نظام الأسد من تأسيس حزب البعث حتى تقلّده السلطة
منذ بداية الحزب العربي الاشتراكي والانقسامات الجهوية الطائفية بين أوساطه، نجد أن نظام الأسد عمل على تكثيف مواليه لتكن السلطة بيد الأقلية بعد نشوء تيارات حزبية مختلفة.
نظام الأسد وميل كفة الطائفية برائحة الاشتراكية!
في بداية الأمر، عليّ أن أُعيد عرض السيناريو المبتذل الذي حدث قبل فترة حكم الأسد منذ طليعة حزب البعث والذي رفع من حدة التكتل الطائفي إلى صعود الحاكم البعثي باسم الاشتراكية على عرش السلطة.
وسأحاول جاهدة أن أتنقل به بحسب التسلسل الزمني لكي تكون الصورة كاملة وواضحة.
عندما نحاول البحث عن أسباب تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، فإننا نعود بالزمن إلى فترة الحكم العثماني، حين عانت البلاد آنذاك من التصدع القديم الذي نشأ بين الجاليات الدينية المختلفة والسنيين والأقليات الدينية بالأخص، حيث أن التدخل الذي حدث في فترة الحكم العثماني عزز هذا الصدع أكثر ورفع من حدة الشرخ بين الطوائف المختلفة!!.
إذ وضعت فرنسا نفسها مسؤولة عن حماية المسيحيين الموارنة في لبنان، وأما الحكومة الروسية فقد منحت نفسها حق حماية الأرثوذكس التابعين للسلطان العثماني، بينما بريطانيا فقد مالت كفّتها نحو اليهود والدروز واستأثرت حمايتهم، وهذا الأمر رفع من حدة الضغينة من قبل السنّة الذين وجدوا أن تلك الأقليات عبارة عن مجموعة خونة مؤيدة للسلطات الأوروبية!!.
ثم ارتفعت حدة تلك التفرقة بعدما استعمر المحتل الفرنسي البلاد، وعمل على تعزيز سياسة (فرّق تسد) رغبةً منه لمنع ظهور القومية العربية، وهذا ما دفعه بحسب رؤية المستشرق (نيقولاس فان دام) في كتابه (الصراع على السلطة) لأن يمنح مناطق الساحل حكماً ذاتياً، بما يعزز الرفض والنبذ لديهم للطوائف الأخرى، وكذلك الأمر عملت على تطبيق هذه السياسة في جبل الدروز.
ثم تلا هذا قيام الفرنسيين بتجنيد الأقليات في ما عُرف باسم (القوات الخاصة بالشرق الأدنى)، وهذا ما زاد شعور السخط لدى الغالبية السنية، الذين رأوا في هذا محاولة لخلق مجتمع مغلق يعزز فكرة التناحر الطائفي على حساب “السُنة” الناطقين العربية.
مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق
بعد استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي سنة 1946، بدأ تأسيس حزب البعث على يد (ميشيل عفلق) و(صلاح الدين بيطار) ووضع شعاراً أساسياً لكينونة هذا الحزب وهو الحرية والمساواة بجانب مبادئ الاشتراكية، وهذا ما دفع بالكثير لتأييد فكرة الحزب لأنهم رأوا أن هذا الحزب كفيلاً بأن يحفظ حقوقهم كأقلية ويلغي هذا المسمى عنهم.
ولاختصار تتمة الأحداث، يمكن إيجاز القول أنه وبعد الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958م، قد تم حلّ الحزب بشروط جمال عبد الناصر، إلا أنه قد استعاد كينونته بعد الانفصال وتشكّل من نواة البعثيين الذين بقيوا على عهد الحزب في تنظيم سري في اللاذقية وحوران ودير الزور.
مما يعني أن النشطاء العسكريون عملوا على تخريب مفهوم حزب البعث من خلال محاولة السيطرة عليه بأيدي المدنيين، وبدأ الصراع يصل لأوجه بين الفصيل المدني بقيادة ميشيل عفلق واللجنة العسكرية بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد.
انقلاب الضباط البعثيين وتقلّد السلطة
بتاريخ 8 مارس/أذار سنة 1963م، قام عدد من الضباط البعثيين بانقلاب أدى إلى تقلّدهم للسلطة وقد ضم هذا الانقلاب كوكبة من الضباط منهم: (صلاح جديد، محمد عمران، حافظ الأسد، عبد الكريم الجندي، أحمد المير).
وبعدما تبين لأولئك الأعضاء أن عددهم قليل لا يتجاوز الـ 400 شخص من أعداد المدنيين البعثيين، فقد بدأوا بتقوية أوصالهم من خلال رفع رتبة أنصار الحزب إلى (عضو عامل) بالإضافة إلى عملية ضم قادة الحزب لأقربائهم وأصدقائهم لهم بفضل عدم وجود شروط معينة للقبول وهذا ما عمل على وضع حزب البعث على هاوية المصالح الشخصية لكل قيادي على حدة.
كل هذا أدى إلى بث الطائفية وخلق تكتلات وتيارات حزبية مختلفة متناسيين بهذا مبدأ الاشتراكية الذي يقوم عليه الحزب، وهذا ما جعل البلاد في حالة صراع على السلطة بين الطوائف المختلفة.
أعضاء اللجنة العسكرية البعثية الحاكمة للبلاد
أبرز أعضاء اللجنة كانوا من الأقليات (العلوية والدرزية والإسماعيلية) حيث بلغ عددهم تسعة ضباط من أصل 14 ضابط، هذا الأمر جعل الغالبية السنية يشعرون بأن تقلّد السلطة يتم احتكاره للأقلية تلك، وهذا ما دفع لأن يقوم بعضهم بانقلاب بقيادة (جاسم علوان) وقد باء هذا الانقلاب بالفشل.
هذا الأمر دفع بالضباط البعثيين من الأقليات لأن يرفعوا من أعداد العسكريين الموالين لهم لتمكين الجاهزية للسلطة وتقوية مراكزهم.
وفيما كتب الدكتور “منيف الرزاز” الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث قائلا: “إن روائح التكتيل الطائفي المقصود بدأت تفوح، وبدأ الحديث عنها أول الأمر، همساً، ثم بدأت الأصوات في الارتفاع حين ظهرت بوادر مادية تسند الاتهام”.
تبع هذا بدء عملية التمييز ضد السنة، وسُرِّح منهم الكثير وكل هذا رسم المستقبل الطائفي الذي يتم تحضيره تحت مسمى الوحدة، ورغم أن رئيس البلاد ووزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري وهو (أمين الحافظ) كان سنياً، إلا أن العلويين (حافظ الأسد، وصلاح جديد) والدرزي (سليم حاطوم) تقلّدوا المناصب العسكرية وكسبوا مساندة العديد من الجماعات العسكرية ولكن دوناً عن سليم حاطوم رغم أنه كان اليد المشاركة الأبرز في هذا الانقلاب، وهذا الأمر أثار سخطه بعدما تم استبعاده من مكاسب هذا الانقلاب.
ثم عمل صلاح جديد وصديقه المقرب حافظ الأسد، على عمل انقلاب بسبب الاستقطاب الطائفي الجائر الذي كان يحدث في الجيش السوري بين السنة والعلوية، مما أدى إلى سجن أمين الحافظ وتسلّم صلاح جديد لمنصب أمين عام ومساعد للقيادة القطرية لحزب البعث، وحافظ الأسد تسلّم القيادة العسكرية بتوليه وزيراً للدفاع بينما تم وضع واجهة رمزية سنية على رئاسة السلطة ويمثلّها (نور الدين الأتاسي).
وبما أنه قد تبيّن لنا أن الاحتكار الخاص للسلطة كان للعلويين بشكلٍ واضح، فإن هؤلاء الصديقين أيضاً قد جعلتهم السلطة أكثر جشعاً مما جعل الخلاف بينهما يشتد أكثر بعدما كانت السلطة آنذاك ازدواجية بينهما.
بعد نكسة حزيران سنة 1967، عندما قررت القيادة السورية أن تقيم حرباً على إسرائيل بحجة تحرير فلسطين ومحاولة استعادة أراضيها المحتلة، قامت البلاد العربية بالانضمام لتلك الحرب أمثال: (مصر والأردن والقوات العراقية) في رغبةٍ منهم على إضعاف همة إسرائيل من عدة جهات، ولكن وبعد بدء التوجه الفعلي للقوات لتحرير فلسطين، لم تدخل سوريا الحرب بشكل فعلي إلا بعد 22 ساعة!!.
هذا الأمر أودى بالقوات العربية الأخرى لأن تضعف عزيمتها بعدما بقيت جبهة سوريا مفتوحة ودون أي معارك، ولو أن سوريا دخلت الحرب فوراً منذ بدايتها لكانت إسرائيل في حالة وهن وضعف بسبب فتح عدة جبهات عليها.
ولكن بدلاً من التحرير، فقد أصبحت الجولان محتلة من قبل إسرائيل ببساطة!!.
حزب البعث كان الممهد الأول لهذا السقوط، خاصةً وأنه قد تم إعلان سقوط القنيطرة على لسان (حافظ الأسد) والذي كان آنذاك وزيراً للدفاع قبل سقوطها حتى وهو ما أثار الشك والريبة في النفوس.
هذا يجعلنا نستدل أن إسرائيل ساعدت هذا الحزب على التمدد وتقلّد السلطة بعدما قُدمت لها الجولان على طبقٍ من فضة في مقابل حصوله على السلطة والمساندة.
فلاش باك قبل انقلاب حافظ الأسد على صديقه بفترة!
بدأت الخلافات بين الصديقين تتضح أكثر بسبب الاختلافات الفكرية والإقليمية، وخاصةً بعد نكسة حزيران، حيث تمت المطالبة بمعاقبة حافظ الأسد ومصطفى طلاس، وهذا ما جعل ازدواجية السلطة تكون بين السلطة العسكرية بيد حافظ الأسد والحزب والشؤون المدنية بيد صلاح جديد.
هذا دفع بصلاح جديد لمحاولة ضرب الوجود السياسي لحافظ الأسد عن طريق إطلاق حملة إعلامية وسياسية ضده والحدّ من الوجود السياسي لمؤيديه في معاقله.
مما جعل الأسد يرد بحملة اعتقالات لقيادة الحزب، وأمر بعدم تعميم أي أمر من القيادة القطرية للحزب على الضباط، وعمل على تجنيد العديد من الضباط العلويين لتعزيز قواته أكثر.
إلى أن بدأت أحداث 1970 بالتفجّر بين مقاتلي المنظمات الفلسطينية والحكومة الأردنية، مما دفع بصلاح جديد بإصدار أمر لإرسال الدبابات السورية ومساندة القوات الفلسطينية إلا أن الأسد رفض أن يُرسل حماية للغلاف الجوي لهم مما جعل تلك الدبابات السورية تتدمر بفعل الطيران الحربي الأردني.
انقلاب حافظ الأسد
بعد هذا الفعل، قام صلاح جديد بتهديد حافظ الأسد ومصطفى طلاس بأن يُحيلهم من مناصبيهما، مما دفع بالأسد لأن يُقيم انقلاباً عسكرياً جعل صلاح جديد ونور الدين الأتاسي يقعون تحت حكم الإقامة الجبرية بأوامر الأسد ثم تبع ذلك سجنهما.
سنة 1971م، تم انتخاب حافظ الأسد ليكون رئيساً للجمهورية العربية السورية بأغلبية ساحقة، بعد انقلاب البعث الذي شنّه على صلاح جديد بما يسمى الحركة التصحيحية!!.