تُعتبر قصة هاروت وماروت القصة الأكثر جدلاً في التراث الإسلامي، وأثارت الكثير من التساؤلات في عقول الناس، هيا لنذهب معاً في جولة حول المعلومات الأكيدة في هذه القصة.
ملخص قصة هاروت وماروت
تدور أحداث هذه القصة في زمنٍ قديم في مدينة بابل العراقية حيث أرسل الله اثنين من ملائكته يُدعيان (هاروت وماروت) إلى الأرض ليعلّموا الناس السحر، ولكنّهم أخبروا جميع الناس أنهم فتنة.
تكفير اليهود والشياطين للنبي سليمان
لقد كان للنبي (سليمان) عليه السلام مكانة كبيرة عند الله، فقد أعطاه علماً كبيراً و سخّر له الإنس والجن والريح، ويُعرف أيضاً أن تحت عرش النبي سليمان كان هناك الكثير من الكتب التي تحمل علمه وكتبها رجل يعمل عند النبي سليمان يُدعى (آصف)، وقد كانت الشياطين لا تستطيع الاقتراب من النبي سليمان طوال حياته، وإذا حاولت الاقتراب منه تحترق على الفور، لكن بعد وفاة النبي سليمان استطاع الشياطين من خلال تنكّر أحدهم بهيئة رجل الوصول إلى هذه الكتب وقاموا بإضافة بعض الأمور مثل الاستعانة بغير الله والسحر والكفر، ونشرها بين الناس على أنها كتب لتعليم السحر وأنها السبب في قوّة النبي سليمان وحكمه، وانتشر السحر بين الناس منذ ذلك الحين، وبدأ اليهود التكفير بالنبي سليمان والقول أنه ساحر وليس نبي.
إرسال الملَكَين هاروت وماروت إلى الأرض
وهنا أرسل الله تعالى اثنين من ملائكته وهما (هاروت وماروت) إلى أرض بابل كي يعلّموا الناس السحر ويُفرّقوا ما بين معجزات الأنبياء والسحر، فقد كان اليهود في هذه الفترة يرهبون الناس بالسحر ويحاولون إقناع البشر أن الساحر بيده كل شيء ويستطيع ضرّ الناس ونفعهم، فكان إرسال هاروت وماروت في هذه المرحلة بمثابة اختبار وابتلاء من الله سبحانه وتعالى لعباده، وكانوا عندما يعلّموا أحداً السحر يخبراه بأنهما فتنةً في الأرض وينصحاه بالابتعاد عن السحر لأن العمل به من الكفر، واستخدام هذا السحر والعمل به من المحرّمات التي تكون من أسباب دخول مُزاولها إلى النار، ولكن أكّد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنه لا يمكن لأحد إلحاق الأذيّة بغيره من البشر عن طريق السحر إلّا بإذنه تعالى، وهنا كانت نهاية مهمة هاروت وماروت على الأرض والله أعلم.
قصة المرأة التي تعلمت السحر من هاروت وماروت؟
هناك بعض الروايات التي تقول أن هاروت وماروت ملائكة، لكنهم أُرسلوا إلى الأرض بشهوات البشر، فأتت امرأة جميلة و أغوتهما، فأخبراها بالكلمات التي يصعدان بها إلى السماء، وعندما صعدت مسخها الله إلى (كوكب الزهرة) المعروف حالياً، وقد نُسبت هذه القصة إلى كلام كعب الأحبار ورواها الكثير من الأئمة، وقال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) بخصوص هذا الأمر: (أما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم فعلماها فقالته فرفعت كوكبا في السماء فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار، وتلقاه عنه طائفة من السلف فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بنى إسرائيل)، لهذا يمكننا القول أن هذه خرافة ليس لها سند صحيح وموثوق والله أعلم.
ما هو سبب نزول هاروت وماروت؟
لقد كان لنزول الملاكين على الأرض غايات كثيرة أهمها:
- أن الكهنة احتكروا هذا العلم وأصبح الجميع يُصدّق أنهم يعلمون الغيب و يستطيعون إيذاء الناس ونفعهم.
- ليُفرّقوا ما بين السحر الذي يمارسه السحرة وبين معجزات الأنبياء.
- ابتلاء من الله تعالى لعباده، فمن عمل به واعتقده فهو كافر.
ما هي اية هاروت وماروت في القرآن؟
لقد تم ذكر اسماء هاروت وماروت في موضع واحد في القرآن الكريم في سورة البقرة الآية (102)، (بسم الله الرحمن الرحيم وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.
الحقائق الثابتة التي نستخلصها من الآية
- ينفي الله سبحانه وتعالى الاتهامات التي وجهوها اليهود للنبي سليمان بأنه ساحر، ويبرأه مما قالوا عنه.
- هاروت وماروت من الملائكة، و ليسوا من البشر مثلما زعم البعض بأنهما مَلِكَين في الأرض.
- أُرسلوا إلى الأرض بأمرٍ من الله تعالى ليعلّموا الناس السحر، وكان هذا ابتلاءاً من الله سبحانه وتعالى لعباده واختبار لقدراتهم في الابتعاد عن الفتن وما يُغضب الله.
- لم يعلّموا أحداً السحر إلّا وقدموا له النصيحة في بادئ الأمر بالابتعاد عن هذه الأمور، وأخبروه بأنهما فتنةً في الأرض.
- السحر من المُحرّمات التي يكرهها الله سبحانه وتعالى، ومن يعمل به و يحاول أذية الناس والأزواج للتفريق بينهما، فهو يكفر.
- لا يمكن للسحر أو لأي شيء آخر أن يضر أو ينفع إلّا بإذن الله تعالى.
ما هو تفسير وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت؟
اختلف علماء الدين والمفسّرين في تفسير هذه الآية وتضاربت الآراء حول معنى (ما) في الآية إن كانت نافية أو موصولة بمعنى الذي:
(ما) نافية
إذا كانت (ما) في قوله تعالى (ما أُنزل على المَلَكَين ببابل)، هي (ما) النافية بمعنى (لم)، يُصبح المعنى هنا أنه لم ينزل على الملكين ببابل السحر، و يذكر (الطبري) بعض من قال هذا الرأي في كتاب تفسير الطبري، ومنهم:
- 1670 – حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فإنه يقول: لم ينزل الله السحر.
- 1671 – حدثنا ابن حميد قال: حدثني حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: (وما أنزل على الملكين)، قال: ما أنزل الله عليهما السحر، والله أعلم.
(ما) موصولة بمعنى الذي
وهناك بعض الآراء التي تقول أن (ما) هنا موصولة بمعنى (الذي)، فيصبح المعنى أن اليهود اتّبعوا الشياطين واستخدموا السحر الذي أُنزل على الملكين ببابل، وذكر (الطبري) بعض أصحاب هذا الرأي، منهم:
- 1673 – حدثني موسى قال: حدثنا عمرو قال: حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، فهذا سحر آخر خاصموه به أيضا، يقول: خاصموه بما أنزل على الملكين، وأن كلام الملائكة فيما بينهم، إذا علمته الإنس فصنع وعمل به، كان سحرا.
- 1674 – حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)، فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين، وسحر يعلمه هاروت وماروت والله أعلم.
ما هي فوائد من قصة هاروت وماروت؟
- تحذّر القصة من أضرار التعامل بالسحر، وأنه يؤدي إلى الفتنة والضلال.
- معرفة أن السحر حرام و من الأشياء المكروهة عند الله سبحانه وتعالى.
- تُذكّرنا القصة أن لا شيء يفوق قدرة الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يُمكنه ضرّك أو نفعك إلّا بأمر من الله.
- لا يمكننا التشكيك بأي أمر يقوله الأنبياء.
