من وجهة نظر أخرى.
كانت الطائفة الأسدية وأتباعها، وإعلامها، يحولون أي مشهد وقع فيه ظلم، إلى فكرة مناهضة ومقاومة للإرهاب والتطرف، أو فكرة أن المعتدي هو من يفتعل تلك القصص ليشير إلى السلطة بإصبعه ويدينها بتلك الأفعال.
وبما أننا شعوب لا تفكر “أبعد من أنفها” لم نترك مساحة في عقولنا للمجادلة، أو رؤية المشهد من زاوية أخرى، بعين المظلوم أو معاناته على الأقل!.
المفارقة السوداء
ثم فجأة…. ودون سابق إنذار، تبدّل كل شيء وانتصر المظلوم، وهذا جعل الجميع يستفيق من غفلةِ السبات العقلي التي كان بها، ويدين نفسه لكونه تأدلج كما كان النظام يريده أن يتأدلج، يجلد روحه لغضّ بصره عن كَم الظلم الذي كان.
- ولكن، يبدو أن الحقيقة ليست كذلك الأمر، برأيك هل جميعنا بطريقةٍ ما ظالمون؟
- هل فكرة الظلم تتماشى مع فكرة من بيده السلطة؟
- هل أنا، بطبيعة الأحوال، إن أمسكت السلطة بقبضة يدي، وأودعت مال الغلابة تحت جناحي، سأتحول من شخص عانى من الظلم إلى شخص ظالم يكافح لكيلا يأخذ أحد مكانه؟.
لقد تبدّل المشهد يا أخي، واختلف الأبطال فيه، فأصبح المظلوم هو الظالم بكل بساطة!!
أنت اليوم، تشاهد القتل التعسفي وتبرر له، بينما كنت تشتم أخيك السوري عندما كان يبرر قتلك!
أنت اليوم تسعى بكل ما لديك لتحافظ على تلك السلطة الممنوحة لك، وإن كلفك الأمر أن تبيد كل معارض لك أو انفصالي أو “فلفول”!.
بينما البارحة، كنت تشكو هذا الصمت، تشكو فكرة أن الجميع أصم عن ظلمك، فكرة أنهم يسعون للحفاظ على السلطة وإن كلفهم الأمر إدانتك واتهامك ظلماً بما يفعلونه، أو قتلك وتهجيرك والتنكيل بجثمانك لأنك كما وصفوك “متطرف”!!.
انظر…. أترى هذا؟
إنه الواقع ذاته… باختلاف الشخصيات.
انظر… البارحة كنت متطرف وارهابي ومعتدي على الدولة.
اليوم توصم أخيك بالانفصالي والخائن والصهيوني!
أترى؟
لن ترى….
قد سبق لنا أن لم نرَ….. كنا نصدق ما يُسمح لنا بمشاهدته من مجازر يعلوها عنوان “بالبنط العريض” “عملية عسكرية نجحت بالتصدي لمجموعة من الارهابيين الذين ارتكبوا العديد من الانتهاكات بحق المدنيين العزّل”.
رغم أن المقتول…. كان مدني أعزل!!
كانت الحملة تطول لتصل إلى الحياة الرقمية… فنجد مجازر الكيماوي، وبداية البوست تكون “قام عدد من الارهابيين باستخدام الكيماوي المحظور عالمياً لقتل المدنيين والعساكر من أجل اتهام السلطة بمثل هذه الأفعال التي لا تمت للإنسانية بصلة، ذهب ضحية هذا الفعل 230 عسكري و1397 مدني”!!!.
وعندما أردنا حينها أن نفكر أبعد من أنوفنا قلنا: (أكيد الارهابيين عملوا هالفعل الشنيع، بما أنو في عساكر راحت بالنص!، وكمان مستحيل الدولة تكون بهالغباء لتستخدم مادة محظورة عالمياً ممكن تهدد السلطة وتقوّض صلاحيتا أو حتى تنهيها عن بكرة أبيها!!”.
أترى؟، اليوم أنت تبرر بنفس السياق.
يخبرونك أنهم انفصاليون…. خونة…. مجموعة فلول لم يتمكنوا من تحمل فكرة انقلاب الحكم، لم يتحملوا فكرة عدم الاستفادة من الدولة لذا أرادوا أن يحرقوا البلد بكل مافيه لينسفوا ما تبقى منها.
يريدون تهميشك مجدداً…. انتبه… يريدون الإنهاء على حكم الأكثرية!
دافع بشراسة…. اقتل عمداً وإن كان هناك أبرياء… ازرع الخوف في قلوبهم… شتت شملهم، اتركهم يخضعون تحت أمرك مهما كلفك الأمر!.
خلاصة ضبابية: من قفص الاتهام إلى كرسي الجلاد.
- كانوا يصرخون بالأمس:
- “نحن الضحايا!”.
- واليوم يرددون:
- “هذا ضروري للحفاظ على الأمن!”.
الأدوات نفسها:
- السجن يُسمى الآن “مركز إعادة تأهيل”.
- التعذيب أصبح “تحقيقات أمنية”.
- القتل الجماعي صار “عمليات استباقية”.
- الضحايا السابقون يمارسون الآن ما تعلموه من جلاديهم لأن “السلطة لا تُغيّر الناس.. تكشفهم فقط”.
أدوات التبرير.. نفس اللعبة بقواعد جديدة
- البارحة:
- “هؤلاء إرهابيون!”.
- اليوم:
- “هؤلاء انفصاليون!”.
- الأمس:
- “نحمي الوطن من المؤامرات!”.
- اليوم:
- “ندافع عن مكتسبات الثورة!”.
- المبررات تتغير، لكن المنطق يبقى:
- “القتل مسموح عندما تفعله الدولة.. أي دولة!”.
حسناً…. دعني أخبرك، أن مظلوميتك البارحة، انقلبت لفعل الظالم اليوم، وأن ما تخشاه على نفسك وتقاوم من أجله حتى وإن كلفك الأمر أرواح الأبرياء، كان سابقاً يفعلها جلادك نفسه!.
وأن ما يتم إقناعك به… ما هو إلا حرب إلكترونية تعسفية من أجندة خارجية، تتحكم بك وبعقلك المربع لتحوله إلى عقل مُسيّر كما يريدك الخارج.
يقول لك اقتل… فتقتل…. اذبح، فتذبح.
ثم أخيراً يخبرك…..
أن كرتك احترق، لقد تصرفت بوحشية بحماقتك وسذاجتك التي دفعتك لها وأنت رضخت كالأبله، لذا مافعلته، قوّض صلاحيات سلطتك، وأدانها بل وأثبت للعالم أجمع…… أنك كنت حقاً متطرف وبهذا، نسفت حق المظلوم سابقاً بعدما وصمت ثورتك بالارهاب بفعل يديك.
نسفت حق الذي ظُلم سابقاً ولا يقبل الظلم اليوم، لأنك أخرسته رغماً عنه عن هذا الظلم مثلما تم لجم أفواه كثيرة سابقاً!
أنت اليوم، مسحت كل شيء….. وإن كنت سابقاً صاحب حق…. فإنك اليوم “عليك الحق”!.
تم نسخ الرابط





