علم النفس

ما هي نظرية التعلق في علم النفس وما هي تأثيراته

علاقات الطفولة ليست مجرد ذكريات بل هي أساس نفسي يؤثر على مستقبلنا، اكتشف من خلال نظرية التعلق كيف تُشكل هذه الروابط هويتنا العاطفية وما تأثيرها.

ما هي نظرية التعلق في علم النفس؟

تُعد واحدة من أكثر النظريات النفسية تأثيراً في فهم العلاقات الإنسانية والتفاعلات العاطفية وتم تطويرها من قبل عالم النفس البريطاني (جون بولبي) في منتصف القرن العشرين، والذي سعى إلى شرح كيفية تشكل الروابط العاطفية بين الأطفال ومقدمي الرعاية وكيف تؤثر هذه الروابط على التطور النفسي والعاطفي للأفراد طول حياتهم، وتُعتبر هذه النظرية أساسية في علم النفس التنموي، ولها تطبيقات في مجالات كثيرة مثل: (التربية والعلاج النفسي والعلاقات الاجتماعية).

ما هو مفهوم التعلق في علم النفس؟

التعلق هو مفهوم نفسي يشير إلى الارتباط العاطفي الذي يتكون بين الأفراد، و يظهر غالباً في العلاقات بين الآباء والأبناء و يتألق في العلاقات الرومانسية، بالإضافة إلى أنه يتضمن نوعاً من الاعتماد العاطفي حيث يشعر الفرد بالأمان والراحة بوجود شخص آخر مما يعزز من الصحة النفسية للأطفال على المدى البعيد.

نشأة وتطور نظرية التعلق

تطورت هذه النظرية في منتصف القرن العشرين عندما بدأ علماء النفس في البحث عن تفسيرات للروابط العاطفية التي تتشكل بين الأطفال ومقدمي الرعاية الأساسيين لهم وعادة ما تكون الأمهات، وأعتقد بولبي أن الأطفال يولدون بميول فطرية إلى تكوين روابط قوية مع مقدمي الرعاية لهم لأن هذه الروابط تضمن الحماية والبقاء، وهذا الاعتقاد مستوحى من الأبحاث السابقة في علم الأحياء وعلم النفس، وخاصة فيما يتعلق بسلوك الحيوان وآليات البقاء على قيد الحياة.

ما هو أساس نظرية التعلق؟

استندت النظرية إلى فكرة اعتماد الأطفال على العلاقات العاطفية المستقرة مع مقدمي الرعاية لضمان شعورهم بالأمان والتواصل، ويرى بولبي أن هذه الروابط ليست مجرد احتياجات فيزيولوجية ملموسة مثل: الطعام والمسكن، بل هي ضروريات للنمو العاطفي والنفسي الصحي حيث ركز هذا النموذج على أهمية الأمان العاطفي للأطفال، مؤكداً أن التفاعل الجيد والمستمر مع المسئول عن الرعاية يمنح الطفل ثقة في العالم ويعزز من قدرته على التعامل مع التحديات النفسية في المستقبل.

المبادئ الأساسية لنظرية التعلق

تكمن أهمية نظرية التعلق في كونها تقدم تفسيراً عميقاً لكيفية بناء الثقة والأمان والاستقلالية من خلال التفاعلات الأولية بين الطفل ومقدمي الرعاية من أولياء الأمور، ومن اهم المبادئ التي تعتمد عليها النظرية:

السعي إلى الأمان

يُعد السعي إلى الأمان من أهم المبادئ في نظرية التعلق، حيث أن الأطفال تسعى إلى الأمان والراحة من خلال الاقتراب من مقدم الرعاية، وعندما يشعر الطفل بالقلق أو الخوف يبحث عن دعم ورعاية الشخص الذي يثق به مثل الأم أو الأب، و يعتبر هذا السلوك جوهرياً لضمان بقاء الطفل وتطوره.

قاعدة الأمان

تُشير قاعدة الأمان إلى احتياج الطفل إلى علاقة وثيقة وآمنة مع مقدم الرعاية ليستطيع استكشاف البيئة المحيطة، فعندما يشعر الطفل بالأمان يساعده ذلك على التفاعل مع العالم حوله بثقة وتجربة أشياء جديدة، على عكس شعوره بالتهديد أو عدم الأمان يتسبب هذا في ميله إلى العودة إلى مسئول الرعاية طلباً للحماية.

استمرارية التعلق

لم يكن التعلق مشكلة مؤقتة تنشأ في مرحلة الطفولة، بل يمكن أن يستمر أثرها مدى الحياة لذلك أعتقد بولبي أن أسلوب التعلق الذي يشكله الطفل مع مقدم الرعاية يمكن أن يؤثر على كيفية تعامله مع علاقاته المستقبلية في مرحلة البلوغ والرشد، ويتضمن هذا العلاقات العاطفية والصدقات والتفاعلات المهنية وذلك بناءاً على نمط التعلق المُتبع.

ما هي أنماط التعلق؟

تم تحديد أنماط مختلفة من التعلق التي تتطور لدى الأطفال بناءاً على نوعية العلاقة مع مقدم الرعاية، وتعكس هذه الأنماط الاستجابة العاطفية للطفل في مواقف مختلفة وتوضح كيف يتوقع الطفل تفاعل مقدم الرعاية معه، مثل:

التعلق الآمن

يتمتع الأطفال الذين يشعرون بالتعلق الآمن بالراحة والاطمئنان عندما يكونون بالقرب من مقدم الرعاية ويستطيعون استكشاف بيئتهم بثقة، وفي حالة غيابهم لفترة قصيرة قد يشعر الطفل بالقلق لكنه يعود إلى الهدوء عندما يعود الشخص المسئول عنه.

القلق المتجنب

يعاني الأطفال الذين يطورون نمطاً من التعلق المتجنب من انفصالاً عاطفياً عن مقدم الرعاية خاصتهم، مما يتسبب في تجنبهم البحث عن الدعم أو الراحة حتى في الأوقات التي يحتاجون فيها إلى ذلك، ويرجع هذا النمط إلى تفاعل غير منتظم أو غير متجاوب من مقدم الرعاية مع احتياجات الطفل.

القلق المتردد

يشعر الأطفال الذين يظهرون تعلقاً يتميز بأطوار مختلفة قَلقة ومترددة بالقلق الشديد بشأن الانفصال عن مقدم الرعاية، ويظهر غالباً هذا النمط مع الأطفال الذين يتعرضون لتفاعلات متناقضة من مسئول الرعاية حيث يمكن أن يكون في بعض الأحيان مستجيباً وفي أوقات أخرى غير مهتم أو غير متاح.

التعلق الفوضوي

يُعد هذا النمط من أكثر الأنماط تعقيداً، ويظهر في الأطفال الذين يتعرضون لتجارب صادمة أو سوء معاملة من مقدمي الرعاية، وينعكس هذا على تفاعلات غير متوقعة وغير منظمة وقد يتصرف الطفل بطرق متناقضة مثل الاقتراب والابتعاد في نفس الوقت.

هل يؤثر التعلق على النمو النفسي والاجتماعي؟

نعم، يؤثر التعلق على النمو النفسي والاجتماعي للفرد مُنذُ ميلاده وحتى مرحلة البلوغ، ويظهر تأثيره في العلاقات العاطفية والاجتماعية طبقاً لاختلاف درجة التعلق من شخص لآخر وكذلك المراحل التي يمر بها الشخص مثل:

مرحلة الطفولة

تؤثر نوعية التعلق في الطفولة على التطور النفسي والاجتماعي للأطفال بشكل كبير، فالأطفال الذين يشكلون روابط تعلق آمنة يكونون أكثر استقلالية وثقة بأنفسهم، على عكس الأطفال الذين يظهرون أنماطاً غير آمنة قد يعانون من القلق والتوتر المفرط في التعامل مع البيئة المحيطة.

مرحلة المراهقة

يظل تأثير التعلق واضحاً في مرحلة المراهقة، حيث يميل المراهقون الذين لديهم تعلق آمن إلى بناء علاقات صحية ومستقرة مع غيرهم، بينما الذين يعانون من تعلق غير آمن قد يواجهون صعوبات في التكيف الاجتماعي وتشكيل الهوية.

مرحلة البلوغ

يؤثر نمط التعلق في مرحلة الطفولة بشكل كبير على الطريقة التي تتعامل بها مع العلاقات الرومانسية كشخص بالغ، ويميل الأشخاص الذين لديهم ارتباطات آمنة إلى أن يكونوا أكثر استقراراً عاطفياً وقدرة على الحفاظ على علاقات طويلة الأمد، فالأفراد الذين يظهرون أنماطاً غير آمنة قد يعانون من مشاكل الثقة والارتباط العاطفي، مما يؤثر على قدرتهم على تكوين علاقات مستدامة.

تأثير التعلق على الصحة النفسية

  • الاكتئاب والقلق: أشارت العديد من الأبحاث إلى أن الأفراد الذين يعانون من تعلق غير آمن يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، ويرجع هذا إلى نقص الأمان العاطفي الذي يعانون منه منذ الطفولة مما يجعلهم يشعرون بعدم الثقة في الآخرين وفي أنفسهم.
  • اضطرابات الشخصية: يعاني الأشخاص الذين يظهرون ارتباطاً غير منظم أو غير آمن من الإصابة باضطرابات الشخصية، كما يواجهون صعوبة في تكوين علاقات مستقرة وغالباً ما يعانون من تقلبات شديدة في مشاعرهم تجاه الآخرين.

كيفية تعزيز التعلق الآمن؟

  • الاستجابة السريعة لاحتياجات الطفل: من الضروري أن يستجيب مقدمو الرعاية بسرعة لاحتياجات الأطفال العاطفية والجسدية، مما يعزز شعورهم بالأمان ويساهم في تطوير تعلق آمن.
  • التواصل الفعّال: التواصل الجيد بين مقدم الرعاية والطفل يعزز من الروابط العاطفية ويزيد من ثقة الطفل في العالم من حوله.

ستظل نظرية التعلق في علم النفس من أبرز النظريات التي ساهمت في فهم عميق للروابط العاطفية وتأثيرها الدائم على حياتنا، من خلال تسليط الضوء على أهمية العلاقات المبكرة بين الطفل ومقدمي الرعاية، وكيفية تشكيل الروابط الأساسية الذي نبني عليه قدرتنا على الحب والثقة والاستقلالية طوال حياتنا.

جيهان جهاد محمد

أنا طَير حُر طَليق في رِحاب الحياة يبحَث عن المَعنى والحِكمة والحُب والصَبر وكُلها معاني تتجلى في الكِتابة والعلم والمعرفة، فهُم أسلِحة مَن لا سلاح له، أنا چيهان جهاد من مَصر، أُحب التعلُم وتوصيل رِسالتي لِمن يقرأ.
زر الذهاب إلى الأعلى